بيــان: يحتمل أن يكون المراد بالبيوت في الآية البيوت المعنوية فإنه شائع بين العرب والعجم التعبير عن الأنساب الكريمة والأحساب الشريفة بالبيوت، وأن يكون المراد بها البيوت الصورية كبيوتهم (عليهم السلام) في حياتهم وروضاتهم المنورة بعد وفاتهم، والمراد بالرجال إما الأئمة (عليهم السلام) أو خواص شيعتهم أو الأعم. قال الطبرسي رحمه الله ﴿فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَن تُرْفَعَ﴾: معناه هذه المشكاة في بيوت هذه صفتها وهي المساجد، في قول ابن عباس وغيره، ويعضده قول النبي (صلى الله عليه وآله): "المساجد بيوت الله في الأرض وهي تضئ لأهل السماء كما تضئ النجوم لأهل الأرض ".
وعبر بالإذن دون الأمر لأن الله لم يأمرهم باتخاذ الأديرة في أصل النصرانية ولكنهم أحدثوها للعون على الانقطاع للعبادة باجتهاد منهم ، فلم ينههم الله عن ذلك إذ لا يوجد في أصل الدين ما يقتضي النهي عنها فكانت في قسم المباح ، فلما انضم إلى إباحة اتخاذها نية العون على العبادة صارت مرضية لله تعالى. وهذا كقوله تعالى: { ورهبانيةً ابتدعوها ما كتبناها عليهم إلا ابتغاء رضوان الله} [ الحديد: 27]. وقد كان اجتهاد أحبار الدين في النصرانية وإلهامُهم دلائل تشريع لهم كما تقتضيه نصوص من الإنجيل. في بيوت اذن الله ان ترفع قصة. والمقصد من ذكر هذا على هذه الوجوه زيادة إيضاح المشبه به كقول النبي صلى الله عليه وسلم في صفة جهنم: " فإذا لها كلاليبُ مثلُ حَسَك السَّعدان هل رأيتم حسك السَّعْدان؟ ". وفيه مع ذلك تحسين المشبه به ليسري ذلك إلى تحسين المشبه كما في قول كعب بن زهير: شجت بذي شبَم من ماء محنيَةِ... صاففٍ بأبطح أضحى وهو مشمول تنفي الرياح القذى عنه وأفرطه... من صوب سارية بيضٌ يعاليل لأن ما ذكر من وصف البيوت وما يجري فيها مما يكسبها حسناً في نفوس المؤمنين. وتخصيص التسبيح بالرجال لأن الرهبان كانوا رجالاً. قراءة سورة النور
ومن هذه البيوت التي كانت تتوارث العلم والأدب والأخلاق والتقوى والزهد والفضائل.. غابراً عن غابر ولاحقاً عن سابق.. يتوارثونها حتى تصل إلى معدنها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ومنه إلى الله جل جلاله فقد وصف رسوله الكريم بأنه: {مَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى (3) إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى (4) عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوَى}. (النجم:3-5) فهو بيت الإمام الجواد عليه السلام. وهذه الوراثة ربانية ودينية بالمقام الأول قبل أي شيء.. فإن الدين هو علة وجود الدنيا وهو غاية خلق الخلق. الإمام محمد بن علي الجواد عليه السلام هو وارث هذه الخصال الحميدة وهذه التعاليم الرفيعة.. وبيته من البيوت التي وصفها ربنا عزّ وجل بأوصاف رائعة في أكثر من محل في كتابه الكريم. فما عساه أن يعطي أبناءه.. في بيوت أذن الله أن ترفع ويذكر فيها اسمه - ملتقى الخطباء. ؟ وكيف له أن يربيهم وينشأهم.. ؟ فالإمام علي الهادي عليه السلام ولد في بيت الإمامة وأبوه إمام الخلق أجمعين منذ أن كان في السابعة من عمره الشريف.. وهو الذي سلب الشرعية من العباسيين وعلى رأسهم طاغيتهم عبد الله المأمون.. ذاك الذي كان يجمع العلماء والفقهاء وأصحاب الفلسفة والكلام في مجلسه ويرسل إلى الإمام أبي جعفر الجواد عليه السلام ليمتحنه ويختبر علمه على رؤوس الأشهاد وأمام الأعيان والقوّاد حتى يكسر من شأنه وينزل من منزلته – على حسب ظنه الواهي – ولكن هيهات.. ، فقد كانت تنتهي تلك المجالس والإمام عليه السلام متفوق على جميعهم، مما يسبب اعترافهم بهذا الفضل والتفوق الإلهي.