والصحيح: أن يَحْلِق جميع رأسه، أو يقصِّر جميع رأسه، ولا يكتفى بحَلْق أو تقصير بعضه. وهذا الحَلْق خاصٌّ بالرجال، وأما النساء، فليس عليهن إلا التقصير؛ لقوله - صلى الله عليه وسلم -: ((ليس على النساء حلق؛ إنما على النساء التقصير)). [7] فتقصِّر المرأة قدر أُنْمُلة من كل ضَفِيرة. تنبيه: هذا الحَلْق في المناسك عبادة ونسك يؤجر عليها العبد، وأمَّا فيما عدا ذلك، فيختلف باختلاف النية على النحو الآتي: (أ) فإن كان يَحْلِق شعره تعبدًا، نقول: هذه بدعة؛ إذ لم يُشْرَع الحلق إلا في المناسك، وكان من علامات الخوارج الحَلْق، كما قال - صلى الله عليه وسلم - في وصفهم: ((سيماهم التحليق)) [8]. (ب) وإن كان للترفُّه والتنزُّه، فلا بأس به، ويكون من فعل المباح. [9] ثم يُفِيض إلى مكة، ويطوف طواف الإفاضة، وذلك في نفس يوم النحر؛ لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - طاف في يوم العيد، كما ورد في حديث جابر - رضي الله عنه - عند مسلم: فيطوف سبعًا حول البيت، كما تقدَّم، غير أنه لا يَضْطَبِع، ولا يَرْمُل. أعمال يوم النحر. وهذا الطواف يقال له: طواف " الإفاضة "، وطواف " الزيارة "، وطواف " الركن ". ثم يصلِّي ركعتين عند مقام إبراهيم، كما تقدَّم وصف ذلك [10].
ويجوز له أن يَنْحَر في أي مكان آخر من مِنى غير المَنْحَر، وكذلك يجوز له أن يَنْحَر بمكة؛ لقوله - صلى الله عليه وسلم -: ((نَحَرتُ ههنا، ومِنى كلها مَنْحَر))، وفي بعض الروايات: ((وكل فِجَاج مكة طريقٌ ومَنْحَر)) [3]. واعلم أنه يجوز أن يَنْحَر أو يَذْبَح بنفسه، ويجوز له أن يُنِيب غيره عنه. ويُسْتَحب له أن يأكل من هَدْيه؛ لما ثَبَت عن جابر - رضي الله عنه -: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - بعدما نحر الهدي: "... اعمال يوم النحر للحاج. ثم أمر من كل بَدَنة ببَضْعَة فجُعِلت في قِدْر، فطُبِخت، فأكلا من لحمها، وشَرِبا من مَرَقِها" [4]. وذهب بعض العلماء إلى وجوب الأكل منها. وسيأتي مزيد لبيان أحكام الهَدْي. ثم يَحْلِق أو يقصِّر: والأفضل الحلق؛ لما ثَبَت عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: "قال رسول - صلى الله عليه وسلم -: ((اللهم اغفر للمُحَلِّقين))، قالوا: يا رسول الله، وللمقصِّرين، قال: ((اللهم اغفر للمُحَلِّقين))، قالوا: يا رسول الله، وللمقصِّرين، قال: ((اللهم اغفر للمُحَلِّقين))، قالوا: يا رسول الله، وللمقصِّرين، قال: ((وللمقصِّرين)) [5]. ويجوز أن يَحْلِق لنفسه أو يَحْلِق له غيره، والسنة أن يبدأ الحَلْق بيمين المحلوق؛ لما ثَبَت في حديث أنس - رضي الله عنه -: "أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أتى منى، فأتى الجمرة فرماها، ثم أتى منزله بمِنى ونَحَر، ثم قال للحلاق: ((خُذْ))، وأشار إلى جانبه الأيمن، ثم الأيسر، ثم جعل يعطيه الناس" [6].
