)، فهمَّ أن يدعو عليهم، فأنزل الله عز وجل: { ليس لك من الأمر شيء أو يتوب عليهم أو يعذبهم فإنهم ظالمون}، فكفَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الدعاء عليهم. - وروى الطبري عن الحسن البصري ، قال: جاء أبو سفيان من الحَوْل غضبان لما صُنِعَ بأصحابه يوم بدر، فقاتل أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم يوم أحد قتالاً شديداً، حتى قتل منهم بعدد الأسارى يوم بدر، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم كلمة، علم الله أنها قد خالطت غضباً: ( كيف يفلح قوم خضبوا وجه نبيهم بالدم، وهو يدعوهم إلى الإسلام! ليس لك من الأمر شيء | موقع نصرة محمد رسول الله. )، فقال الله عز وجل: { ليس لك من الأمر شيء أو يتوب عليهم أو يعذبهم فإنهم ظالمون}. ويَرِدُ على القولين سؤال، وهو أن قصة أحد متقدمة على قصة رعل ، و ذكوان ، الذين دعا عليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم. وقد أجاب ابن حجر على هذا بقوله: "يحتمل أن يكون نزول الآية تراخى عن قصة أحد؛ لأن قصة رعل ، و ذكوان ، كانت بعدها، وفيه بُعْد. والصواب أنها نزلت في شأن الذين دعا عليهم بسبب قصة أُحد. ويؤيد ذلك ظاهر قوله في صدر الآية: { ليقطع طرفا من الذين كفروا} أي: يقتلهم، { أو يكبتهم} أي: يخزيهم، ثم قال: { أو يتوب عليهم} أي: فيسلموا، { أو يعذبهم} أي: إن ماتوا كفاراً"، قال الشيخ أحمد شاكر معقباً على قول ابن حجر: "وهذا تحقيق نفيس جيد من الطراز العالي".
إدالة أعداء الدين على الثلة المؤمنة إنما هي في النهاية لحكمة حكيم لا دخل فيها لبشر حتى لو كان نبياً من أولي العزم, ففيها من الدروس و العبر ما يفوق تخيل الفريقين. السعدي رحمه الله في تفسيره أبرز بعض تلك الحكم و المعاني بما يغني عن مزيد تعليق و ذلك لروعة بيانه في تفسير الآيات. فتأمل: قال تعالى: { لَيْسَ لَكَ مِنَ الأمْرِ شَيْءٌ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ أَوْ يُعَذِّبَهُمْ فَإِنَّهُمْ ظَالِمُونَ * وَلِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأرْضِ يَغْفِرُ لِمَنْ يَشَاءُ وَيُعَذِّبُ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ} [آل عمران 128 - 129].
إنَّ عقلية الرغبة في السيطرة على كلِّ شيء وتغيير كلِّ الأمور تتأسَّسُ من عدة دوافع منها: أنَّ صاحبَها يستخدمُها للسيطرة على القلق! ليس لك من الأمر شي بودكاست عبدالله بن داخل رحمه الله podcast. فهو يحدِّث نفسَه بأنه إذا سيطر على كلِّ شيء فلن يبقى هناك طريقٌ للقلق في حياته! وهذا مُنافٍ للحقيقة؛ فمصادرُ القلق بقدراتِكَ المحدودة لن تستطيع السيطرة عليها ولكن ما تستطيع السيطرة عليه هو ما يحكم تحت سيطرتِكَ! ومن الدوافع أنَّ صاحبها يرى تلازُمًا بين قدراتِه ونجاحِه وبين سيطرته على الآخرين، وثمة دافع ثالث هو الشعورُ المرهَفُ والنَّفس الرقيقة والقلب النابض وحبُّ الخير للجميع والخوف عليهم، كما كان عليه قرَّةُ العين محمد - اللهمَّ صلِّ وسلِّم عليه - ولكن القرآن عاتبَ حبيبَنا - اللهمَّ صلِّ وسلِّم عليه - في مسألة توسُّع نطاق المسؤولية؛ فخاطبه برقة وعذوبة: {فَلا تَذْهَبْ نَفْسُكَ عَلَيْهِمْ حَسَراتٍ}! ومن الجميل أنَّ ما نملك التحكُّمَ به أكثرُ وأهمُّ بكثير ممَّا لا نملِكُ التحكمَ به؛ فعواطفُكَ أنت مَن يملك السيطرة عليها، وطريقةُ تفكيرك مِلكُكَ لكَ، وأسلوبُ حياتكَ أنت مَن يختاره ولا يُفرَض عليكَ، وأغلبُ قراراتِكَ هي ملكٌ لكَ، وتطوير ذاتكَ وتغييرها نحو الأفضل لا أحدَ يحول بينك وبينه؛ لذا كُفّ عن فكرة أنْ تستطيع تغيير ما لا تقدِرُ عليه، وتوقَّف عن بذْل الجهد والطاقة لأمور بذلتَ فيها السببَ، وركِّز وصدقْني أنَّ ثمة حياة مختلفة جميلة تنتظرُكَ!