قال تعالى: { { أَوَمَنْ كَانَ مَيْتاً فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُوراً يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ كَمَنْ مَثَلُهُ فِي الظُّلُمَاتِ لَيْسَ بِخَارِجٍ مِنْهَا}} [الأنعام122]. ولما كان الصدر أوسع من القلب, كان النور الحاصل له يسري منه إلى القلب, لأنه قد حصل لما هو أوسع منه. ولما كانت حياة البدن والجوارح, كلها بحياة القلب, تسري الحياة منه إلى الصدر, ثم إلى الجوارح سأل الحياة له بالربيع الذي هو مادّتها. اللهم إني عبدك، ابن عبدك، ابن أمتك، ناصيتي بيدك، ماض في حكمك، - YouTube. ولما كان الحزن والهم والغم يضاد حياة القلب واستنارته, سأل أن يكون ذهابها بالقرآن, فإنها أحرى ألا تعود, وأما إذا ذهبت بغير القرآن من صحة أو دنيا أو جاه أو زوجة أو ولد, فإنها تعود بذهاب ذلك. والمكروه الوارد على القلب إن كان من أمر ماض أحدث الحزن, وإن كان من مستقبل أحدث الهم, وإن كان من أمر حاضر أحدث الغم, والله أعلم.
ولهذا قال هود لقومه: { إِنِّي تَوَكَّلْتُ عَلَى اللَّهِ رَبِّي وَرَبِّكُمْ مَا مِنْ دَابَّةٍ إِلَّا هُوَ آخِذٌ بِنَاصِيَتِهَا إِنَّ رَبِّي عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ} [هود56]. وقوله:"ماض فيّ حكمك, عدل فيّ قضاؤك"تضمّن هذا الكلام أمرين:أحدهما: مضاء حكمه في عبده. والثاني: يتضمّن حمده وعدله وهو سبحانه له الملك وله الحمد, وهذا معنى قول نبيّه هود:{ { مَا مِنْ دَابَّةٍ إِلَّا هُوَ آخِذٌ بِنَاصِيَتِهَا}}, ثم قال: { { إِنَّ رَبِّي عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ}} أي مع كونه قاهرا مالكا متصرّفا في عباده, نواصيهم بيده فهو على صراط مستقيم. وهو العدل الذي يتصرّف به فيهم فهو على صراط مستقيم في قوله وفعله وقضائه وقدره وأمره ونهيه وثوابه وعقابه. فخبره كله صدق, وقضاؤه كلّه عدل, وأمره كله مصلحة, والذي نهى عنه كله مفسدة, وثوابه لمن يستحق الثواب بفضله, ورحمته وعقابه لمن يستحق له العقاب بعدله وحكمته. وفرق بين الحكم والقضاء, وجعل المضاء للحكم, والعدل للقضاء, فإن حكمه سبحانه يتناول حكمه الديني الشرعي, وحكمه الكوني القدري. والنوعان نافذان في العبد ماضيان فيه, وهو مقهور تحت الحكمين, قد مضيا فيه, ونفذا فيه, شاء أم أبى, لكن الحكم الكوني لا يمكنه مخالفته, أما الديني الشرعي فقد يخالفه.
وعلى الجبريّة الذين يقولون: كل مقدور عدل, فلا يبقى لقوله" عدل فيّ قضاؤك" فائدة, فإن العدل عندهم كل ما يمكن فعله والظلم هو المحال لذاته, فكأنه قال: ماض ونافذ فيّ قضاؤك. وهذا هو الأول بعينه. وقوله " « أسألك بكل اسم » " إلى آخره, توسل إليه بأسمائه كلها ما علم العبد منها وما لم يعلم. وهذه أحب الوسائل إليه, فإنها وسيلة بصفاته وأفعاله التي هي مدلول أسمائه. وقوله: " « أن تجعل القرآن ربيع قلبي ونور صدري » " الربيع: المطر الذي يحيي به الأرض. شبّه القرآن به لحياة القلوب به.