فشدد الله عليهم كما شددوا على نبيه وآذوه. عادوا يسألون موسى أن يدعو الله ليبين ما هي، فإن البقر تشابه عليهم، وحدثهم موسى عن بقرة ليست معدة لحرث ولا لسقي، سلمت من العيوب، صفراء لا شية فيها، بمعنى خالصة الصفرة. انتهت بهم اللجاجة إلى التشديد. وبدءوا بحثهم عن بقرة بهذه الصفات الخاصة. أخيرا وجدوها عند يتيم فاشتروها وذبحوها. وأمسك موسى جزء من البقرة (وقيل لسانها) وضرب به القتيل فنهض من موته. سأله موسى عن قاتله فحدثهم عنه (وقيل أشار إلى القاتل فقط من غير أن يتحدث) ثم عاد إلى الموت. وشاهد بنو إسرائيل معجزة إحياء الموتى أمام أعينهم، استمعوا بآذانهم إلى اسم القاتل. انكشف غموض القضية التي حيرتهم زمنا طال بسبب لجاجتهم وتعنتهم. قصة بقرة بنى إسرائيل - الكلم الطيب. نود أن نستلفت انتباه القارئ إلى سوء أدب القوم مع نبيهم وربهم، ولعل السياق القرآني يورد ذلك عن طريق تكرارهم لكلمة "ربك" التي يخاطبون بها موسى. وكان الأولى بهم أن يقولوا لموسى، تأدبا، لو كان لا بد أن يقولوا: (ادْعُ لَنَا رَبَّكَ) ادع لنا ربنا. أما أن يقولوا له: فكأنهم يقصرون ربوبية الله تعالى على موسى. ويخرجون أنفسهم من شرف العبودية لله. انظر إلى الآيات كيف توحي بهذا كله. ثم تأمل سخرية السياق منهم لمجرد إيراده لقولهم: (الآنَ جِئْتَ بِالْحَقِّ) بعد أن أرهقوا نبيهم ذهابا وجيئة بينهم وبين الله عز وجل، بعد أن أرهقوا نبيهم بسؤاله عن صفة البقرة ولونها وسنها وعلاماتها المميزة، بعد تعنتهم وتشديد الله عليهم، يقولون لنبيهم حين جاءهم بما يندر وجوده ويندر العثور عليه في البقر عادة.
حياك الله السائل الكريم، إنَّ أهم عبرة يمكن للمسلم أخذها من قصة البقرة، أنه عندما أمر الله -تعالى- بني إسرائيل بذبح بقرة، كما في قوله -تعالى-: (إِنَّ اللَّـهَ يَأْمُرُكُمْ أَن تَذْبَحُوا بَقَرَةً)، "البقرة: 67" لم يقوموا بذبح أي بقرة امتثالاً لما أمرهم -سبحانه- به، بل ضيَّقوا وشددوا على أنفسهم؛ بسؤال سيدنا موسى عن صفاتها، ثم عن لونها، ثم عن سنِّها أكبيرة أم صغيرة. وعلى الإنسان عدم الخوض في ما لا ينفع، وعدم الإسهاب والسؤال عمّا لا داعي ولا فائدة منه، قال -تعالى-: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَسْأَلُوا عَنْ أَشْيَاءَ إِن تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ)، "المائدة: 101" فنهى -سبحانه- عن سؤال ما لا يفيد، بالإضافة إلى أنّها تُظهر مدى الكِبَر الموجود في نفوسهم، وتكاسلهم وتهربهم من تنفيد أمره -تعالى-، وتُبيِّن هذه القصة أهمية قول إن شاء الله لتيسير أمور المسلم، ولقضاء حوائجه ومُرادِه.
