بالكثير من القضايا الشائكة، وعبر العديد من الأصوات؛ تشتبك رواية «لا تقصص رؤياك» للكاتب الكويتي، عبدالوهاب الحمادي، الذي يثير في عمله موضوعات، قد يراها البعض حقول ألغام. «لا تقصص رؤياك» التي حجزت لنفسها مكاناً في القائمة الطويلة لجائزة «البوكر العربية»، لا تتماسّ مع واقعها فقط، بل تنغمس فيه، تعيش في قلب اللحظة، غير عابئة بما سيوجّه إليها؛ ففي الغالب؛ يكتفي روائيون بالعزف على وتر بعينه، يعالجون قضية ما حتى يأتوا عليها، لكن هنا في «لا تقصص رؤياك» التي منعت من العرض في «الكويت للكتاب»، بدورته الأخيرة، يثير الحمادي قضايا بالجملة، يقلّب في أوراق مهترئة، لتنطق أصوات روايته بهموم وأحلام وهواجس ورؤى، كل من وجهة نظره، وحسب قناعاته، لتتصارع بين فضاءات السرد إرادات أصحابها، الذين هم في النهاية رموز تختصر مجتمعها، وتبوح - على الأقل - ولو بجزء مما يعتمل فيه. النبش العميق والصريح، قد يفاجئ قارئاً ما بكمِّ الموضوعات والقضايا، التي تفتح عينيه عليها عوالم «لا تقصص رؤياك»، وأبرزها لعبة المصالح التي قد تتزين بشعارات كبرى، وغيرها الكثير، ووسط ذلك المناخ المفخخ يوجد كائن ما يسمى «الحب» لا يسمح له بأن ينمو بشكل طبيعي، إذ يظل مطارداً بالكوابيس التي هي في النهاية صدى بشكل ما للحاصل، وللأماني المكبوتة، وانحراف مسارات الحياة الحاد لدى شخصيات عدة في الرواية.
رواية «لا تقصص رؤياك» للكاتب الكويتي عبد الوهاب الحمادي، رُشحت للقائمة الطويلة للجائزة العالمية للرواية العربية في دورتها الثامنة للعام 2015، ولسوء حظي لم أقرأها إلا قبل عدة أيام، وإن كنت تأخرت كثيرًا في قراءتها إذا نظرنا للفترة الزمنية منذ صدورها وترشحها إلى حين قراءتها، إلا أنها رواية تستحق القراءة أكثر من مرة كما نوه بذلك الكاتب بين سطورها وتحديدًا في الصفحة 235. لا تقصص رؤياك هي مزيج بين القضايا الاجتماعية والسياسية تتخللها وصلات شبه بوليسية مثيرة. ويمكن القول إنها مجموعة من الحكايات تتداخل مع الحكاية الرئيسة لبطلها بسام الذي يعمل في شركة عمه وتستحوذ على لبه فتاة رمز لها بـ(ن) أو كما يطلق عليها بعض الموظفين من زملاء بسام (مبارك وأصدقائه) فتاة البوم أو البومة. بطل الرواية بسام كان يعيش حياة رتيبة، بالرغم مما يصاحبها من ترف وبذخ على السيارات الرياضية واليخوت بعض الأسفار بين حين وآخر إلى أن ظهرت الفتاة (ن) وأخذت بيده إلى عالم آخر لم يعتد عليه، ولم تطئه قدماه من قبل، وهو عالم الحكايات الذي يصنعه خوسيه ساراماغو في روايته كل الأسماء. توحي الصفحات الأولى للقارئ أن الكاتب بصدد كتابة ساخرة لا تمنح قارئها أكثر من جرعة هزلية، للترويح عن الذات في عالم غدت الكوارث فيه وجبة يومية، ومع توالي الصفحات ينسج الحمادي خيوطه لتستحوذ على انتباه القارئ وتدخله في نسق سريع في حدود شخصياته وتفاعلاتها، وتجرجره شيئًا فشيئًا نحو عوالمها المختلطة تارة بالهموم والمناكفات الاجتماعية، والصراعات والعقد الفرويدية التي خلفها الزمن على جدران اللا شعور تارة أخرى، وصولًا إلى الفضول واللذة الطفولية ساعة إعلان القلب حالة حب جديدة.