فقعدت، فقال: أيُّ الأمرين أحبُّ إليك: المقام عندنا مع النصفة لك في المعاشرة، أو الرجوع إلى أهلك ولك الكرامة؟ فقلت: يا أمير المؤمنين، فارقت أهلي، وولدي على أني أزور أمير المؤمنين وأعود إليهم، فإن أمرني أمير المؤمنين، اخترت رؤيته على الأهل والولد. فقال: لا، بل أرى لك الرجوع إليهم، والخيار لك بعد في زيارتنا، وقد أمرنا لك بعشرين ألف دينار، وكسوناك، وحملناك، أتراني قد ملأت يديك؟! نماذج من ذكر ه. فلا خير فيمن ينسى إذا وعد وعدًا، وزرنا إذا شئت، صحبتك السلامة) [4117] ((المستطرف)) للأبشيهي (1/438). انظر أيضا: نماذج من وفاء النبي صلى الله عليه وسلم.
أين من يحاسِبُ زوجتَه على تركِها للصَّلاة؟ أين المرأةُ التي تنصحُ زوجَها على المحافظةِ على الصَّلاة؟ ثم أنتقلُ إلى الموقفِ الثَّاني: كان سيدُنا طلحة بن عبيدالله - رضي الله عنه - صاحبَ غنًى وثروة، ولكنَّه كان سخيًّا كريمًا، خائفًا من كثرةِ المال، منفقًا له في وجوهِ الخير، وفي ذاتِ ليلة أتاه مالٌ له من حضرموت، وقدره سبعمائة ألف درهم، فبات ليلتَه يتملْمَلُ وكأنَّه ملدوغ، ونزل به همٌّ عظيم، ولم يستطعْ أن ينامَ فقالتْ له زوجتُه أمُّ كلثوم بنتُ الصِّديق: ما لك؟ قال: تفكَّرتُ منذ الليلة فقلتُ: ما ظنُّ رجلٍ بربِّه، يبيت وهذا المالُ في بيتِه؟! قالت: فأين أنت عن بعضِ أصحابِك وأخلاَّئك؟ فإذا أتى الصَّباحُ فقسِّم هذا المالَ بينهم، فقال لها: يرحمك اللهُ إنَّك موفقةٌ بنت موفق، وفعلاً لما أصبحَ الصَّباحُ قسَّمه بين المهاجرين والأنصار، ولم يكدْ يترك لبيتِه شيئًا! أنا أقولُ لكم: دعونا من موقفِ طلحة بن عبيدالله - رضي الله عنه - فقد كمل من الرِّجال كثيرٌ، ولم يكمل من النِّساء إلا القليل، وتعالوا إلى موقفِ هذه الموفَّقةِ، نعم الموفقة في طاعةِ ربِّها، والموفقة في إعانةِ زوجها، والموفقة في كلامِها ومشورتها، إنها أمُّ كلثوم بنت الصِّديق - رضي الله عنها وعن أبيها - إنَّها امرأةٌ صالحة، وزوجةٌ مباركة، لم تجعلِ المالَ أكبرَ همِّها، ولم ترهق زوجَها بطلباتِها، ولم تقفْ حجرَ عثْرةٍ في طريقِه عندما يسير في طاعةِ الله، إنَّها الزوجةُ الصَّالحة، وخيرُ متاعِ الدُّنيا الزوجةُ الصَّالحة.
فَأَخْرَجَ إِلَيْهِ فِلَقاً مِنْ خُبْزٍ، فَقَالَ: "أَمَا مِنْ أُدْمٍ؟". قَالُوا: لاَ، إِلاَّ شَيْءٌ مِنْ خَلٍّ. قَالَ: "هَاتُوهُ، فَنِعْمَ الإِدَامُ الْخَلُّ". قَالَ جَابِرٌ: فَمَا زِلْتُ أُحِبُّ الْخَلَّ مُنْذُ سَمِعْتُهُ مِنْ رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم. وَقَالَ طَلْحَةُ: مَا زِلْتُ أُحِبُّ الْخَلَّ مُنْذُ سَمِعْتُهَا مِنْ جَابِرٍ. نماذج لنساء السلف. مسلم. وعن أمِّ هانئٍ ـ رضي الله عنها ـ قالتْ: دخَل عليَّ النبيُّ صلى الله عليه وسلم فقال: أعِندَكِ شيءٌ؟ قلتُ: لا، إلا خبزٌ يابسٌ وخَلٌّ. فقال: هاتي، ما أقفَرَ بيتٌ من أُدْمٍ فيه خَلٌّ" حسنة في مختصر الشمائل. وهكذا كيفما قلبت سيرة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وجدتها تنضح رفقا، وتذوب رحمة، وتقطر لطفاً. وأحْسنُ مِنْكَ لَمْ ترَ قَطُّ عَيْني * وأَجْمَلُ مِنْك لمْ تلِدِ النِّسَاءُ
نماذج مشرقة من رفق النبي صلى الله عليه وسلم لا يزال حديثنا مستمرًّا حول ذكر النماذج المشرقة، المجسدة لرفق رسول الله صلى الله عليه وسلم، مما يعد تنزيلاً عمليًّا لهذه الخصلة الجليلة على أرض الواقع. فمن أعظم ما علمناه الرسول صلى الله عليه وسلم في هذا الباب، الرفق بالأبوين، تبعاً لأمر القرآن الكريم بذلك. قال ـ تعالى ـ: ﴿ وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلَاهُمَا فَلَا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلَا تَنْهَرْهُمَا وَقُلْ لَهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُلْ رَبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا ﴾. فمن كان لا يزال ينعم بالظلال الوارفة للأبوين، ويحسن معاملتهما، ويرفق بهما، وبخاصة عند الكبر، فهو على خير كثير. نماذج من ذكر الله الحكيم. فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: "رِضَا الرَّبِّ فِي رِضَا الْوَالِدَيْنِ، وَسَخَطُهُ فِي سَخَطِهِمَا" صحيح الجامع. بل إن بر الأبوين والرفق بهما باب من أعظم أبواب الجنة. قال صلى الله عليه وسلم: "الْوَالِدُ أَوْسَطُ أَبْوَابِ الْجَنَّةِ، فَحَافِظْ عَلَى وَالِدَيْكَ أَوِ اتْرُكْ" صحيح سنن ابن ماجة.
