انتشرت في الآونة الأخيرة عبارة: "أميتوا الباطل بالسكوت عنه " وينسبونها إلى الفاروق عمر رضي الله عنه فما مدى صحة هذه العبارة وما مصداقيتها وهل تصح نسبتها إلى الفاروق عمر؟ والجواب: أولاً: نسبة هذه العبارة إلى عمر الفاروق رضي الله عنه لا تصح.
وهذا الكلام وإن كان في سنده نظرٌ فهو من جهة المعنى صحيح، فإنَّ معناه: أنَّ من توفيق الله للعبد أن يعينه على إماتة الباطل بهجره، وهجرُه يكون: بهجر اعتقاده، وهجر العمل به، وهجر إشاعته وإذاعته والدعوة إليه، كما قال الله تعالى: {والرُّجْزَ فاهجر} ، وقال النبي صلى الله عليه وسلم: « المهاجِرُ من هجر ما نهى الله عنه » رواه البخاري، وقال عليه الصلاة والسلام: « المهاجر من هجر الخطايا والذنوب » رواه ابن ماجه. ومن مقتضيات هجر الذنوب والخطايا والأفكار المنحرفة: معالجتها بالحكمة إذا وُجِدَت، وعدم التسبُّب في إشاعتها وتفشِّيها بالتجاهل أو بالإنكار غير المنضبط أو بغير ذلك، بخلاف مقتضى اللفظ الأول الآمر بالسكوت عن الباطل مطلقًا. والذي يظهر أن هذا اللفظ إنما هو من تصرُّفِ بعض الكُتَّاب نتيجة استسهالهم إيراد الروايات بالمعنى لا باللفظ من دون فقهٍ صحيح، مما أدَّى إلى إفساد المعنى وتحريفه. اميتوا الباطل بالسكوت عنه ¤¤¤¤. الوقفة الثالثة: أنه على فرض صحة اللفظ المذكور فإنَّه محمولٌ على مواضع مخصوصة يكون فيها السكوت سببًا لإماتة الباطل حقًّا ، كأن يكون الباطل مجهولاً مطروحًا لا يعرفه الناس ولا أثر له فيهم ولا يُخشى منه، فيكون السُّكوت حينئذ عونًا على اندثار هذا الباطل وإماتته، أو أن تكون مفسدة الكلام والإنكار أكبر من مفسدة المنكر الموجود، كما قال الله تعالى: {ولا تسبُّوا الذين يدعون من دون الله فيسبُّوا الله عَدْوًا بغير علم} ، ونحو ذلك من المواضع المخصوصة.