ثم ذكر سبحانه المؤمنين فقال: إن المتقين في ظلال وعيون أي في ظلال الأشجار وظلال القصور ، لا كالظل الذي للكفار من الدخان ، أو من النار كما تقدم. قال مقاتل ، والكلبي: المراد بالمتقين الذين يتقون الشرك بالله ؛ لأن السورة من أولها إلى آخرها في تقريع الكفار على كفرهم. قال الرازي: فيجب أن تكون هذه الآية مذكورة لهذا الغرض وإلا لتفككت السورة في نظمها وترتيبها وإنما يتم النظم بأن يكون الوعد للمؤمنين بسبب إيمانهم ، فأما جعله سببا للطاعة فلا يليق بالنظم كذا قال. والمراد بالعيون الأنهار ، وبالفواكه ما يتفكه به مما تطلبه أنفسهم وتستدعيه شهواتهم. كلوا واشربوا هنيئا بما كنتم تعملون أي يقال لهم ذلك ، فالجملة مقدرة بالقول ، وهي في محل نصب على الحال من ضمير المتقين ، والباء للسببية: أي بسبب ما كنتم تعملونه في الدنيا من الأعمال الصالحة. إسلام ويب - تفسير القرطبي - سورة المرسلات - قوله تعالى انطلقوا إلى ما كنتم به تكذبون - الجزء رقم19. إنا كذلك نجزي المحسنين أي مثل ذلك الجزاء العظيم نجزي المحسنين في أعمالهم ، قرأ الجمهور في ظلال. وقرأ الأعمش ، والزهري ، وطلحة ، والأعرج " في ظلل " جمع ظلة. ويل يومئذ للمكذبين حيث صاروا في شقاء عظيم ، وصار المؤمنون في نعيم مقيم. كلوا وتمتعوا قليلا إنكم مجرمون الجملة بتقدير القول في محل نصب على الحال من المكذبين: أي الويل ثابت لهم في حال ما يقال لهم ذلك تذكير لهم بحالهم في الدنيا ، أو يقال لهم هذا في الدنيا ، والمجرمون: المشركون بالله ، وهذا وإن كان في اللفظ أمرا فهو في المعنى تهديد وزجر عظيم.
وكفى بالبيت الذي يليه دليلا على فساد زعمه أن الدافع لصنعته: إيجاد الشواهد المعدومة، لدعاوى مجردة. وليس في البيت ركاكة ولا صنعة. ]] وقيل: ﴿بِشَرَرٍ كَالْقَصْرِ﴾ ولم يقل كالقصور، والشرر جمع، كما قيل: ﴿سَيُهْزَمُ الْجَمْعُ وَيُوَلُّونَ الدُّبُرَ﴾ ولم يقل الأدبار، لأن الدبر بمعنى الأدبار، وفعل ذلك توفيقا بين رءوس الآيات ومقاطع الكلام، لأن العرب تفعل ذلك كذلك، وبلسانها نزل القرآن. وقيل: كالقصر، ومعنى الكلام: كعظم القصر، كما قيل: ﴿تَدُورُ أَعْيُنُهُمْ كَالَّذِي يُغْشَى عَلَيْهِ مِنَ الْمَوْتِ﴾ ولم يقل: كعيون الذي يغشى عليه، لأن المراد في التشبيه الفعل لا العين. ⁕ حدثنا محمد بن المثنى، قال: ثنا محمد بن جعفر، قال: ثنا شعبة، عن عطاء بن السائب، أنه سأل الأسود عن هذه الآية: ﴿تَرْمِي بِشَرَرٍ كَالْقَصْرِ﴾ فقال: مثل القصر. وقوله: ﴿جِمَالَةٌ صُفْرٌ﴾ اختلف أهل التأويل في تأويل ذلك، فقال بعضهم: معنى ذلك: كأن الشرر الذي ترمي به جهنم كالقصر جِمالات سود: أي أينق سود؛ وقالوا: الصفر في هذا الموضع، بمعنى السود قالوا: وإنما قيل لها صفر وهِي سود، لأن ألوان الإبل سود تضرب إلى الصفرة، ولذلك قيل لها صُفْر، كما سميت الظباء أدما، لما يعلوها في بياضها من الظلمة.