[83] ﴿وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا﴾ من أعظم الحقوق في هذه الدنيا: حق الوالدين، فالإحسان إليهما يعني الجنة بفضل الله ورحمته، فهنيئًا هنيئًا لمن أدرك والديه، وأحسن برَّهما. [83] ﴿وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَذِي الْقُرْبَىٰ وَالْيَتَامَىٰ وَالْمَسَاكِينِ وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْنًا﴾ ناسب أن يأمرهم بأن يقولوا للناس حسنًا بعد ما أمرهم بالإحسان إليهم بالفعل؛ فجمع بين طرفي الإحسان الفعلي والقولي. [83] ﴿وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْنًا﴾ تأمل (لِلنَّاسِ) كل الناس حتى اليهود والنصارى، فالأقربون أولى بالمعروف. [83] ﴿وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْنًا﴾ حتى اليهود والنصارى! قال ابن عباس: «لو قال لي فرعون خيرًا لرَددت عليه مثله». [83] ﴿وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْنًا﴾ أولى الناس بهذه الآية هم: الوالدان والزوجة والأولاد. [83] ﴿وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْنًا﴾ رشاقة التعبير ولطف تبليغ المشاعر ورهافة الحس في الحوار ثروة شخصية جاذبة. وقفة سريعة مع آية بديعة - ملتقى الخطباء. [83] ﴿وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْنًا﴾ الكلام الطيب والمنطق الحسن يُنبت المودة ويغرس المحبة ويديم الألفة. [83] ﴿وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْنًا﴾ الكلمة الطيبة تزرع لك القبول، وتطيِّب بها قلوب من حولك، ويعلو بها قدرك، ويزيد بها أجرك.
قال تعالى: ((إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا))[الأحزاب:33]. التوجيه يخص نساء النبي عليه الصلاة والسلام، وهو يشمل في ذات الوقت سائر نساء الأمة، وإنما خصهن الله تعالى بالخطاب؛ لعظمة مكانتهن، ومحلهن من رسول الله، ولأنهن يمثلن القدوة والمثل الأعلى لكل المؤمنات على مر الدهور والعصور، وعلى اختلاف الأمكنة. وتخصيصهن جاء ليبين عظم الواجب والتبعة الملقاة عليهن، وكذلك لأنّ الثواب مضاعفٌ بالنسبة لهن، كما كان العقاب مضاعفاً أيضاً. بيّن الله سبحانه لأمهات المؤمنين اختصاصهن بما ليس لغيرهن من النساء، وهو يقرر واجباتهن في معاملة الناس، وفي عبادة الله، وفي بيوتهن، ويحدثهن عن رعاية الله الخاصة لهذا البيت الكريم، وحياطته وصيانته من الرجس، وما يتلى في تلك البيوت من آيات الله والحكمة، مما يلقي عليهن تبعات خاصة، ويفردهن من بين سائر النساء. ففي حال التقوى فلهن الأجر مرتين، وفي حال المعصية بإتيان الفاحشة المبينة يضاعف لهن العذاب ضعفين، ولا تشفع لهن قرابتهن من رسول الله صلى الله عليه وسلم. وبعد أن بيّن الله لهن منزلتهن التي ينلنها بـ (حقها) وهو التقوى، يأخذ في بيان الوسائل التي يريد الله أن يذهب بها الرجس عن أهل البيت ويطهرهم بها.. ومن هذه الوسائل: عدم الخضوع بالقول: ((فَلا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ))[الأحزاب:32]، وذلك منعاً للأسباب المثيرة لأصحاب القلوب المريضة.
