فلا يمكن أحدًا أن يعبد الله على الوجه الأكمل، حتى يكون على علم بأسماء الله وتعالى وصفاته، ليعبده على بصيرة؛ قال الله تعالى: ﴿ وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا ﴾ [الأعراف:180]، وهذا يشمل دعاء المسألة ودعاء العبادة. فدعاء المسألة أن تقدم بين يدي مطلوبك من أسماء الله تعالى ما يكون مناسبًا مثل أن تقول: يا غفور اغفِر لي، ويا رحيم ارحمني، ويا حفيظ احفظني، ونحو ذلك. ودعاء العبادة أن تتعبد الله تعالى بمقتضى هذه الأسماء، فتقوم بالتوبة إليه لأنه التواب، وتذكره بلسانك لأنه السميع، وتتعبد له بجوارحك لأنه البصير. اثار الايمان باسماء الله وصفاته. الطاعة والبعد عن معصيته: قال العلامة ابن جبرين رحمه الله: متى عرَفت الله تعالى بأسمائه وصفاته، كانت النتيجة من ذلك أنك تطيعه، وأنك تعبده، ومتى رأيت من يعصي الله ويجاهر بذلك، فإن ذلك يدل على ضعف عقيدته، وأنه ما عرف من يعصي الله حقَّ معرفته بآياته ومخلوقاته، ما عرف عظمة من يعصيه، ما عرف الله بأسمائه الحسنى، وصفاته العلى، وكماله وجلاله وكبريائه وعظمته، كيف يعصيه هذا الآدمي الضعيف، وكيف يخرج عن طواعيته، وكيف يبارزه بالمخالفة مع علمه بعظمة ربه وإلهه، ولهذا ورد عن أحد السلف أنه قال: لا تنظر إلى صِغر المعصية، ولكن انظر إلى عظمة من تعصيه.
وقد ورد الاسم في الكتاب العزيز خمسًا وأربعين مرة. ثانيًا: البصير: - أنه سبحانه ذو إبصار بما يعمل الخلق، لا يخفى عليه شيء من أعمالهم، بل هو بجميعها محيط، ولها حافظ ذاكر. - أنه سبحانه عليم بمن يستحق الهداية ممن يستحق الضلالة، وهو الذي لا يسأل عما يفعل وهم يسألون، وما ذلك إلا لحكمته ورحمته. وينبغي على المسلم: - إثبات صفة البصر له جل شأنه، لأنه وصف نفسه بذلك وهو أعلم بنفسه، وصفة البصر من صفات الكمال كصفة السمع، فالمتصف بهما أكمل ممن لا يتصف بذلك. من آثار الإيمان بأسماء الله وصفاته - جيل الغد. - أن الله تبارك وتعالى بصير بأحوال عباده خبير بها بصير بمن يستحقها. وورد هذا الاسم في القرآن اثنتين وأربعين مرة. آثار الإيمان باسمي (السميع والبصير): - الخوف من الله تعالى، فهو سبحانه يسمع ما نقول، ويرى ما نعمل، ولا يخفى عليه شيء في الأرض ولا في السماء، مما يكون باعثًا على تجنب معصيته خوفًا من عقابه. - الرجاء، فالله سبحانه وتعالى يرى ويسمع أعمالنا وأقوالنا، فيكون ذلك باعثًا على الجد في الطاعة رجاء ثوابه سبحانه. - مراقبة الله تعالى وهو الإحسان الذي ورد ذكره في حديث جبريل عليه السلام: "أن تعبد الله كأنك تراه فإن لم تكن تراه فإنه يراك" [2]. الهوامش: [1] رواه البخاري، كتاب الشروط، باب ما يجوز من الاشتراط والثنيا في الإقرار، والشروط التي يتعارفها الناس بينهم، وإذا قال: مائة إلا واحدة أو ثنتين، رقم الحديث: (2736).
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم، أقول قولي هذا، وأستغفر الله العظيم لي ولكم، ولسائر المسلمين من كل ذنب، فاستغفروه إنه الغفور الرحيم. الخطبة الثانية: الحمد لله رب العالمين والصلاة والسّلام على خاتم الأنبياء والمرسلين، نبينا محمد النّبي الأمي الكريم، وعلى آله وصحبه أجمعين، أمّا بعد: عباد الله: فإنَّ المتأمل في عظيم ما يناله من حقق الإيمان بأسماء الله وصفاته من الثمار المرجوة؛ لا يكاد يحصى لها عدا؛ وحسبنا أن نضيف إلى ما ذكرناه: أن الإيمان بأسماء الله -عز وجل- وصفاته، وفهمها ليكسب العبد التوكل على الله ومحبته، وفي ذلك يقول العز بن عبد السلام -رحمه الله تعالى: " فهم معاني أسماء الله تعالى وسيلة إلى معاملته بثمراتها من التوكل والرجاء، والمهابة، والمحبة وغير ذلك من ثمرات معرفة الصفات ". كذلك من الآثار التي يتحصل عليها المؤمن بأسماء الله تعالى: أنَّه سيجد في ذلك أكبرَ عونٍ على تدبر كلام الله تعالى وفهمه على الوجه الأكمل، فقد أمرنا الله - عز وجل- بتدبر القرآن في قوله -سبحانه-: ( أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلَافًا كَثِيرًا) [النساء: 82]، وقال تعالى: ( كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ) [ص: 29]، وقال أيضا: ( أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا) [محمد: 24].