لكن الفتى لم يقبل، زاد الرجل من العرض فقال له إن شئت فبعها لي بأي ثمن تريد، فقال له الفتى إن أمي لم تأمرني بذلك. وفي تلك اللحظة إذا بطائر يطير بجوار البقرة فتفر هاربة في الخلاء، وينظر الفتى حوله فلم يجد هذا الرجل الذي كان يتحدث إليه منذ قليل. اقرأ أيضاً: قصة النبي إسماعيل: رحلة شاقة من الألم والمعاناة الملاك عاد الفتى إلى أمه وطلبت منه أن يذهب إلى السوق ليبيع البقرة مقابل ثلاثة دنانير، ولكن لا تبيعها بغير رضاي ومشيئتي، وعندما وصل إلى السوق أتاه ملك على هيئة بشرية ليختبره، وقال له: كم ثمن هذه البقرة؟ فأجابه: ثلاثة دنانير. فقال له: أنا أعطيك ستة بشرط ألا تستأمر أمك. لكن الفتى رفض العرض. قصص الحيوان في القرآن | الحلقة 14 | بقرة بني إسرائيل - ج 1 | Animal Stories from Qur'an - YouTube. وعاد إلى أمه ليخبرها، وهنا منحته موافقتها على العرض فعاد مجدداً إلى السوق ليجد الرجل، فيسأله: لقد استشرت أمي ووافقت على ستة دنانير. لكن الرجل قال له: أنا أعطيك اثني عشر ديناراً على ألا تستأمر والدتك. لكنه رفض كذلك وعاد إلى أمه التي أخبرته بأن هذا الرجل ما هو إلا ملك يريد أن يختبرك، فاذهب إليه واسأله هل تريدني أن أبيع البقرة أم لا؟ وعندما فعل، قال له الملك: اذهب إلى أمك وقل لها أن تحتفظ بالبقرة فإن موسى سيشتريها منها للكشف عن قاتل قتيل بني إسرائيل، ولا تبيعيها إلا بملء مسكها دنانير.
إشكالات بني إسرائيل: بعد أن أيقنوا جديّة المسألة ﴿قَالُواْ ادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُبَيِّن لّنَا مَا هِيَ... ﴾ ( 3) موسى (ع) أجابهم ﴿... قَالَ إِنَّهُ يَقُولُ إِنَّهَا بَقَرَةٌ لاَّ فَارِضٌ وَلاَ بِكْرٌ عَوَانٌ بَيْنَ ذَلِكَ... ﴾ ( 4) أي إنها لا كبيرة هرمة ولا صغيرة بل متوسطة بين الحالتين ﴿... قصة بقرة بني اسرائيل. فَافْعَلُواْ مَا تُؤْمَرونَ﴾ ( 5) لكن بني إسرائيل لم يكفوا عن لجاجتهم: ﴿قَالُواْ ادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُبَيِّن لَّنَا مَا لَوْنُهَا.. ﴾ ( 6)؟ أجابهم موسى: ﴿قَالَ إِنَّهُ يَقوُلُ إِنَّهَا بَقَرَةٌ صَفْرَاءُ فَاقِع لَوْنُهَا تَسُرُّ النَّاظِرِينَ﴾ أي إنها حسنة الصفرة لا يشوبها لون آخر. ولم يكتفوا بني إسرائيل بهذا بل أصروا على لجاجتهم، وضيقوّا دائرة انتخاب البقرة على أنفسهم، عادوا و ﴿قَالُواْ ادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُبَيِّن لَّنَا مَا هِيَ إِنَّ البَقَرَ... ﴾ ( 8) طالبين بذلك مزيدًا من التوضيح،متذرعين بالقول: ﴿... إِنَّ البَقَرَ تَشَابَهَ عَلَيْنَا وَإِنَّآ إِن شَاء اللَّهُ لَمُهْتَدُونَ﴾ ( 9). أجابهم موسى ﴿قَالَ إِنَّهُ يَقُولُ إِنَّهَا بَقَرَةٌ لاَّ ذَلُولٌ تُثِيرُ الأَرْضَ وَلاَ تَسْقِي الْحَرْثَ... ﴾ ( 10) أي ليست من النوع المذلل لحرث الأرض وسقيها، ﴿مُسَلَّمَةٌ﴾ من العيوب كلها، ﴿لاَّ شِيَةَ فِيهَا﴾ أي لا لون فيها من غيرها، حينئذ: ﴿قالُواْ الآنَ جِئْتَ بِالْحَقِّ﴾ ، ﴿فَذَبَحُوهَا وَمَا كَادُواْ يَفْعَلُونَ﴾ أي أن وجدوا بقرة بهذه السمات ذبحوها بالرغم من عدم رغبتهم بذلك.