مرحباً بالضيف
القول في تأويل قوله تعالى: ﴿وَأَنْفِقُوا مِنْ مَا رَزَقْنَاكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ فَيَقُولَ رَبِّ لَوْلا أَخَّرْتَنِي إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ فَأَصَّدَّقَ وَأَكُنْ مِنَ الصَّالِحِينَ (١٠) وَلَنْ يُؤَخِّرَ اللَّهُ نَفْسًا إِذَا جَاءَ أَجَلُهَا وَاللَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ (١١) ﴾ يقول تعالى ذكره: وأنفقوا أيها المؤمنون بالله ورسوله من الأموال التي رزقناكم من قبل أن يأتي أحدكم الموت فيقول إذا نزل به الموت: يا ربّ هلا أخرتني فتُمْهَلَ لي في الأجل إلى أجل قريب. الباحث القرآني. فأصدّق يقول: فأزكي مالي ﴿وَأَكُنْ مِنَ الصَّالِحِينَ﴾ يقول: وأعمل بطاعتك، وأؤدّي فرائضك. وقيل: عنى بقوله: ﴿وَأَكُنْ مِنَ الصَّالِحِينَ﴾ وأحجّ بيتك الحرام. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. * ذكر من قال ذلك: ⁕ حدثني يونس وسعيد بن الربيع، قال سعيد، ثنا سفيان، وقال يونس: أخبرنا سفيان، عن أَبي جناب عن الضحاك بن مزاحم، عن ابن عباس، قال: ما من أحد يموت ولم يؤدّ زكاة ماله ولم يحجّ إلا سأل الكرّة، فقالوا: يا أبا عباس لا تزال تأتينا بالشيء لا نعرفه؛ قال: فأنا أقرأ عليكم في كتاب الله: ﴿وَأَنْفِقُوا مِنْ مَا رَزَقْنَاكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ فَيَقُولَ رَبِّ لَوْلا أَخَّرْتَنِي إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ فَأَصَّدَّقَ﴾ قال: أؤدي زكاة مالي ﴿وَأَكُنْ مِنَ الصَّالِحِينَ﴾ قال: أحجّ.
تَنْبِيهًا عَلى هَذا التَّوَهُّمِ فالقُرْآنُ حَكى عَنِ النّاسِ ما هو الغالِبُ عَلى أقْوالِهِمْ. (p-٢٥٤)وانْتَصَبَ فِعْلُ فَأصَّدَّقَ عَلى إضْمارِ أنَّ المَصْدَرِيَّةِ إضْمارًا واجِبًا في جَوابِ الطَّلَبِ. وأمّا قَوْلُهُ وأكُنْ فَقَدِ اخْتَلَفَ فِيهِ القُرّاءُ. إسلام ويب - تفسير الطبري - تفسير سورة المنافقون - القول في تأويل قوله تعالى "وأنفقوا من ما رزقناكم من قبل أن يأتي أحدكم الموت "- الجزء رقم23. فَأمّا الجُمْهُورُ فَقَرَأُوهُ مَجْزُومًا بِسُكُونِ آخِرِهِ عَلى اعْتِبارِهِ جَوابًا لِلطَّلَبِ مُباشَرَةً لِعَدَمِ وُجُودِ فاءِ السَّبَبِيَّةِ فِيهِ، واعْتِبارِ الواوِ عاطِفَةً جُمْلَةً عَلى جُمْلَةٍ ولَيْسَتْ عاطِفَةً مُفْرَدًا عَلى مُفْرَدٍ. وذَلِكَ لِقَصْدِ تَضْمِينِ الكَلامِ مَعْنى الشَّرْطِ زِيادَةً عَلى مَعْنى التَّسَبُّبِ فَيُغْنِي الجَزْمُ عَنْ فِعْلِ شَرْطِ. فَتَقْدِيرُهُ: إنْ تُؤَخِّرْنِي إلى أجَلٍ قَرِيبٍ أكُنْ مِنَ الصّالِحِينَ، جَمْعًا بَيْنَ التَّسَبُّبِ المُفادِ بِالفاءِ والتَّعْلِيقِ الشُّرْطِيِّ المُفادِ بِجَزْمِ الفِعْلِ. وإذا قَدْ كانَ الفِعْلُ الأوَّلُ هو المُؤَثِّرُ في الفِعْلَيْنِ الواقِعِ أحَدُهُما بَعْدَ فاءِ السَّبَبِيَّةِ والآخَرُ بَعْدَ الواوِ العاطِفَةِ عَلَيْهِ. فَقَدْ أفادَ الكَلامُ التَّسَبُّبَ والتَّعْلِيقَ في كِلا الفِعْلَيْنِ وذَلِكَ يَرْجِعُ إلى مُحَسِّنِ الِاحْتِباكِ.
وكان الأنبياء يطلبونها بلسان الذل والافتقار لمولاهم، كما دعا إبراهيم ويوسف - عليهما الصلاة والسلام -: ﴿ وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ ﴾ [يوسف: 101]. ولم تقف همتهم في ذلك الخير على حدود النفس، بل سمت ليشمل نعيمُ الصلاح ذريتهم، كما دعا إبراهيم - عليه السلام - على كبر سن وعقم زوج فقال: ﴿ رَبِّ هَبْ لِي مِنَ الصَّالِحِينَ ﴾ [الصافات: 100]. وطموح إيمان الصادقين يكسرهم لرب العالمين أن يدخلهم مع القوم الصالحين: ﴿ وَمَا لَنَا لَا نُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَمَا جَاءَنَا مِنَ الْحَقِّ وَنَطْمَعُ أَنْ يُدْخِلَنَا رَبُّنَا مَعَ الْقَوْمِ الصَّالِحِينَ ﴾ [المائدة: 84]. أيها المسلمون! إن للصلاح ثماراً يانعة المنظر حلوة المخبر، تبدأ مع العبد حين يغدو صالحاً، وتبقى مدرارة عليه بعد موته، ويحظى بالجزاء العظيم عليها يوم الدين. فولاية الله للعبد بقدر صلاحه، كما قال تعالى: ﴿ إِنَّ وَلِيِّيَ اللَّهُ الَّذِي نَزَّلَ الْكِتَابَ وَهُوَ يَتَوَلَّى الصَّالِحِينَ ﴾ [الأعراف: 196]، ومن كان الله وليه فما ترونه صانعاً به؟! والعبد الصالح في حفظ من الله ومنعة غدت مثلاً يُنشَد، فقد كان من دعاء النبي صلى الله عليه وسلم عند نومه: " باسمك رب وضعت جنبي وبك أرفعه، إن أمسكت نفسي فارحمها، وإن أرسلتها فاحفظها بما تحفظ به عبادك الصالحين " رواه البخاري ومسلم.