اهـ.
تفسير: (ومن أهل الكتاب من إن تأمنه بقنطار يؤده إليك) ♦ الآية: ﴿ وَمِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مَنْ إِنْ تَأْمَنْهُ بِقِنْطَارٍ يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ وَمِنْهُمْ مَنْ إِنْ تَأْمَنْهُ بِدِينَارٍ لَا يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ إِلَّا مَا دُمْتَ عَلَيْهِ قَائِمًا ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا لَيْسَ عَلَيْنَا فِي الْأُمِّيِّينَ سَبِيلٌ وَيَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ وَهُمْ يَعْلَمُونَ ﴾. ♦ السورة ورقم الآية: آل عمران (75).
[12] ذكر الله تعالى انحرافات النصارى بقولهم بالتثليث وهي أيضًا من الانحرافات الخطيرة في العقيدة، وقال تعالى في ذلك: "قَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ ثَالِثُ ثَلَاثَةٍ وَمَا مِنْ إِلَهٍ إِلَّا إِلَهٌ وَاحِدٌ وَإِنْ لَمْ يَنْتَهُوا عَمَّا يَقُولُونَ لَيَمَسَّنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ". [13] ذكر الله تعالى قول النصارى بأنّ عيسى ابن الله، وكان ذلك في قوله جلّ وعلا: "وَقَالَتِ الْيَهُودُ عُزَيْرٌ ابْنُ اللَّهِ وَقَالَتِ النَّصَارَى الْمَسِيحُ ابْنُ اللَّهِ ذَلِكَ قَوْلُهُمْ بِأَفْوَاهِهِمْ يُضَاهِئُونَ قَوْلَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَبْلُ قَاتَلَهُمُ اللَّهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ". منهم اهل الكتاب العزيز. [14] طريقة التعامل مع اليهود والنصارى بعد الإجابة على السؤال: من هم اليهود والنصارى ؟ هناك أمر لا بدّ من الوقوف عنده؛ وهو معرفة الأحكامِ والضوابط التي تبين طريقة التعامل من اليهود والنصارى أيّ أهل الكتاب في ظلّ وجود اختلاط اجتماعي معهم، ومن ابرز تلك الضوابط ما يأتي: [14] الإحسانُ إلى أهل الكتاب، فقد أمر الله تعالى المسلمين أن يحسنوا إلى أهل الكتاب، كما أمر ببرهم وعدم ظلمهم. السّلامُ على أهلِ الكتاب، وهناك خلاف بين العلماء على جواز البدء بالسّلام عليهم، ولكنّ الاتفاق على أنّه من الواجب ردّ السّلام عليهم في حال بدؤوا به.
شرح الكلمة [ عدل] أولاً معنى المصلحة لغةً واصطلاحاً المصلحة لغة: المصلحة كالمنفعة وزناً ومعنى، فهي مصدر بمعنى الصلاح، كالمنفعة بمعنى النفع، أو هي اسم للواحدة من المصالح، وفي اللسان: والمصلحة الصلاح، والمصلحة واحدة المصالح، وفي الصحاح: المصلحة واحدة المصالح مأخوذة من الصلاح ضد الفساد، والاستصلاح نقيض الاستفساد. [1] فكل ما كان فيه نفع - سواء كان بالجلب والتحصيل كاستحصال الفوائد واللذائذ، أو بالدفع والاتقاء، كاستبعاد المضار والآلام - فهو جدير بأن يسمى مصلحة. قاعدة ( درء المفاسد مقدم على جلب المصالح ) : للمدارسة. المصلحة اصطلاحاً: المصلحة كما قال الإمام الغزالي: المحافظة على مقصود الشرع من الخلق خمسة: أن يحفظ عليهم دينهم، ونفسهم، وعقلهم، ونسلهم، ومالهم، فكل ما يتضمن حفظ هذه الأصول الخمسة فهو مصلحة، وكل ما يفوت هذه الأصول فهو مفسدة، ودفعها مصلحة. [2] فهذه ولا ريب منفعة قصدها الشارع الحكيم لعباده من خلال حفظ هذه الأصول الخمسة، والمنفعة هي: اللذة أو ما كان وسيلة إليها، ودفع الألم أو ما كان وسيلة إليه، أو كقول الرازي: اللذة تحصيلًا، أو إبقاء ، فالمراد بالتحصيل: جلب اللذة مباشرة، والمراد بالإبقاء: الحفاظ عليها بدفع المضرة وأسبابها. [3] ثانياً معنى المفسدة لغةً واصطلاحاً المفسدة لغةً: فساد الشيء واستحالته، يقال: فسد الشيء يفسُد ويفسِد، وفسُد فسادًا وفُسودًا وأفسدته.
ثانيًا: تطبيقات هذه القاعدة من حياة خير البرية صلى الله عليه وسلم: هيا لنرى كيف طبَّق النبي صلى الله عليه وسلم في حياته الدعوية: أولًا: هدم الكعبة وبناؤها على قواعد إبراهيم عليه الصلاة والسلام، فهدم الكعبة وبناؤها على قواعد سيدنا إبراهيم عليه الصلاة والسلام سيحقق مصلحة شرعية، ولكن سيترتب على ذلك مفاسد أخبر عنها رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ كما في حديث عائشة رضي الله عها، قال صلى الله عليه وسلم: « لولا قومك حديث عهدهم بكفر، لنقضت الكعبة، فجعلت لها بابين: باب يدخل الناس منه، وباب يخرجون »، ففعله ابن الزبير [1]. فبناء الكعبة على قواعد إبراهيم مصلحة، ولكن افتتان الضعفاء وتشهير الأعداء مفسدة راجحة على تلك المصلحة، فتركه النبي صلى الله عليه وسلم؛ يقول ابن بطال رحمه الله: قال المهلب: فيه أنه قد يترك شيئًا من الأمر بالمعروف إذا خشي منه أن يكون سببًا لفتنة قوم ينكرونه، ويسرعون إلى خلافه واستبشاعه. وفيه أن النفوس تحب أن تُساسَ بما تأنَس إليه في دين الله من غير الفرائض، بأن يترك ويرفع عن الناس ما ينكرون منها؛ قال أبو الزناد: إنما خشي أن تنكره قلوب الناس لقرب عهدهم بالكفر، ويظنون أنما يفعل ذلك لينفرد بالفخر دونهم.
ويستشهد عالم المقاصد المغربي كذلك بالعديد من الدلائل الأولى للبعثة النبوية ليثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم وقبله الأنبياء جميعا جاءوا أساسًا للتأسيس والبناء والتشييد، أي بالمصالح وعمل الصالحات، مصداقًا للحديث النبوي الشريف: "مَثَلي ومَثَلُ الأنبياء من قبلي، كَمَثَلِ رجل بنى بنيانا، فأحسنه وأجمله، إلا موضع لَبِنة من زاوية من زواياه. فجعل الناس يطوفون به ويعجبون له ويقولون: هلاَّ وُضعتْ هذه اللبنة. قال: فأنا اللبنة، وأنا خاتم النبيين". وهو حديث ليس فيه -وفق الريسوني- ذكر للمفاسد أصلا، لا مقدَّمة ولا مؤخَّرة، وإنما ذُكر البنيان والتحسين والتجميل والتتميم، وكل ذلك مرصَّع ومُحلى بمكارم الأخلاق. لكنه يستدرك قائلا: "هذا لا يعني، ولا أعني به إغفال مسألة المفاسد وإخراجَها من الحسبان، ولكنه يعني وأعني به، أنها مسألة ضمنية وفرعية وتابعة".