وكم أعلى الوفاء رتبة من اعتقله بيديه، وأغلى قيمة من جعله نصب عينيه، واستنطق الأفواه لفاعله بالثناء عليه، واستطلق الأيدي المقبوضة عنه بالإحسان إليه) [4116] ((المستطرف)) للأبشيهي (1/432).
نجومي قصص حياة المشاهير وسيرهم الشخصية عبد السلام النابلسي – قصة حياة النابلسي أشهر عازب في الوسط الفني استطاع الفنان الراحل عبد السلام النابلسي أن يخطف قلوب الجماهير منذ إطلالته الأولى على شاشة السينما بخفة ظله وتلقائيته وأيضًا غروره المضحك، وقد تميز بأدوار الفتى المدلل الثري أحيانًا والفقير في أحيان أخرى، كما قدم أدوار صديق البطل ببراعة متناهية ما جذب إليه نجوم السينما آنذاك مثل فريد الأطرش و عبد الحليم حافظ و أحمد رمزي. عبد السلام النابلسي من مواليد إحدى قرى عكار اللبنانية في 23 آب/أغسطس العام 1913 لعائلة من أصول فلسطينية، وعمل والده قاضي نابلس الأول، ثم سافر إلى القاهرة وهو شاب ليلتحق بالأزهر الشريف لذلك حفظ القرآن الكريم وتمكّن من قواعد اللغة العربية، وبدأ حياته العملية في الصحافة الفنية والأدبية فكتب في مجلة مصر الجديدة واللطائف المصورة والصباح، ثم قدم أول أفلامه السينمائية "غادة الصحراء" العام 1929، ولكن فيلم "وخز الضمير" هو نقطة تحوله الحقيقية. وخلال تلك الفترة عمل مساعد مخرج في الكثير من الأفلام لاسيما أفلام عميد المسرح العربي يوسف وهبي وشاركه تمثيلًا في "ليلى بنت الريف" مع ليلى مراد و"الحب الكبير" مع فاتن حمامة ، كما ظهر مع صديقه الأطرش في نحو 11 فيلمًا كان أشهرها "تعالى سلم" و"عفريتة هانم"، وكذلك شارك العندليب الأسمر أفلام "فتى أحلامي" و"ليالي الحب"، بالإضافة إلى بطولة عدد من الأفلام مثل "حبيب حياتي" مع صباح و"حلاق السيدات" مع إسماعيل ياسين.
هل تصدق أن الراحل عبد السلام النابلسي الذي اتخذ من مصر موطنا له ولفنه، وقدم فيها تلك الأعمال العالقة في الأذهان، لم يستطع في أواخر أيامه دخولها، وكان مهددا بالسجن، فظل بعيدا عنها رغم شوقه إليها حتى وافته المنية. عبد السلام النابلسي الذي ولد بلبنان من أصل فلسطيني وجاء إلى مصر طالبا العلم، ثم صار عاملا بها، حتى صار واحدا من أهم الممثلين في تلك الفترة، وكان صديقا مقربا للراحل عبدالحليم حافظ، وظهر إلى جواره في عدد كبير من أعماله، فضّل في نهاية المطاف أن يخفي على صديق عمره عبدالحليم حافظ ما كان يواجهه في أيامه الأخيرة. هذه القصة روتها السيدة جورجيت أرملة الراحل في حوار تلفزيوني، قالت فيه إن زوجها عانى من أزمة مع مصلحة الضرائب المصرية في أيامه الأخيرة، ولم يكن باستطاعته العودة إلى مصر، وهي الأزمة التي أخفاها على صديق عمره عبدالحليم حافظ ولم يخبره بها. وتسببت الأزمة في تهديده بالسجن ومقاضاته حال عودته إلى مصر، خاصة أنه كان على حافة الإفلاس، وهو ما جعله يلتزم خلال تلك الفترة بالتواجد في لبنان. ولم تتوقف الأزمات عند هذا الحد، بل إن جنازة الراحل تكفل بها صديقه فريد الأطرش، وهو ما تضاربت الأقاويل بشأنه، وقال البعض إن النابلسي لم يكن يمتلك أموالا من أجل الجنازة، إلا أن زوجته أكدت أن هذا التفسير لم يكن صحيحا، مشيرة إلى أن النابلسي ترك لهم أموالا، ولكنها هي لم تكن تمتلك حسابا بنكيا، وبالتالي لم تكن وقتها تستطيع التصرف في الأموال، لذلك قام فريد الأطرش بتحمل تكاليف الجنازة، ورفض بعد ذلك الحصول على الأموال التي دفعها.
ورغم مرور52 عامًا على رحيل الضاحك الباكي، عبد السلام النابلسي، فإن أدواره الجميلة ما زالت خالدة في ذاكرة السينما وجمهورها، كما ظلت عباراته الشهيرة وإفيهاته المضحكة حاضرة وبقوة يتداولها رواد مواقع التواصل الاجتماعي ممن يرون فيه قيثارة الضحك التي لن تتوقف عن العزف مهما مرت السنين، ومهما تبادل عليها عشرات الفنانيين.