فانحطت بذلك نفوسهم عن مقامها، الذي كان لها بمقتضى الفطرة... فهذا قوله: ثُمَّ رَدَدْناهُ أَسْفَلَ سافِلِينَ، أى: صيرناه أسفل من كثير من الحيوانات التي كانت أسفل منه، لأن الحيوان المفترس- مثلا- إنما يصدر في عمله عن فطرته التي فطر عليها، لم ينزل عن مقامه، ولم ينحط عن منزلته في الوجود. أما الإنسان فإنه بإهماله عقله، وجهله بما ينبغي أن يعمله لتوفير سعادته وسعادة إخوانه،ينقلب أرذل من سائر أنواع الحيوان، ولطالما قلت: «إذا فسد الإنسان فلا تسل عما يصدر عنه من هذيان أو عدوان». والذي يتأمل الرأى الثاني والثالث يرى أن بينهما تلازما، لأن الانحراف عن الفطرة السوية يؤدى إلى الدخول في النار وبئس القرار، وهذان الرأيان أولى بالقبول، لأن الاستثناء في قوله- تعالى- بعد ذلك: إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ فَلَهُمْ أَجْرٌ غَيْرُ مَمْنُونٍ يؤيد ذلك، إذ المعنى عليها: لقد خلقنا الإنسان في أحسن تقويم، ثم رددناه إلى النار بسبب انحرافه عن الفطرة، وإيثاره الغي على الرشد، والكفر على الإيمان... إعراب القرآن الكريم: إعراب ثم رددناه أسفل سافلين. ﴿ تفسير ابن كثير ﴾ ( ثم رددناه أسفل سافلين) أي: إلى النار. قاله مجاهد وأبو العالية والحسن وابن زيد ، وغيرهم.
وقال آخرون: بل معنى ذلك: ثم رددناه أسفل سافلين في جهنم، إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات، فلهم أجر غير ممنون، فعلى هذا التأويل: إلا الذين آمنوا &; 24-513 &; وعملوا الصالحات مستثنون من الهاء في قوله: ( ثُمَّ رَدَدْنَاهُ) ، وجاز استثناؤهم منها إذ كانت كناية للإنسان، وهو بمعنى الجمع، كما قال: إِنَّ الإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ * إِلا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ. * ذكر من قال ذلك: حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى؛ وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء، جميعا عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد (ثُمَّ رَدَدْنَاهُ أَسْفَلَ سَافِلِينَ * إِلا الَّذِينَ آمَنُوا): إلا من آمن. النوال... (37) (ثُمَّ رَدَدْنَاهُ أَسْفَلَ سَافِلِينَ). حدثنا ابن عبد الأعلى، قال: ثنا ابن ثور، عن معمر، قال: قال الحسن، في قوله: ( ثُمَّ رَدَدْنَاهُ أَسْفَلَ سَافِلِينَ): في النار ( إِلا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ) قال الحسن: هي كقوله: وَالْعَصْرِ * إِنَّ الإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ * إِلا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ. وأولى الأقوال في ذلك عندنا بالصحة، قول من قال: معناه: ثم رددناه إلى أرذل العمر، إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات في حال صحتهم وشبابهم، فلهم أجر غير ممنون بعد هرمهم، كهيئة ما كان لهم من ذلك على أعمالهم، في حال ما كانوا يعملون وهم أقوياء على العمل.
تفسير و معنى الآية 5 من سورة التين عدة تفاسير - سورة التين: عدد الآيات 8 - - الصفحة 597 - الجزء 30. ﴿ التفسير الميسر ﴾ أَقْسم الله بالتين والزيتون، وهما من الثمار المشهورة، وأقسم بجبل "طور سيناء" الذي كلَّم الله عليه موسى تكليمًا، وأقسم بهذا البلد الأمين من كل خوف وهو "مكة" مهبط الإسلام. لقد خلقنا الإنسان في أحسن صورة، ثم رددناه إلى النار إن لم يطع الله، ويتبع الرسل، لكن الذين آمنوا وعملوا الأعمال الصالحة لهم أجر عظيم غير مقطوع ولا منقوص. تفسير قوله تعالى: ثم رددناه أسفل سافلين. ﴿ تفسير الجلالين ﴾ «ثم رددناه» في بعض أفراده «أسفل سافلين» كناية عن الهرم والضعف فينقص عمل المؤمن عن زمن الشباب ويكون له أجره بقوله تعالى: ﴿ تفسير السعدي ﴾ فردهم الله في أسفل سافلين، أي: أسفل النار، موضع العصاة المتمردين على ربهم. ﴿ تفسير البغوي ﴾ ( ثم رددناه أسفل سافلين) يريد إلى الهرم وأرذل العمر ، فينقص عقله ويضعف بدنه ، والسافلون: هم الضعفاء والزمنى والأطفال ، فالشيخ الكبير [ أسفل] من هؤلاء جميعا ، [ " وأسفل سافلين " نكرة تعم الجنس ، كما تقول: فلان أكرم قائم فإذا عرفت قلت: أكرم القائمين. وفي مصحف عبد الله " أسفل السافلين " ﴿ تفسير الوسيط ﴾ وقوله- تعالى-: ثُمَّ رَدَدْناهُ أَسْفَلَ سافِلِينَ معطوف على ما قبله وداخل في حيز القسم.
