وللمفسرين طرائق كثيرة تزيد على ثَمان لتأويل هذه الآية متعسفة أو مدخولة ، وهي متفاوتة ، وأقربُها قول من جعل جملة أمرنا مترفيها} إلخ صفةً ل { قرية} وجعل جواب ( إذا) محذوفاً. والمترَفُ: اسم مفعول من أترفه إذا أعطاه التُرفةَ. بضم التاء وسكون الراء أي النعمة. والمترفون هم أهل النعمة وسعة العيش ، وهم معظم أهل الشرك بمكة. أمرنا مترفيها ففسقوا فيها تفسير الميزان. وكان معظم المؤمنين يومئذٍ ضعفاء قال الله تعالى: { وذرني والمكذبين أولي النعمة ومهلهم قليلا} [ المزمّل: 11]. وتعليق الأمر بخصوص المترفين مع أن الرسل يخاطبون جميع الناس ، لأن عصيانهم الأمرَ الموجه إليهم هو سبب فسقهم وفسق بقية قومهم إذ هم قادة العامة وزعماء الكفر فالخطاب في الأكثر يتوجه إليهم ، فإذا فسقوا عن الأمر اتبعهم الدهماء فعم الفسق أو غلب على القرية فاستحقت الهلاك. وقرأ الجمهور أمرنا} بهمزة واحدة وتخفيف الميم ، وقرأ يعقوب { آمرنا} بالمد بهمزتين همزة التعدية وهمزة فاء الفعل ، أي جعلناهم آمرين ، أي داعين قومهم إلى الضلالة ، فسكنت الهمزة الثانية فصارت ألفاً تخفيفاً ، أو الألف ألف المفاعلة ، والمفاعلةُ مستعملة في المبالغة ، مثل عافاه الله. والفسق: الخروج عن المقر وعن الطريق.
إعراب الآية 16 من سورة الإسراء - إعراب القرآن الكريم - سورة الإسراء: عدد الآيات 111 - - الصفحة 283 - الجزء 15. إعراب قوله تعالى: وإذا أردنا أن نهلك قرية أمرنا مترفيها ففسقوا فيها فحق عليها القول الآية 16 سورة الإسراء. (وَإِذا) الواو استئنافية وإذا ظرف يتضمن معنى الشرط (أَرَدْنا) ماض وفاعله والجملة مضاف إليه (أَنْ) حرف ناصب (نُهْلِكَ قَرْيَةً) مضارع منصوب ومفعول به وفاعله مستتر والمصدر المؤول مفعول به (أَمَرْنا مُتْرَفِيها) ماض وفاعله ومفعوله والجملة لا محل لها لأنها جواب إذا (فَفَسَقُوا) ماض وفاعله والجملة معطوفة (فِيها) متعلقان بفسقوا (فَحَقَّ عَلَيْهَا الْقَوْلُ) ماض وفاعله والجار والمجرور متعلقان بحق والجملة معطوفة (فَدَمَّرْناها) ماض وفاعله ومفعوله والجملة معطوفة (تَدْمِيراً) مفعول مطلق. هذا تفصيل للحكم المتقدم قُصد به تهديد قادة المشركين وتحميلهم تبعة ضلال الذين أضلوهم. وهو تفريع لتبيين أسباب حلول التعذيب بعد بعثة الرسول أدمج فيه تهديد المضلين. فكان مقتضى الظاهر أن يعطف بالفاء على قوله: { وما كنا معذبين حتى نبعث رسولاً} [ الإسراء: 15] ولكنه عطف بالواو للتنبيه على أنه خبر مقصود لذاته باعتبار ما يتضمنه من التحذير من الوقوع في مثل الحالة الموصوفة ، ويظهر معنى التفريع من طبيعة الكلام ، فالعطف بالواو هنا تخريج على خلاف مقتضى الظاهر في الفصل والوصل.
قال الشيخ محمد الأمين الشنقيطي – رحمه الله -: قوله تعالى: ( وَإِذَا أَرَدْنَا أَن نُّهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا فَفَسَقُواْ فِيهَا فَحَقَّ عَلَيْهَا الْقَوْلُ فَدَمَّرْنَاهَا تَدْمِيرًا). في معنى قوله ( أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا) في هذه الآية الكريمة ثلاثة مذاهب معروفة عند علماء التفسير: الأول: وهو الصواب الذي يشهد له القرآن ، وعليه جمهور العلماء أن الأمر في قوله ( أَمْرُنَا) هو الأمر الذي هو ضد النهي ، وأن متعلق الأمر محذوف لظهوره. والمعنى: ( أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا) بطاعة الله وتوحيده ، وتصديق رسله وأتباعهم فيما جاؤوا به ( فَفَسَقُواْ) أي: خرجوا عن طاعة أمر ربهم ، وعصوه وكذبوا رسله. ( فَحَقَّ عَلَيْهَا الْقَوْلُ) أي: وجب عليها الوعيد ( فَدَمَّرْنَاهَا تَدْمِيرًا) أي: أهلكناها إهلاكاً مستأصلاً ، وأكد فعل التدمير بمصدره للمبالغة في شدة الهلاك الواقع بهم. وهذا القول الذي هو الحق في هذه الآية تشهد له آيات كثيرة ، كقوله: ( وَإِذَا فَعَلُواْ فَاحِشَةً قَالُواْ وَجَدْنَا عَلَيْهَا آبَاءَنَا وَاللَّهُ أَمَرَنَا بِهَا قُلْ إِنَّ اللَّهَ لاَ يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاءِ... ). فتصريحه جل وعلا بأنه لا يأمر بالفحشاء دليل واضح على أن قوله ( أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا فَفَسَقُواْ) أي: أمرناهم بالطاعة فعصوا ، وليس المعنى أمرناهم بالفسق ففسقوا ؛ لأن الله لا يأمر بالفحشاء.