إذن هي للجنس والجنس أكثر من الجمع أحياناً. نعمة أكثر من نِعَم وأنعم. مثال: نقول: لا رجل في الدار، لا رجلين في الدار، (لا رجل) نفيت كل الجنس أي لا واحد ولا اثنين ولا أكثر، لكن لما تقول لا رجلين في الدار فأنت تنفي العدد فقط يمكن أن يكون هناك واحد أو ثلاثة، لا رجال في الدار قد يكون هناك واحد أو اثنين. (لا رجل) تعني لا واحد ولا اثنين ولا أكثر. الجنس يجمع وهو أعم وأشمل. هذا احتمال. رب العالمين في القرآن يذكر الجنة ويذكر فيها الفاكهة يقول (فاكهة) ويذكر الدنيا ويقول (فواكه) فاكهة مفرد وفواكه جمع. فإذن إذا أريد الجنس يستعمل المفرد لأنه أعم وأشمل. النُحاة يضربون مثلاً نحن نعدّله نقول الرجل أقوى من المرأة الرجل لا يقصد به رجل بعينه وإنما الجنس. الوجه الآخر أن النعمة الواحدة لا تُعدّ. لو جئت أن تعد نعمة الأكل إحصِ من خلق المادة الأولى وكيف كانت مزروعة ؟ومن زرعها ومن حصدها ومن طحنها وكم من الأيادي بعد الخلق الأول عملت بها إلى أن جاءت عندك؟ ثم لما هُيأت لك كيف تأكلها؟ بالأسنان والمعدة والعصارات الهاضمة، هذه نعم لا تحصى. الإحصاء هو العدّ. وإن تعدوا نعمة الله لا تحصوها. مفردات النعمة الواحدة لا تُعدّ ومن الصعب أن تعدها. نعمة البصر أخبرنا الرسول لما بكى الرجل العابد فقال تعالى أدخلوه الجنة برحمتي قال بل بعملي قال تعالى برحمتي قال بل بعملي فقال تعالى زنوا له نعمة البصر فوضعوها في كفة وسائر أعمال الرجل في كفة فرجحت كفة نعمة البصر فقال الرجل لا بل برحمتك.
وقد تكرَّرت هذه الآيةُ المعجِزةُ في سورتي إبراهيمَ والنَّحلَ.. ففي الأولى: إشارةٌ أنَّ من لا يَشْكُرِ اللهَ على نِعمٍ لا يمكنُ إحصاؤها فهو ظلومٌ كفَّار.. وفي الأخرى: أنَّهُ تعالى أنْعمَ بتلك النِعَمِ (حتى على من لا يَشْكُرُهَا) لأنَّهُ غفورٌ رحِيم.. فالحمدُ للهِ على نِعَمهِ كُلِّهَا، أولِهَا وآخِرهَا، ظَاهِرهَا وباطِنِها، ما عَلِمنَا مِنهَا وما لم نَعلَم..
إليكم فيما يلي عِدة أمثال لأشياء؛ الكثير مِنَّا يُعِدَّها من النقم، لأننا نَنظر تحت أرجلنا وفي لحظتنا الحاضرة... أما لو نظرنا نظرة فوقية حكيمة لوجدنا معظم ما نَعِدَّه مُضِرًّا هو يُقدِّم لنا نفعًا أكبر من ضرره ولو غاب عَنَّا لافتقدناه كثيرًا. الأمثلة على سبيل المثال لا الحصر: أ- نعمة المرض. تخيَّلوا معي لو غابت عن الدنيا الأمراض ماذا سيحدث؟ خير أم شر؟! سيقل معدل الوفيات بشدة مما سيؤدي إلى تزاحم الأرض بأعدادٍ هائلة من السكان، ومع محدودية الموارد الطبيعية المكتَشفة سيؤدي ذلك إلى زيادة معدَّل الحروب والصراعات على مصادر الثروات -وأهمهما الهواء والماء! - وسيؤدي ذلك إلى زيادة معدلات القتل وسفك الدماء والجور والظلم أضعافًا مضاعفة ما نحن فيه الآن...! ب- نعمة الضوضاء والشوشرة. إن الديناميكا الحرارية تُخبِرنا أن انتهاء الشوشرة الإلكترونية والتي تُزعِج نظم الاتصالات إزعاجًا كبيرًا؛ حتى أن مهندسي الإلكترونيات والاتصالات يتمنون لو تزول عنهم هذه الشوشرة. وإن تعدوا نعمة ه. ولو بحثنا في إمكانية ذلك لوجدنا أنه لا بد من تواجد أحد شرطين أساسين لنيل هذه النعمة. أولهما: أن تنخفِض درجة حرارة الوسط الذي نعيش فيه إلى صفر كلفن!