يخترق خاصرة العاصمة السعودية شارع تاريخي معروف، يطلق عليه اسم شارع العطايف، ويحمل لسكان الرياض وزوارها ذكريات جميلة. الشارع العريق الذي ظل حتى اليوم أحد معالم المدينة، يرتاده الناس لشراء احتياجاتهم من الأساسيات والكماليات التي تعرضها المحلات على جنباته بالجملة والتجزئة، وعلى أرصفته ينشغل العمال بتغليف صناديق تحمل بضائع يتم شحنها إلى مناطق مختلفة من السعودية، خصوصا لأصحاب القرطاسيات، الذين يتزودون بكل احتياجاتهم من هذا الشارع عبر الشراء بالجملة، ومن شتى بقاع المملكة، ولم تؤثر عليهم المجمعات التجارية الفخمة التي لم تستطع اقتباس شعبية الشارع. شارع العطايف رياض. هنا في شارع العطايف تختلف الصورة عن كل أسواق الرياض، فكل ما يخطر على البال موجود، وكل الأنشطة التجارية تمارس في الشارع، هنا يوجد تجار القرطاسية والأدوات المكتبية والتراثية والنحاسية والخزائن الحديدية والمواد الغذائية والحلويات وأدوات النظافة، يعرضون أشهر الماركات العالمية وبضائع أخرى من مختلف الدول، وما على الزبون إلا الاختيار. تحدث العم مالك العقيلي، الذي يشترك في ملكية إحدى أشهر القرطاسيات هناك، عن التطورات التاريخية التي مرت على هذا الشارع، قال لنا إنه ابتدأ العمل هناك بعد أن قدم من منطقة القصيم قبل أكثر من 50 عاما، حيث إن الرياض بدأت في ذلك الوقت باستضافة المواطنين من شتى المدن السعودية لتوطينهم في العاصمة.
«والله مشتاقين يادخنة» لمدرسة العزيزية و«دار ابن مصيبيح» و«المكتبة» وشارع «جبر الخواطر»! أحياء مخملية كان هذه حال أحياء شمال مدينة الرياض في الستينات وبداية السبعينات قبل أن تزدهر أحياء الناصرية وعليشة والمربع، ويعرف أبناء هذه الأحياء قوارير "الببسي" والعصائر المثلجة والأغذية المعلبة، وينتظمون في معهد الأنجال، وينقلهم السائق بسيارة البونتياك أو الشفر إلى شارع الوزير للتبضع.
شارع وحي العطايف بـ الرياض المكان التاريخ التسمية - YouTube
سنردّ عليك قريبًا.
أما في بلاد الحجاز، فيظهر تأثير وجود الأماكن المقدسة في مطلع التهويدة التي جاءت في صورة قصة: "دوها يا دوها.. والكعبة بنوها.. وزمزم شربوها.. سيدي سافر مكة.. جب لي زنبيل كعكعة.. والكعكة في المخزن.. والمخزن مالو مفتاح.. والمفتاح عند النجار.. والنجار يبغى الفلوس.. والفلوس عند السلطان.. والسلطان يبغى المناديل.. والمناديل عند الصغار.. والصغار يبغوا الحليب.. والحليب عند البقرة.. والبقرة تبغى الحشيش.. والحشيش فوق الجبل.. والجبل يبغى المطرة.. والمطرة عند ربي.. ياربي حط المطرة.. أغاني الأمهات لأطفالهن وسر الخلود إلى النوم. يا مطرة حطي حطي". تهويدة بكل لغات العالم وعلى خلاف ما تتميز به تهويدات الأطفال من خصوصية ثقافية، فإن أغنية "النجمة المتلألئة الصغيرة" (twinkle twinkle little star how I wonder what you are) الإنجليزية، تعد من أشهر أغاني ما قبل النوم للأطفال، وقد انتشرت في العالم كله وتمت ترجمتها للعديد من اللغات، كالفرنسية والألمانية والإيطالية والإسبانية واليابانية والصينية والهندية، وبالعربية تقول: "أضيئي أضيئي يا نجمة صغيرة.. فوق العالم كم أتعجب من جمالك". وفي النهاية ستبقى مثل هذه الأغاني والتهويدات إرثا ثقافيا يتناقله الخلف عن السلف، وستحدث عليها بعض التطويرات التي تتناسب مع التغيرات المتلاحقة التي تحدث في مختلف المجتمعات، وقد تختلف بعض الكلمات لكن لن يختفي هذا الفن ما بقي النوم والليل والنهار.
بما يثبت مدى إدراك الموسيقي لأهمية الحفاظ على اللحن الأساسي البسيط، والذي لا يقبل أية انحرافات حركية كبيرة قد تخل بفلكلورية الأهزوجة أو تشوهها، وتتجلى عبقريته كذلك من خلال توزيعاته الموسيقية وإخراجه الدرامي بإضافة بعض المؤثرات الصوتية، خاصة في أهزوجة «الرحماني» أو اهتمامه بالخلفيات والتأوهات الصوتية وحتى صوت (يد الهون) في «دوها» بما يوحي بحالة الاسترخاء ما قبل النوم لحظة ترديد الأمهات لها عندما يهدهدن أطفالهن. أو اشتغاله على مؤثرات طفولية في أهزوجة «أم عميرة» بما توحي بحالات اللعب والمرح في الحارة. ولن يغفل المستمع عن عذوبة أصوات الشابات المؤديات وكورال الأطفال من بنين وبنات، وهي أصوات بطبيعتها متشربة للكنة الحجازية والنبرة الصوتية الفارقة باعتبارها مميزا خاصا خارجا من أديم البيئة الحجازية.
