ومن القراءة لشعراء التصوف، تعرف تهامي إلى شخص يجمع بين كوّنه أستاذاً جامعياً في البلاغة والنقد، وشيخاً صوفياً يملك "الحق" في إعطاء "العهد" لـ"المُريدين"، فأصبح تهامي أحد هؤلاء المُريدين الذين أخذوا العهد منه. "هذه الروحانيات السامية موجودة مع الإنسان بغض النظر عن انتمائه الديني، هي مشاعر روحانية إنسانية عابرة للأديان" بدأ تهامي بأول مرحلة في التربية الروحية للمتصوفة، وهي ترديد "لا إله إلا الله" آلاف المرات يومياً بعد صلاتي العصر والمغرب، بجانب التزامه بالتخلص من أي صفات سيئة، كحب الشهرة والرياء والكذب، وانتظار ما يأتيه من رُؤى ليقُصها على "عَمّه". يقول لنا: "ذهبت للحضرة معهم في كل مكان. انجذبت لها من أول مرة، وانخرطت في الذكر. هي متعة روحية، أناشيد، أصوات جميلة، وسلام داخلي... لا تختلف عمن يعشقون سماع صوت أم كلثوم، أو يحضرون حفلة لمحمد منير، فمثل ما نقول أن هذا (منايري) أي يعشق أغاني وصوت منير ويحافظ على حضور حفلاته، فهذا أيضاً صوفي (ذَكيّر) يعشق الحضرة ويهيم خلفها". يصف تهامي التصوف بأنه "فن التواصل الخفي مع الوجود والطبيعة"، والحضرة بأنها "نوع من الاستغراق الروحي بين ذات الإنسان وبين جمال الكون الكبير الذي يحتوينا، وهذه الروحانيات السامية موجودة مع الإنسان بغض النظر عن أي انتماء ديني له، فهي مشاعر روحانية إنسانية عابرة للأديان".
ساهم القصبجي في صعود اسم السيدة أم كلثوم لسماء النجومية، كذلك كان له الفضل في إبراز موهبة موسيقار الأجيال محمد عبدالوهاب
للحضرة آداب يلتزم بها الحضور، كعدم التمخّط أو التنقل بين مكان وآخر، ولها أيضاً هيكل تنظيمي يأتي على رأسه "نقيب الحضرة"، الذي يكون مسؤولاً عن الدعوة والتنظيم والافتتاح، مروراً بالمُنشد ومُساعده اللذين يتناوبان على غناء الأشعار والأناشيد، عبوراً بـ"صاحب الدقة" الذي يحدد شكل الحركة التي يؤديها الجميع، وصولاً لـ"الذكيرة" أو الجمهور، وهم المكون الأساسي للحضرة. وعادة ما يبدأ منشد الحضرة وصلاته الإنشادية بمقولة "يا نازل الذكر شيل الفكر من بالك". ويوضح تهامي: "هي نصيحة للمريد كي ينخرط في الحضرة مستغرقاً فيها، وتحذير بضرورة الابتعاد عن الأفكار المشتتة التي تعتري المُريد أثناء الحضرة". وتتراوح وصلات الحضرة بين الحركات الهادئة والحماسية المنفعلة، ويتحكم في تنويعها وتنظيم الصوت واستقامة اللحن ومنع الشذوذ، "شيخ" يتوسط الحلقة، وكأنه عقرب الساعة، لكنه يدور عكس الاتجاه، وهو تناغم سري مع الطبيعة ومع الأجسام التي تسلك في مساراها الدوران عكس عقارب الساعة. "ذهبت للحضرة معهم في كل مكان، انجذبت لها من أول مرة، هي متعة روحية، أناشيد، أصوات جميلة، وسلام داخلي لا تختلف عمن يعشقون سماع أم كلثوم، أو مثلما نقول أن هذا "منايري" أي يعشق أغاني منير، ويحافظ على حضور حفلاته، فهذا أيضاً صوفي ذَكّير" أما عن أناشيد الصوفية في الحضرة، فيقول لنا: "أعتقد إنها تختلف باختلاف الحقب الزمنية وما يشغلها من أحداث، فمثلاً في عصور ماضية كانت أشعار الصوفية تتغنى بالإنسان الكامل، الصورة المحمدية المثالية، وما يتبعها من صفات كالحب والتسامح، وفي فترة أخرى نجدها مشغولة بالحديث عن العذاب الأخروي وأهمية التمسك بالدين للنجاة من الجحيم الذي ينتظرنا".
فيما يرى محمود تهامي، أن النظرة السائدة للصوفيين بأنهم "على باب الله" و"بياكلوا ويشربوا ومنفصلين عن الحياة" نظرة ظالمة، ويوضح: "ساهم في تعزيز تلك النظرة القصص الصوفية القديمة، وأبرزها قصة أبو الحسن الششتري، ذلك الأمير الذي ذهب يوماً إلى أحد المتصوفة وقال له: انصحني؟ فنصحه الصوفي بأن يترك الصدأ الذي يلبسه ويلبس الخرقة، أي لباس الصوفية، وأن يطوف في حب النبي، فخلع الششتري لبس الإمارة، ودار في الأسواق، درويشاً هائماً". جانب آخر، عزز من تلك النظرة، يشير إليه تهامي، إذ يقول: "في كل بلد مجذوب أو ما يُطلقون عليه (عبيط القرية)، وهو شخص غير مكتمل العقل ولا يعول عليه.. مثل هؤلاء الأشخاص كثيراً ما يكونون منبوذين في حفلات القرية وأفراحها ومجالس رجالها، لكن في المُقابل يذهب هؤلاء المجاذيب للحضرات، لأنهم يجدون فيها من يحترمهم، ويحتويهم، ويقدم لهم الطعام والشراب". وفي النهاية، يشير تهامي إلى أن غالبية الملتزمين بالحضرات في القرى الريفية من كبار السن، يقول: "الحقيقة أنه في قرانا، كل الأفراد الذين يشاركون في الحضرة من كبار السن، وهم أشخاص يؤدون أعمالهم في الحقول كل صباح، بينما يشاركون في الحضرات الصوفية ليلاً".