ولو أنا كتبنا عليهم أن اقتلوا أنفسكم أو اخرجوا من دياركم ما فعلوه إلا قليل منهم ولو أنهم فعلوا ما يوعظون به لكان خيرا لهم وأشد تثبيتا وإذا لآتيناهم من لدنا أجرا عظيما ولهديناهم صراطا مستقيما. لم يظهر وجه اتصاله بما قبله ليعطف عليه ، لأن ما ذكر هنا ليس أولى بالحكم من المذكور قبله ، أي ليس أولى بالامتثال حتى يقال: لو أنا كلفناهم بالرضا بما هو دون قطع الحقوق لما رضوا ، بل المفروض هنا أشد على النفوس مما عصوا فيه. فقال جماعة من المفسرين: وجه اتصالها أن المنافق لما لم يرض بحكم النبيء - صلى الله عليه وسلم - وأراد التحاكم إلى الطاغوت. وقالت اليهود: ما أسخف هؤلاء يؤمنون بمحمد ثم لا [ ص: 114] يرضون بحكمه ، ونحن قد أمرنا نبيئنا بقتل أنفسنا ففعلنا وبلغت القتلى منا سبعين ألفا; فقال ثابت بن قيس بن شماس: لو كتب ذلك علينا لفعلنا ، فنزلت هذه الآية تصديقا لثابت بن قيس. ولا يخفى بعده عن السياق لأنه لو كان كذلك لما قيل ما فعلوه إلا قليل منهم بل قيل: لفعله فريق منهم. وقال الفخر: هي توبيخ للمنافقين ، أي لو شددنا عليهم التكليف لما كان من العجب ظهور عنادهم ، ولكنا رحمناهم بتكليفهم اليسر فليتركوا العناد. وهي على هذا الوجه تصلح لأن تكون تحريضا للمؤمنين على امتثال الرسول وانتفاء الحرج عنهم من أحكامه ، فإنه لم يكلفهم إلا اليسر ، كل هذا محمول على أن المراد بقتل النفوس أن يقتل أحد نفسه بنفسه.
ولو أنهم فعلوا ما يوعظون به
ولو أنهم فعلوا ما يوعظون به لكان خيرا لهم - YouTube
ولو أنهم فعلوا ما يوعظون با ما
وقد أتينا على بيان ذلك في موضعه ، بما فيه كفاية من إعادته.
ولو أنهم فعلوا ما يوعظون به لكان خيرا لهم
إن من الحكمة الاستماع إلى وعظ من يعظ من العلماء، فإنهم يعلمون المصلحة من حيث علمهم بالشرع، فحيثما وُجد الشرع قامت المصلحة، وحيثما عدم عدمت. لكنّ الأمر أنّ هؤلاء الذين تتحدث عنهم الآية، وتشير اليهم بالضمير في "أنهم" وأمثالهم في كلّ حين، يتبعون شرعاً موازياً، ومن ثم تترائي لهم مصالح مغايرة، زإذا المصالح الحقيقية مفاسد، وإذا المفاسد مصالح، وإذا المسلم كافرا وإذا الكافر مسلماً، وإذا العالم جاهلٌ وإذا الجاهل عالم، وإذا الأبيض أسود، والأسود أبيض. وإذا بهؤلاء، بعد أن رفضوا وعظ الواعظين، يجدون نصرهم هزيمة، وجنتهم نارا، ولا يروا الحق إلا بعد أن يهزمهم الباطل، فيعرفون أنهم كانوا يسبحون في تياره كلّ الوقت " وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا " الكهف104. من هنا يأني معنى الدعاء "اللهم أرنا الحق حقا وارزقنا اتباعه وأرنا الباطل باظلا وارزقنا اجتنابه". فالمقام الأول تمييز الحق من الباطل، وهو الأصعب، وهو ما لا يُعرف إلا بإتباع العلماء، ورثة الأنبياء، لا بالهوى والتشهي، وإدعاء العلم والتحلى بلباسيّ الزور. اللهم أرنا الحق حقا وارزقنا اتباعه وأرنا الباطل باطلا وارزقنا اجتنابه
د طارق عبد الحليم
27 جمادى الأولى 1435 – 28 مارس 2014
9:00pm الجمعة
[1] الموافقات ج2ص249
[2] البيان والتبيين للجاحظ ص239
الاسم الحقيقي:! السكن- المدينة:.
* * * وقال بعض نحويي الكوفة: إنما رفع على نية التكرير، كأن معناه: ما فعلوه، ما فعله إلا قليل منهم، كما قال عمرو بن معد يكرب: (3) وَكُـــلُّ أَخٍ مُفَارِقُـــهُ أَخُـــوهُ, لَعمْـــرُ أَبِيـــك إلا الفَرْقَـــدَانِ (4) قال أبو جعفر: وأولى الأقوال في ذلك بالصواب، أن يقال: رفع " القليل " بالمعنى الذي دلَّ عليه قوله: " ما فعلوه إلا قليل منهم ". وذلك أن معنى الكلام: ولو أنا كتبنا عليهم أن اقتلوا أنفسكم أو اخرجوا من دياركم ما فعله إلا قليل منهم = فقيل: " ما فعلوه " على الخبر عن الذين مضى ذكرهم في قوله: أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُوا بِمَا أُنْـزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْـزِلَ مِنْ قَبْلِكَ ألم استثنى " القليل "، فرفع بالمعنى الذي ذكرنا، إذ كان الفعل منفيًّا عنه. * * * وهي في مصاحف أهل الشام: ( مَا فَعَلُوهُ إِلا قَلِيلا مِنْهُمْ). وإذا قرئ كذلك، فلا مرْزِئَةَ على قارئه في إعرابه، (5) لأنه المعروف في كلام العرب، إذ كان الفعل مشغولا بما فيه كنايةُ مَنْ قد جرى ذكره، (6) ثم استثني منهم القليل. * * * القول في تأويل قوله: وَلَوْ أَنَّهُمْ فَعَلُوا مَا يُوعَظُونَ بِهِ لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ وَأَشَدَّ تَثْبِيتًا (66) قال أبو جعفر: يعني جل ثناؤه بذلك: ولو أن هؤلاء المنافقين الذين يزعمون أنهم آمنوا بما أنـزل إليك، وهم يتحاكمون إلى الطاغوت، ويصدُّون عنك صدودًا =" فعلوا ما يوعظون به "، يعني: ما يذكّرون به من طاعة الله والانتهاء إلى أمره (7) =" لكان خيرًا لهم "، في عاجل دنياهم، وآجل معادهم =" وأشد تثبيتًا "، وأثبت لهم في أمورهم، وأقوم لهم عليها.