سارة جمال الغناء جزء من حضارة الشعوب وتاريخها الثقافي الذي تتوارثه الأجيال، يحمل مزيجا بين الكلمات والألحان التي ترتبط بعادات وثقافات البلاد وتعبر عنها. وتعتبر أغنية ما قبل النوم طقسا موسيقيا تمارسه الشعوب كل بطريقته، وهي قطعة موسيقية تغنيها الأم حين تهدهد طفلها لتهيئته للنوم، تعرف بالتهويدة (Lullaby) أو أغنية المهد (Cradle song). ولكل أم أغنية خاصة بها فريدة من نوعها، تختلط فيها مشاعر الحب والحنان وهي تضم صغيرها بين ذراعيها، لتترك داخله شعورا بالطمأنينة والأمان، فيغفو تاركا خلفه علامات التعب والإنهاك بعد يوم طويل. تراث مصر وبلاد الشام وتختلف أغاني المهد من شعب لآخر على الرغم من تشابه موضوعاتها في بعض الأحيان، ويكمن الاختلاف في بعض اللهجات، إذ تغني الأمهات المصريات الأغنية الشهيرة "نام يا حبيبي نام.. دوهـــــآ يــآ دوهــــــــــــآ " مقال " - شبكة رواسي نجد الأدبية. وأدبحلك جوزين حمام"، كما يغني بعضهن "ننه ننه هو" مع مد حرف الواو، لهدهدة الطفل وتحريكه برفق، والغريب أن تلك الأغنية التي لا تُعرف معانيها الحرفية، وقد انتشرت قبل عقود رغم بساطة كلماتها وأصبحت سرا بين الأم وطفلها وقت نومه. وفي لبنان كانت أغنية فيروز ترنيمة الأم لطفلها: "يلا تنام ريما يلا يجيها النوم.. يلا تحب الصلاة يلا تحب الصوم.. ياللا تجيها العوافي كل يوم بيوم"، لتربط الأم صغيرها بحب الصلاة والصوم، لكن المقطع التالي من الأغنية هو الذي اشتهر أكثر وانتشر في بلاد المشرق العربي، "يلا تنام يلا تنام وادبحلا طير الحمام روح يا حمام لا تصدق بضحك على ريما تاتنام"، ويمكن تغيير ريما باسم أي طفل.
تهويدات الأطفال... أغنيات على مسامع النائمين "الطفل النائم" لـ بول غوغان (Getty) مع التهويدة الأولى التي ترددها الأمهات على مسامع أطفالهن قبل النوم، تبدأ علاقة البشر بالموسيقى؛ علاقة تبدأ بالتكون في تلك اللحظات الفاصلة ما بين الوعي واللاوعي، مع أغانٍ ذات لحن سهل وبسيط، يتم تكرارها برتابة لتساعد على الاسترخاء والنوم على وقع صوت أنثوي رقيق وخافت، وترافقها عوامل أخرى داعمة، كالاهتزازات الجسدية اللطيفة والإضاءة الخافتة. في الغالب، تعتمد الأمهات في تهويداتهن على أغانٍ فلكلورية مقترنة بتراث المنطقة التي ينتمين إليها، من دون أن نغفل أن بعض الأمهات يملن إلى ارتجال تهويداتهن الخاصة. الأمر المشترك بين التهويدات الفلكلورية والتهويدات المرتجلة، أنها جميعاً تعتمد على ألحان بسيطة، قوامها جمل سهلة وقصيرة، تتخللها عبارات صوتية لا معنى لها. تتكون هذه التهويدات من مقطعين متبايني اللحن على الأكثر؛ المقطع الأول يكون الأبطأ، وترافقه الاهتزازات الأكثر ليناً ودفئاً، وأما المقطع الثاني فهو المقطع الأسرع، وترافقه اهتزازات أكثر قوة، ينتهي لحنياً بجملة قرار، يمكن الوقوف عندها، كما يمكن العودة منها للمقطع الأول.
دوها ي دوها و الكعبه بانوها و زمزم شربوها سيدي سافر مكه / و المفتاح عند النجار - YouTube
الأربعاء 18 يناير 2017 07:01 م أغاني المهد هي من الأجناس الأدبية في التراث الشعبي، لها إيقاع ووزن يصحبان مداعبة الطفل وملاعبته وتحريكه في المهد لينام، وأثناء مساعدته على المشي، وعند ملاعبته، وإرضاعه، وأثناء الاستحمام أو في الرقي والسبوع. ومن مسمياتها المناغاة، والتهاليل، وأغاني الترقيص. والغناء هو أول صور الفن التي يواجهها الطفل وهو بين ذراعي أمه. وفي هذا السياق، رأى الباحث الفلسطيني محمد توفيق السهلي في مقالة بصحيفة الحياة أنه من خلال أغاني المهد التي ترنمها الأم لطفلها، تصبح الموسيقى في أصواتها المختلفة وإيقاعاتها المتنوعة ومفرداتها اللغوية أول إنتاج إنساني يخترق عالم الطفل. وأضاف: "إن هذه الأغاني تبدأ بكلمات بسيطة على إيقاع صوتي خاص يمهد للنوم، ويساعد الأم في أدائها حروف المد اللينة في كلمات الأغنية. فإذا كانت تنقص الكلمات حروف المد المعروفة الواو والألف والياء، تعمد الأم إلى مد حركات الإعراب الفتحة والكسرة والضمة. وليس مهمّاً أن تلفظ الأم الكلمات لفظاً سليماً، وليس مهماً حفظ الأغنية، فهناك أمهات يرددن اللحن بتمتمات تحافظ على الإيقاع الصوتي. وعرفت كل شعوب الأرض هذا النوع من الغناء.