– وأما التحلل من العمرة فيكون لكل من الرجل والمرأة بعد الفراغ من الطواف والسعي والحلق أو التقصير، وليس للمرأة إلا التقصير. – والقارن حكمه في التحلل حكم المفرد. – لا يستحب للحاج الحلق أو التقصير بعد تحلله التحلل الأكبر (التحلل الثاني) بعد أن حلق أو قصر شعره في التحلل الأول. – يرجع الحاج بعد الطواف والسعي إلى منى ويبقى بها بقية أيام الحج. – يرمي الجمرات الثلاث بالترتيب ابتداءً من الكبرى طيلة أيام الحج تعجل أو تأخر والرمي بعد الزوال. – بعد الرمي يسن له أن يتنحى قليلا ويدعو طويلا مستقبل القبلة رافعا يديه عند الصغرى والوسطى فقط. – طواف الوداع وهو آخر أعمال الحج. – استغلال هذه الأيام في طاعة الله من قراءة القرآن وذكر لله. هذا ما يتعلق بالأعمال التي تكون في اليوم العاشر وأيام التشريق. 9 1 رواه البخاري ومسلم. 2 رواه البيهقي والحاكم، وصححه الألباني في صحيح الترغيب والترهيب. 3 رواه مسلم. 4 رواه الدارمي، وقال الهيثمي: رواه الطبراني في الكبير ورجاله رجال الصحيح. 5 رواه أحمد وأبو داود، وقال الألباني: حسن. أعمال يوم النحر وأيام التشريق. 6 رواه أحمد والنسائي، وقال الألباني: صحيح. 7 رواه النسائي وقال الألباني: صحيح. 8 رواه أحمد، وابن ماجه، والترمذي، وحسنه.
5 - وأما الأضحية والتكبير والذكر فهي مشروعة للحجاج وغيرهم يوم العيد وأيام التشريق بعده ولياليها، وهن من صالح العمل وجليل القرب فإظهار ذلك يوم العيد من إعلان الشعائر وتعظيمها وذلك دلالة على تقوى القلوب لعلام الغيوب. وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
ويشرب من ماء زمزم. ثم يَسْعَى بين الصفا والمروة: وهذا السَّعْي للمتمتِّع فقط؛ فإنه يجب عليه، وأما القارِن والمُفْرِد؛ فإنه إذا كان سَعَى بعد طواف القدوم، فلا يَلْزَمه هذا السعي، وإن كان لم يَسْعَ سَعَى هذا السعي. تنبيهات: (أ) إذا انتهى من طوافه ذاك، فقد حَلَّ له كل شيء، ويسمَّى التحلل الأكبر، فيَحِل له كل شيء حتى النساء. (ب) وله أن يقدِّم أو يؤخِّر أعمال المناسك في هذا اليوم: الأصل أن يرتِّب الحاجُّ أعمال الحج يوم النحر على الترتيب السابق: الرمي، ثم الذبح، ثم الحلق أو التقصير، ثم الطواف، ثم السعي. لكنه يجوز أن يقدِّم بعضها على بعض؛ لما ثبت عن عبدالله بن عمرو - رضي الله عنهما - قال: "سمعتُ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأتاه رجل يوم النحر، وهو واقف عند الجمرة، فقال: يا رسول الله، حلقتُ قبل أن أرمي؟ قال: ((ارمِ ولا حرج))، وأتى آخر فقال: إني أَفَضْتُ إلى البيت قبل أن أرمي؟ قال: ((ارم ولا حرج)). وفي رواية: فما سُئِل يومئذٍ عن شيءٍ إلا قال: ((افعل ولا حرج)) [12]. قال الشيخ ابن عثيمين - رحمه الله -: "وقال بعض المحقِّقين - كابن دقيق العيد وغيره -: إن هذا إنما يكون لمن كان معذورًا؛ لأنه في بعض ألفاظ الحديث: "لم أشعر، فظننت أن كذا قبل كذا"، قال: ((افعل ولا حرج)).