شكرا لدعمكم تم تأسيس موقع سورة قرآن كبادرة متواضعة بهدف خدمة الكتاب العزيز و السنة المطهرة و الاهتمام بطلاب العلم و تيسير العلوم الشرعية على منهاج الكتاب و السنة, وإننا سعيدون بدعمكم لنا و نقدّر حرصكم على استمرارنا و نسأل الله تعالى أن يتقبل منا و يجعل أعمالنا خالصة لوجهه الكريم.
وأما القول بأن المراد بالاستثناء أن الذين آمنوا لا يصلون إلى حالة الخرف وأرذل العمر فهو قول ضعيف مخالف للواقع والمعلوم والمشاهد. (وقد ذكر ابن جرير* رواية عن عكرمة فيها هذا المعنى) (وذكر هذا القول أيضاً البغوي*, والقرطبي*) (واقتصر عليه مكمل أضواء البيان*) (وذكره الرازي* في تفسير سورة " النحل " عند قوله تعالى: ( وَمِنْكُمْ مَنْ يُرَدُّ إِلَى أَرْذَلِ الْعُمُرِ). القول الثاني: أن المراد بأسفل سافلين النار. فهي كقوله تعالى: (والعصر إن الإنسان لفي خسر إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات) (مال إلى هذا القول الماتريدي*) (ورجحه ابن كثير*) (وذكره ابن عاشور*, ومكمل أضواء البيان*) (وذكر القولين دون ترجيح البغوي*, والزمخشري*, والرازي*, والقرطبي*) (ورجح ابن القيم هذا القول من عشرة وجوه سيأتي في آخر الموضوع ذكر المهم منها والجواب عليه) قال ابن كثير*: "ولو كان أرذل العمر هو المراد لما حسن استثناء المؤمنين من ذلك, لأن الهرم قد يصيب بعضهم"اهـ ويجاب عن ذلك بأنه على القول بأن المراد أرذل العمر فالاستثناء منقطع على القول الصحيح, فليس المراد أن الذين آمنوا لا يصيبهم الهرم. القول الثالث: أن المراد بأسفل سافلين الضلال عن الهدى.
وقال آخرون: بل معنى ذلك: ( إِلا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ) فإنه يُكتب لهم حسناتهم ويُتجاوز لهم عن سيئاتهم. * ذكر من قال ذلك: حدثنا ابن حميد، قال: ثنا حكام، عن عمرو، عن عاصم، عن أبي رَزين عن ابن عباس (ثُمَّ رَدَدْنَاهُ أَسْفَلَ سَافِلِينَ * إِلا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ) قال: هم الذين أدركهم الكبر، لا يؤاخذون بعمل عملوه في كبرهم، وهم هَرْمَى لا يعقلون. حدثني يعقوب، قال: ثنا ابن عُلَية، عن أبي رجاء، قال: سُئل عكرمة، عن قوله: ( إِلا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فَلَهُمْ أَجْرٌ غَيْرُ مَمْنُونٍ) قال: يوفيه الله أجره أو عمله، ولا يؤاخذه إذا رُدّ إلى أرذل العمر. حدثني يعقوب، قال: ثنا المعتمر بن سليمان، قال: سمعت الحكم يحدّث، عن عكرِمة (ثُمَّ رَدَدْنَاهُ أَسْفَلَ سَافِلِينَ * إِلا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ) قال: الشيخ الهرم لم يضرّه كبره إن ختم الله له بأحسن ما كان يعمل. حدثنا ابن عبد الأعلى، قال: ثنا ابن ثور، عن معمر، عن قتادة ( إِلا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ) قال: من أدركه الهرم، وكان يعمل صالحا، كان له مثل أجره إذا كان يعمل.