أمَّا مع الكفَّار من اليهود والنَّصارى وسائِر الكفَّار والمنافقين، فهو يستعْلي بإيمانه عليْهِم، يعلم أنَّ هؤلاء وإن كانوا قد حصَّلوا جانبًا من جوانب العلوِّ الدُّنيوي؛ لكنَّهم أذلَّة في الحقيقة بسبب كُفْرِهم، فهو يعتزُّ بنفسِه، ليس من باب التِّيه والغرور؛ بل امتثالاً لحُكْم ربِّه بيْنَه وبيْن أعدائه من الكفَّار؛ ﴿ وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَلَكِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَا يَعْلَمُونَ ﴾ [المنافقون: 8]. فالله - عزَّ وجلَّ - ورسولُه أحبُّ إليْهِ ممَّا سواهُما حقيقةً لا ادِّعاءً، ويصدِّق هذا الحبَّ الحقيقي تقديمُ مرْضاة الله ورسولِه على ما سواهُما من العباد، من قريبٍ وبعيد، قد سلمتْ عبوديَّته من غير الله؛ فعنِ العبَّاس بن عبد المطَّلب: أنَّه سمِع رسول الله - صلَّى الله عليْه وسلَّم - يقول: ((ذاق طعْمَ الإيمان مَن رضِي بالله ربًّا وبالإسلام دينًا وبمحمَّد رسولاً))؛ رواه مسلم (34). فلذا ذاق طعْم العبادات وأنِس بها، فهو في جنَّة معجَّلة في الدُّنيا وله الجنَّة في الآخِرة، فهو في نعيمٍ في الدُّنْيا والآخرة؛ فعَنْ أبي سعيدٍ الخُدْريِّ: أنَّ رسولَ الله - صلَّى الله عليْه وسلَّم - قال: ((يا أبا سعيد، مَن رضِي بالله ربًّا وبالإسلام دينًا وبمحمَّد نبيًّا، وجبتْ له الجنَّة))؛ رواه مسلم (1884).
اقرأ أيضاً أنواع الأموال الربوية أنواع الربا فوائد من سورة النصر سور النصر سورة مدنية، نزلت في السنة التاسعة من الهجرة، وقد امتنّ الله بها على نبيه بفتح مكة، واحتوت على العديد من العِبر والفوائد، وسيتمّ ذكر أهمّ فوائد سورة النصر فيما يأتي: صدق وعد الله تعالى لنبيه حيث وعده يوم الحديبية بفتح مكة، [١] يقول تعالى: (إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحًا مُّبِينًا) ، [٢] وقد تحقق هذا الوعد وحصل الفتح وجاء النصر، فأنزل الله هذه السورة ممتناً بها على نبيه بتحقيق الوعد. شكر الله -تعالى- وتسبيحه عند حصول النعم وأعظم هذه النعم نعمة النصر على العدو والفتح المبين، وقد كان دأب النبي -صلى الله عليه وسلم- بعد نزول هذه السورة كثرة حمد الله وتسبيحه، [٣] وقد كان هذا الفعل من النبي -صلى الله عليه وسلم- امتثالاً لأمر الله -تعالى-. التواضع والاستغفار على ما كان من التقصير ونسبة الفضل إلى الله -تعالى- بعد أن امتن الله -تعالى- على رسوله -صلى الله عليه وسلم- وعلى المؤمنين بفتح مكة ونصرهم يوم حنين، أمرهم بالاستغفار، فقال -تعالى-: (فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ واسْتَغْفِرْه) ، [٤] والاستغفار هو علامة التواضع مع الله -تعالى-، وقد ضرب النبي -صلى الله عليه وسلم- أروع الأمثلة في التواضع عند فتح مكة.
بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد: بسم الله الرحمن الرحيم: ﴿ إِذا جاءَ نَصرُ اللَّهِ وَالفَتحُ وَرَأَيتَ النّاسَ يَدخُلونَ في دينِ اللَّهِ أَفواجًا فَسَبِّح بِحَمدِ رَبِّكَ وَاستَغفِرهُ إِنَّهُ كانَ تَوّابًا ﴾ - هي سورة النعي النبوي! كما ثبت في البخاري: "ﻋﻦ اﺑﻦ ﻋﺒﺎﺱ ﻗﺎﻝ: ﻛﺎﻥ ﻋﻤﺮ ﻳﺪﺧﻠﻨﻲ ﻣﻊ ﺃﺷﻴﺎﺥ ﺑﺪﺭ ﻓﻜﺄﻥ ﺑﻌﻀﻬﻢ ﻭﺟﺪ ﻓﻲ ﻧﻔﺴﻪ، ﻓﻘﺎﻝ: ﻟﻢ ﺗﺪﺧﻞ ﻫﺬا ﻣﻌﻨﺎ ﻭﻟﻨﺎ ﺃﺑﻨﺎء ﻣﺜﻠﻪ! ﻓﻘﺎﻝ ﻋﻤﺮ: ﺇﻧﻪ ﻣﻦ ﻗﺪ ﻋﻠﻤﺘﻢ! ﻓﺪﻋﺎﻩ ﺫاﺕ ﻳﻮﻡ ﻓﺄﺩﺧﻠﻪ ﻣﻌﻬﻢ، ﻓﻤﺎ رأيت ﺃﻧﻪ ﺩﻋﺎﻧﻲ ﻳﻮﻣﺌﺬ ﺇﻻ ﻟﻴﺮﻳﻬﻢ.. ﻗﺎﻝ: ﻣﺎ ﺗﻘﻮﻟﻮﻥ ﻓﻲ ﻗﻮﻝ اﻟﻠﻪ ﺗﻌﺎﻟﻰ: "ﺇﺫا ﺟﺎء ﻧﺼﺮ اﻟﻠﻪ ﻭاﻟﻔﺘﺢ "؟ ﻓﻘﺎﻝ ﺑﻌﻀﻬﻢ: ﺃﻣﺮﻧﺎ ﺃﻥ ﻧﺤﻤﺪ اﻟﻠﻪ ﻭﻧﺴﺘﻐﻔﺮﻩ ﺇﺫا ﻧﺼﺮﻧﺎ، ﻭﻓﺘﺢ ﻋﻠﻴﻨﺎ.. ﻭﺳﻜﺖ ﺑﻌﻀﻬﻢ ﻓﻠﻢ ﻳﻘﻞ ﺷﻴﺌﺎً.. ﻓﻘﺎﻝ ﻟﻲ: ﺃﻛﺬاﻙ ﺗﻘﻮﻝ ﻳﺎ اﺑﻦ ﻋﺒﺎﺱ؟ ﻓﻘﻠﺖ: ﻻ! ﻗﺎﻝ: ﻓﻤﺎ ﺗﻘﻮﻝ؟ ﻗﻠﺖ: "ﻫﻮ ﺃﺟﻞ ﺭﺳﻮﻝ اﻟﻠﻪ ﷺ ﺃﻋﻠﻤﻪ له.. ﻗﺎﻝ: " ﺇﺫا ﺟﺎء ﻧﺼﺮ اﻟﻠﻪ ﻭاﻟﻔﺘﺢ " ﻭﺫﻟﻚ ﻋﻼﻣﺔ ﺃﺟﻠﻚ: " ﻓﺴﺒﺢ ﺑﺤﻤﺪ ﺭﺑﻚ ﻭاﺳﺘﻐﻔﺮﻩ ﺇﻧﻪ ﻛﺎﻥ ﺗﻮاﺑﺎ " ﻓﻘﺎﻝ ﻋﻤﺮ: "ﻣﺎ ﺃﻋﻠﻢ ﻣﻨﻬﺎ ﺇﻻ ﻣﺎ ﺗﻘﻮﻝ " وانظر هنا فإنك لن ترى في سياق السورة ما يصرح بنعي النبي ﷺ ، ولكن عمر وابن عباس أخذا هذا المعنى من فهم تصرفات النصوص الشرعية ومعهوداتها؛ حيث اطّرد الأمر بالاستغفار في ختام العمل.. - فلقد أُمرنا بالاستغفار عقب الصلاة وفي ختامها؛ كما ثبت في مسلم عن ثوبان وعائشة: (أن النبي ﷺ إذا سلم من الصلاة استغفر ثلاثاً).
فنقول: سبحانك اللهم ربنا وبحمدك، اللهم اغفر لنا ذنوبنا، وإسرافنا في أمرنا، وثبت أقدامنا، وانصرنا على القوم الكافرين. نقلاً من كتاب " تفسير جزء عم " للشيخ محمد بن صالح العثيمين " رحمه الله توقيع: nour aliman