وفي رواية عن قتادة وغيره: بلغنا أن جبريل عليه السلام ، لما أصبح نشر جناحه ، فانتسف به أرضهم بما فيها من قصورها ودوابها وحجارتها وشجرها ، وجميع ما فيها ، فضمها في جناحه ، فحواها وطواها في جوف جناحه ، ثم صعد بها إلى السماء الدنيا ، حتى سمع سكان السماء أصوات الناس والكلاب ، وكانوا أربعة آلاف ألف ، ثم قلبها ، فأرسلها إلى الأرض منكوسة ، ودمدم بعضها على بعض ، فجعل عاليها سافلها ، ثم أتبعها حجارة من سجيل. وقال محمد بن كعب القرظي: كانت قرى قوم لوط خمس قريات: " سدوم " ، وهي العظمى ، و " صعبة " و " صعوة " و " عثرة " و " دوما " ، احتملها جبريل بجناحه ، ثم صعد بها ، حتى إن أهل السماء الدنيا ليسمعون نابحة كلابها ، وأصوات دجاجها ، ثم كفأها على وجهها ، ثم أتبعها الله بالحجارة ، يقول الله تعالى: ( جعلنا عاليها سافلها وأمطرنا عليها حجارة من سجيل) فأهلكها الله وما حولها من المؤتفكات. وقال السدي: لما أصبح قوم لوط ، نزل جبريل فاقتلع الأرض من سبع أرضين ، فحملها حتى بلغ بها السماء ، حتى سمع أهل السماء الدنيا نباح كلابهم ، وأصوات ديوكهم ، ثم قلبها فقتلهم ، فذلك قوله ( والمؤتفكة أهوى) [ النجم: 53] ، ومن لم يمت حين سقط للأرض ، أمطر الله عليه وهو تحت الأرض الحجارة ، ومن كان منهم شاذا في الأرض يتبعهم في القرى ، فكان الرجل يتحدث فيأتيه الحجر فيقتله ، فذلك قوله عز وجل: ( وأمطرنا عليهم) أي: في القرى حجارة من سجيل.
اهـ. 3- ومما يؤكد خطأ (عمرو بن أبي عمرو) في هذا الحديث:أن ابن عباس رضي الله عنهما أفتى بخلافه. فقد قال أبو داود -بعدما خرجه-:"ليس هذا بالقوي"، وخرج بعده (4465) من طريق (شريك وأبي الأحوص وأبي بكر بن عياش) ، عن عاصم [بن بهدلة]، عن أبي رزين ، عن ابن عباس قال: "ليس على الذي يأتي البهيمة حد"، وقال:"حديث عاصم يضعف حديث عمرو بن أبي عمرو". قال الخطابى في "المعالم"(3/296) معلقا على صنيع أبي داود: "يريد أن ابن عباس لو كان عنده في هذا الباب حديث عن النبي صلى الله عليه وسلم لم يخالفه". اهـ. " من وجدتموه يعمل عمل قوم لوط فاقتلوا الفاعل والمفعول به " - هوامير البورصة السعودية. وبهذه العلة أعله الترمذي أيضا، إذ خرج الموقوف (1455) من طريق سفيان الثوري عن عاصم به، وقال:"وهذا أصح من الحديث الأول". وأخرجه –أيضا- عبد الرزاق (13497) عن (الثوري)، وابن أبي شيبة (28503) عن (أبي بكر بن عياش ، وأبي الأحوص)... ثلاثتهم عن عاصم، عن أبي رزين، عن ابن عباس به. وهذا سند حسن. فائدة: والإعلال بمثل هذا –مخالفة الراوي لمرويه- طريقة مسلوكة لدى الحفاظ الكبار من صيارفة الحديث، فقد قال الحافظ ابن رجب في "شرح العلل"(2/888) -وناهيك به جلالة في هذا الفن-: "قاعدة في تضعيف حديث الراوي إذا روى ما يخالف رأيه". وقال:"قد ضعف الإمام أحمد وأكثر الحفاظ أحاديث كثيرة بمثل هذا"... وذكر لها أمثلة فلتراجع هناك.
حديث أبي هريرة: أخرجه البزار -كما في "نصب الراية"(3/345)- من طريق عاصم بن عمر العمري، عن سهيل بن أبي صالح، عن أبيه، عن أبي هريرة مرفوعا: "من عمل عمل قوم لوط فاقتلوا الفاعل والمفعول به". وأخرجه ابن ماجه (2562) من طريق عاصم أيضا، ولفظه:"ارجموا الأعلى والأسفل، ارجموهما جميعا". نقد إسناده: قال البزار:"لا نعلمه يروى من حديث سهيل إلا عن عاصم عنه". من وجدتموه يعمل عمل قوم لوط فاقتلوا الفاعل والمفعول ا. وأشار الترمذي (1456) إلى هذا الحديث، وضعفه بقوله: "في إسناده مقال، ولا نعرف أحدا رواه عن سهيل بن أبي صالح غير عاصم بن عمر العمري ، وعاصم بن عمر يضعف في الحديث من قبل حفظه". قال مقيده: بل هو ضعيف جدا ، فقد قال البخارى:"منكر الحديث"، وتركه النسائي ، وهذا جرح شديد. طريق أخرى لهذا الحديث: وأخرجه الحاكم (8048) من طريق عبد الرحمن بن عبد الله العمري عن سهل عن أبيه عن أبي هريرة _رضي الله عنه_ مرفوعا: "من عمل عمل قوم لوط فارجموا الفاعل و المفعول به". وتعقبه الذهبي بأن عبد الرحمن العمري ساقط. وهو كما قال، وقد ترك أبو زرعة والنسائى والدارقطنى عبد الرحمن العمري هذا ، و وهاه غيرهم ، حتى قال أحمد بن حنبل:"كان كذابا". الخلاصة: جاء الحديث عن ابن عباس و عن أبي هريرة -رضي الله عنهما-.