من أرقى أنواع رفاهية الروح أن يكون «انفرادك بنفسك» هو متعتك الحقيقية، فمن لا يأنس بذاته لا يأنس بشيء آخر، هكذا تحدث أحد الحُكماء، ومن جهتي لا أرى بأساً في هذا القول الجميل في المعنى والمقصد، فالكتابة عن الخلوة مع النفس وآثارها على الحياة في واقعها الحالي بما يحفه من تعقيدات ومصاعب وتحديات شيء ممتع، فالأنس مع النفس جوهر الخلوة ومتعتها الحقيقية، فقد تضطرنا ضغوطات الحياة ومصاعبها أحياناً إلى ضرب «طوق من الخلوة» حول أنفسنا للحفاظ على طاقتنا من التبدد، وعلى توهج أرواحنا ضد حالة الوهن والتشتت التي تصيبنا جراء تصاريف الأقدار وتقلبات الحياة. فالحياة يقيناً ليست نعيماً دائماً لا ينقطع، ولا هي نزهة بحرية على شواطئ يانعة الخضرة، ولا يمكن بالطبع أن تكون سلسلة من المصاعب والآلام والخسارات، إنما هي رحلة تجمع بين السعادة بمعناها الواسع الذي يجمع بين خلو البال والمتع الحسية والمعنوية والجانب الآخر الذي هو نقيض خلو البال. الخلوة مع النفس جامعة. إذاً، هي رحلة ليست سهلة، بمقدار ما فيها من المُتع والنعم وبهاء العيش وصفوه، بقدر ما فيها من الشقاء والمعاناة. الخلوة بالنفس من أجل استعادة الشغف بالحياة ومواصلة رحلتنا، هي أن نستقطع من أوقاتنا أوقاتاً أخرى، نفرد مساحات أكثر خصوصية في المكان والزمان لاستعادة التوازن الذي ننشده لتبديد الطاقة السلبية وما علق بنا من هموم ومشاغل.
مواضيع مقترحة
ومن فضائل الخلوة بالله وثمارها: نيل صاحبها لمحبة الله، قال رَسُولَ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: " إِنَّ اللهَ يُحِبُّ الْعَبْدَ الْخَفِيَّ "(رواه مسلم)، والمراد بالعبد الخفي الذي يكثر من عبادة الله في خلوته بربه. ومنها: حصول صاحب الخلوة بربه على المغفرة والأجر الكبير، قال -سبحانه-: ( إِنَّ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ بِالْغَيْبِ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ كَبِيرٌ)[الملك:12]. الخلوة مع النفس في. ومن فضائل وثمار الخلوة -عباد الله-: أن الله يظل صاحبها تحت ظله يوم لا ظل إلا ظله؛ كما جاء في الحديث أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: " سبعة يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله "، ومنهم: " رجل ذكر الله خالياً ففاضت عيناه "(رواه البخاري ومسلم). بارك الله لي ولكم بالقرآن العظيم ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم، أقول ما تسمعون وأستغفر الله لي ولكم؛ فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.