وحفظَ لخديجةَ مواقفها العظيمة وبذلَها السخيّ وعقلَها الراجِح، فكان يذكرها بالخير بعد وفاتها ويصِل أقرباءها ويُحسِن إلى صديقاتها. وأمر بسدِّ كل خَوخةٍ -أي: باب- من البيت يُفتَح على المسجد النبوي سوى باب أبي بكرٍ -رضي الله عنه- وفاءً له. عباد الله: ومع عِظَم أعباء ما أُوكِل إليه من الرسالة كان جميلَ المعشَر مع أهله مُتلطِّفًا معهم، فإذا دخل بيتَه يكون في مهنتهم، وإذا حضرَت الصلاة خرج إلى الصلاة. رقيقٌ مع أولاده وأحفاده مُكرمٌ لهم، إذا دخلت ابنتُه فاطمةُ يقوم لها ويأخذ بيدها ويُجلِسُها في مكانه الذي كان يجلسُ فيه. أخلاق النبي صلى الله عليه وسلم - الكلم الطيب. وكان يضعُ الحسنَ على عاتقه فيقول: " اللهم إني أُحبُّه فأحِبَّه "(متفق عليه). وخرج على صحابته وبنتُ ابنته أمامةُ على عاتقه، فصلَّى بها فإذا ركع وضعها، وإذا رفع رفعها (متفق عليه). وصف عثمانُ -رضي الله عنه- معاملتَه لصحابته فقال: صحِبنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في السفر والحضَر، وكان يعودُ مرضانا، ويتبَعُ جنائزنَا، ويغزو معنا، ويُواسينا بالقليل والكثير (رواه أحمد). عباد الله: ليس الفقر والمرض والضعف وكثرة المشاكل مبررًا لسوء الأخلاق، فلقد ذاقَ النبي -صلى الله عليه وسلم- من الحياةِ مُرَّها ولأواءها؛ وربطَ على بطنه الحجرَ من الجوع؛ قال عمر -رضي الله عنه-: لقد رأيتُ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يظلُّ اليومَ يتلوَّى، ما يجدُ من الدَّقَل -أي: التمر الرديء- ما يملأ به بطنَه (رواه مسلم).
أخلاق الرسول مع أعدائه كما كانت أخلاق رسول الله صلى الله عليه وسلم عظمة في بيته، وفي تعامله مع غير المسلمين في مجتمعه، بل وتميز أيضًا صلى الله عليه وسلم بمعامله أعدائه ومبغضيه بكل رفق وأناة، وقد شهد بحسن خلقه أبو سفيان بن حرب قبل أن يُسلم وهو زعيم المشركين، فقال عند إسلامه: "والله إنك لكريم، ولقد حاربتك فنعم محاربي كنت، ثم سالمتك فنعم المسالم أنت، فجزاك الله خيرًا" [12].
هذا هو رسولنا صلى الله عليه وسلم الذي نفخر به، وتفخر معنا البشريَّة كلها؛ فقد كان حقًّا خُلُقه القرآن. د. راغب السرجاني [1] الحاكم عن أبي هريرة (4221)، وقال: صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه. ووافقه الذهبي، والبيهقي في سننه الكبرى (20571)، وقال الألباني: صحيح. انظر: السلسلة الصحيحة (45). [2] انظر: شهاب الدين الألوسي: روح المعاني في تفسير القرآن العظيم والسبع المثاني 29/25. بتصرف. [3] الجُلَنْدَى: مَلِكُ عُمان بعث إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم عمرو بن العاص يدعوه إلى الإسلام، انظر: ابن حجر العسقلاني: الإصابة 1/538 ترجمة رقم (1298). اخلاق الرسول صلي الله عليه وسلم عيدا . [4] القاضي عياض: الشفا 1/248. [5] محمد الصادق عرجون: محمد رسول الله 1/211، 212. [6] زغريد هونكه: شمس العرب تسطع على الغرب ص465. [7] مسلم: كتاب صلاة المسافرين وقصرها، باب جامع صلاة الليل... (746)، وأبو داود (1342)، والنسائي (1601)، وأحمد (24645). [8] الحاكم (3481) وقال: هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه. ووافقه الذهبي. [9] أُفِكَ قوم كَذَّبوك: أي صُرِفوا عن الحق ومُنعوا منه. انظر: ابن الأثير: النهاية في غريب الحديث والأثر 1/136، وابن منظور: لسان العرب، مادَّة أفك 10/390.
