عن عبد الله بن عمرو، قال: تخلَّف عنا النبي ﷺ في سفرة سافرناها، فأدركنا -وقد أرهقتنا الصلاة- ونحن نتوضأ، فجعلنا نمسح على أرجلنا، فنادى بأعلى صوته: «ويل للأعقاب من النار» مرتين أو ثلاثًا. تخلف: تأخر خلفنا. أرهقتنا الصلاة: أعجلتنا لضيق الوقت. ويلٌ للأعقاب من النّار ! – بصائر. نمسح: نغسل غسلاً خفيفًا كأنه مسح. ويل: عذاب وهلاك. صحيح البخاري: 60. الشرح و الإيضاح كان النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ دائمًا ما يَتَفقَّدُ أصحابَه رِضوانُ اللهِ عليهم، خاصَّةً في عِباداتِهم؛ ليُعلِّمَهم ويُرشِدَهم.
بقلم _محمــــد الدكـــــرورى إن دين الإسلام هو دين نظافة وطهارة ، وهو ملة تهذيب ونزاهة ، فقد طهر الله عز وجل به القلوب والأبدان ، وهذب به السلوك والأخلاق ، وإن لطهارة الوضوء في الشريعة الإسلامية مكانة عظيمة، وفوائد كثيرة، وثمار جليلة، وفيها حكم جمة، ومنافع تعود على قلوب المسلمين وأبدانهم ، فالأمر لا يقتصر فقط على غسل الأطراف من أجل التطهر والتنظف ، بل هناك وراء ذلك حكما عظيمة، وفوائد يجنيها المسلم من وراء ذلك، وفيها مصالح قد تغيب عن بال كثير من البشر. وأن طهارة الوضوء تكفر الذنوبَ كلها ، وذلك أنه لما كانت أطراف الإنسان وجوارحه هي أدوات العمل، وبها يكون الكسب كانت هي طريق الذنوب والمعاصي كلها ، فمن المعاصي ما يكون بما في الوجه من الحواس كالبصر والسمع، والذوق والشم، ومنها ما يكون باليد، ومنها ما يكون بالقدم ، لهذا شرع الله عز وجل الوضوء ليطهرها مما اقترفته من معاص وذنوب.
الفائدة التاسعة: إذا كان هذا الوعيد على من قصّر في الوضوء ، فكيف بمن قصّر في الصلاة ؟ وكيف بمن لا يتوضأ ولا يُصلّي أصلا ؟ الدعاء
وعن ذلك الموضع أورد لكم حديثاً عجيباً جمع بين خواتيم الصلاة وخواتيم الوضوء تأكيداً للمعاني التي ذكرناها سابقاً، وستعجبون بأنّ رواة الحديث هم أمراء الأجناد؟! وَيْلٌ لِلأَعْقَابِ مِنَ النَّارِ - منتديات برق. صحيح أنهم قادة الجيوش الجرّارة، لكنهم جنود مطيعون لأوامر نبيهم ونواهيه، لا يستصغرون شيئاً منها ولا يحقروه. عن أبي عبد الله الأشعري قال: صَلَّى رسول اللَّهِ صلى الله عليه وسلمَ بِأَصْحَابِهِ، ثمّ جَلَسَ فِي طائفَةٍ منهم، فَدَخَلَ رَجُلٌ، فَقَامَ يُصَلِّي، فَجَعَلَ يَرْكَعُ وَيَنْقُرُ في سجوده، فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: "أَتَرَوْنَ هَذَا، مَنْ مَاتَ عَلَى هَذَا، مَاتَ عَلَى غَيْرِ مِلَّةِ محمّد، يَنْقُرُ صَلاتَهُ كَمَا يَنْقُرُ الْغُرَابُ الدَّمَ، إِنَّمَا مَثَلُ الَّذِي يَرْكَعُ وَيَنْقُرُ فِي سُجُودِهِ، كَالْجَائِعِ لا يَأْكُلُ إِلا التمرة والتمرتين، فَمَاذَا تُغْنِيَانِ عَنْهُ، فَأَسْبِغُوا الْوُضُوءَ، وَيْلٌ لِلأَعْقَابِ مِنَ النَّارِ، أَتِمُّوا الرُّكُوعَ وَالسُّجُودَ". قَالَ أَبُو صَالِحٍ: فَقُلْتُ لأَبِي عَبْدِ اللَّهِ الأَشْعَرِيِّ: مَنْ حَدَّثَكَ بِهَذَا الْحَدِيثِ؟ فقال: أُمَرَاءُ الأَجْنَادِ: عمرو بن العاص، وخالد بن الوليد، ويزيد بن أبي سفيان، وشرحبيل بن حسنة، كُلُّ هَؤُلاءِ سمعوه من النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم.
يقول الحافظ ابن حجر رحمه الله: " واستدل المصنف على جواز رفع الصوت بالعلم بقوله: ( فنادى بأعلى صوته) ، وإنما يتم الاستدلال بذلك حيث تدعو الحاجة إليه لبعد أو كثرة جمع أو غير ذلك ، ويلحق بذلك ما إذا كان في موعظة كما ثبت ذلك في حديث جابر: ( كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا خطب وذكر الساعة اشتد غضبه وعلا صوته) الحديث أخرجه مسلم " انتهى. " فتح الباري " (1/143) 5- قول الراوي رضي الله عنه ( مرتين أو ثلاثا) دليل أيضا على الأسلوب التعليمي النافع الذي كان يستعمله صلى الله عليه وسلم ، وذلك بتكرار الكلام بالعلم كي يحفظ عنه المستمعون ويتثبت المتشككون ، وقد أخرج البخاري الحديث أيضا في موقع آخر وبوب عليه بقوله: باب من أعاد الحديث ثلاثا ليفهم عنه. " صحيح البخاري " (كتاب العلم/ باب رقم 30) 6- الحديث أيضا تذكير المسلم بضرورة تحري موافقة الشريعة في جميع أفعاله وأقواله ، ولا يتهاون في شيء منها ، فقد توعد النبي صلى الله عليه وسلم أولئك الذين لا يبلغ الماء أعقابهم في الوضوء بالويل والنار يوم القيامة ، وهو أمر يسير في نظر كثير من الناس ، ولكنه عند الله عظيم ، فليحذر المسلمون أن يتهاون فيما قد يكون سبب هلاكه في الآخرة ، وقد قال الله تعالى: ( وَتَحْسَبُونَهُ هَيِّنًا وَهُوَ عِنْدَ اللَّهِ عَظِيمٌ) النور/15.