تواضع.. ولا تتكبّر من أخلاق الإسلام التي يجب أن تتحلى بها هي أخلاق التواضع وعدم التكبّر على الخلق، حيث قال الله تعالى: واخفض جناحك لمن تبعك من المؤمنين، ولقد جعل الله خلق التواضع سبباً من ضمن أسباب دخول جنات النعيم، حيث اوحى إلى رسوله الكريم أنه من تكبّر على خلق الله ولو كان في قلبه ذرة من هذا الكبر دخل النار والعياذ بالله، لذلك أراد الله تعالى عباده المؤمنين دائماً يسعون إلى التواضع وخفض الجناح للمؤمنين والمسلمين. 10 من أهم أخلاق الإسلام .. هيا بنا نقتدي بأخلاق رسول الله. الإحسان إلى الناس دائماً نجد في آيات الله الحديث عن الإحسان إما في العبادة وإما أن يكون هذا الإحسان في التعامل بين البشر وبعضهم البعض، لذلك فإن الإسلام أرسى قاعدة الإحسان وقاعدة ان نتعامل مع بعضها البعض بالحسنى وعدم العنف في اللفظ والفعل وبالتالي يسود السلام والوئام بين فئات المجتمع وبعضها البعض وهي الغاية من الإحسان ومن الخلق الإسلامي القويم في النهاية. اصبر على ما أصابك إن آيات الصبر عديدة في القرآن الكريم، ويكاد هذا الخلق وهو خلق الصبر من اكثر الأخلاق التي ذكرها الله تعالى في صفات المؤمنين به، وهي الصبر على الأذى والصبر على الطاعة والصبر في انتظار الخير والصبر في المعارك من أجل الثبات، لذلك فإن الصبر خلق يؤسس الإيمان والإسلام ودائماً وأبداً نجد ثوابه الجنة حيث قال الله تعالى: "إنما يوفى الصابرون أجرهم بغير حساب"، وهذا إن دلّ فهو يدل أن الله تعالى أعد للصابرين اجراً لا يتخيلوه في الآخرة.
وكان القرآن الكريم هو المنبع الرئيس الذي استمدَّ منه رسول الله محمد صلى الله عليه وسلم أخلاقه، فأضفى على كماله الخلقي كمالاً، وعلى جميل أدبه جمالاً، وذلك بتوجيهه لكلِّ خير، وإرشاده لكلِّ معروف، حتى أصبح صلى الله عليه وسلم كأنه قرآنًا يمشي على الأرض في أفعاله وأقواله؛ لذلك قالت أم المؤمنين عائشة -رضي الله عنها- عندما سألها سعد بن هشام بن عامر عن خُلُق رسول الله صلى الله عليه وسلم: ألستَ تقرأ القرآن؟ قلتُ: بلى. قالت: فإنَّ خُلق نبيِّ الله صلى الله عليه وسلم كان القرآن [7]. وفي رواية أخرى قالت عائشة -رضي الله عنها-: "كان خلق رسول الله القرآن. ثم قالت: تقرأ سورة المؤمنين اقرأ: {قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ} [لمؤمنون: 1]. اخلاق الرسول صلي الله عليه وسلم للمريض. حتى بلغ العشر، فقالت: هكذا كان خلق رسول الله [8]. فما أدقّ وصف أُمِّ المؤمنين عائشة -رضي الله عنها- لأخلاق النبي صلى الله عليه وسلم.