رواه ابن جرير. وقال قتادة: ( وخر موسى صعقا) قال: ميتا. وقال سفيان الثوري: ساخ الجبل في الأرض ، حتى وقع في البحر فهو يذهب معه وقال سنيد ، عن حجاج بن محمد الأعور ، عن أبي بكر الهذلي: ( فلما تجلى ربه للجبل جعله دكا) انقعر فدخل تحت الأرض ، فلا يظهر إلى يوم القيامة. وجاء في بعض الأخبار أنه ساخ في الأرض ، فهو يهوي فيها إلى يوم القيامة ، رواه ابن مردويه. وقال ابن أبي حاتم: حدثنا عمر بن شبة ، حدثنا محمد بن يحيى أبو غسان الكناني ، حدثنا عبد العزيز بن عمران ، عن معاوية بن عبد الله ، عن الجلد بن أيوب ، عن معاوية بن قرة ، عن أنس بن مالك; أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " لما تجلى الله للجبال طارت لعظمته ستة أجبل ، فوقعت ثلاثة بالمدينة وثلاثة بمكة ، بالمدينة: أحد ، وورقان ، ورضوى. ووقع بمكة: حراء ، وثبير ، وثور ". وهذا حديث غريب ، بل منكر وقال ابن أبي حاتم: ذكر عن محمد بن عبد الله بن أبي الثلج ، حدثنا الهيثم بن خارجة ، حدثنا عثمان بن حصين بن علاق ، عن عروة بن رويم قال: كانت الجبال قبل أن يتجلى الله لموسى على الطور صما ملسا ، فلما تجلى الله لموسى على الطور دك وتفطرت الجبال فصارت الشقوق والكهوف. المحتوى القرآني - بسم الله الرحمن الرحيم خر موسى صعقاً قال.... وقال الربيع بن أنس: ( فلما تجلى ربه للجبل جعله دكا وخر موسى صعقا) وذلك أن الجبل حين كشف الغطاء ورأى النور ، صار مثل دك من الدكاك.
وقد يكون ذلك إذا جاء الرب تبارك وتعالى لفصل القضاء ، وتجلى للخلائق الملك الديان ، كما صعق موسى من تجلي الرب ، عز وجل ، ولهذا قال ، عليه السلام: " فلا أدري أفاق قبلي أم جوزي بصعقة الطور " ؟ وقد روى القاضي عياض في أوائل كتابه " الشفاء " بسنده عن محمد بن محمد بن مرزوق: حدثنا قتادة ، حدثنا الحسن ، عن قتادة ، عن يحيى بن وثاب ، عن أبي هريرة ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " لما تجلى الله لموسى ، عليه السلام ، كان يبصر النملة على الصفا في الليلة الظلماء ، مسيرة عشرة فراسخ " ثم قال: " ولا يبعد على هذا أن يختص نبيا بما ذكرناه من هذا الباب ، بعد الإسراء والحظوة بما رأى من آيات ربه الكبرى. انتهى ما قاله ، وكأنه صحح هذا الحديث ، وفي صحته نظر ، ولا يخلو رجال إسناده من مجاهيل لا يعرفون ، ومثل هذا إنما يقبل من رواية العدل الضابط عن مثله ، حتى ينتهي إلى منتهاه ، والله أعلم.
وقيل: قاله على جهة الإنابة إلى الله والخشوع له عند ظهور الآيات. وأجمعت الأمة على أن هذه التوبة ما كانت عن معصية; فإن الأنبياء معصومون. وأيضا عند أهل السنة والجماعة الرؤية جائزة. وعند المبتدعة سأل لأجل القوم ليبين لهم أنها غير جائزة ، وهذا لا يقتضي التوبة. فقيل: أي تبت إليك من قتل القبطي; ذكره القشيري. وقد مضى في " الأنعام " بيان أن الرؤية جائزة. قال علي بن مهدي الطبري: لو كان سؤال موسى مستحيلا ما أقدم عليه مع معرفته بالله; كما لم يجز أن يقول له يا رب ألك صاحبة وولد. وسيأتي في " القيامة " مذهب المعتزلة والرد عليهم ، إن شاء الله تعالى. قوله تعالى وأنا أول المؤمنين قيل: من قومي. وقيل: من بني إسرائيل في هذا العصر. وقيل: بأنك لا ترى في الدنيا لوعدك السابق ، في ذلك. وفي الحديث الصحيح من حديث أبي هريرة وغيره أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: لا تخيروا بين الأنبياء فإن الناس يصعقون يوم القيامة فأرفع رأسي فإذا أنا بموسى آخذ بقائمة من قوائم العرش فلا أدري أصعق فيمن صعق فأفاق قبلي أو حوسب بصعقته الأولى. أو قال كفته صعقته الأولى. وذكر أبو بكر بن أبي شيبة عن كعب قال: إن الله تبارك وتعالى قسم كلامه ورؤيته بين محمد وموسى صلى الله وسلم عليهما; فكلمه موسى مرتين ، ورآه محمد صلى الله عليه وسلم مرتين.
وكذا قال أبو العالية: قد كان قبله مؤمنون ، ولكن يقول: أنا أول من آمن بك أنه لا يراك أحد من خلقك إلى يوم القيامة. وهذا قول حسن له اتجاه. وقد ذكر محمد بن جرير في تفسيره هاهنا أثرا طويلا فيه غرائب وعجائب ، عن محمد بن إسحاق بن يسار رحمه الله وكأنه تلقاه من الإسرائيليات والله تعالى أعلم. وقوله: ( وخر موسى صعقا) فيه أبو سعيد وأبو هريرة ، عن النبي صلى الله عليه وسلم فأما حديث أبي سعيد ، فأسنده البخاري في صحيحه هاهنا ، فقال: حدثنا محمد بن يوسف ، حدثنا سفيان ، عن عمرو بن يحيى المازني ، عن أبيه ، عن أبي سعيد الخدري ، رضي الله عنه ، قال: جاء رجل من اليهود إلى النبي صلى الله عليه وسلم قد لطم وجهه ، فقال: يا محمد ، إن رجلا من أصحابك من الأنصار لطم وجهي. قال: " ادعوه " فدعوه ، قال: " لم لطمت وجهه ؟ " قال: يا رسول الله ، إني مررت باليهودي فسمعته يقول: والذي اصطفى موسى على البشر. قال: قلت: وعلى محمد ؟ فأخذتني غضبة فلطمته ، قال: " لا تخيروني من بين الأنبياء ، فإن الناس يصعقون يوم القيامة ، فأكون أول من يفيق ، فإذا أنا بموسى آخذ بقائمة من قوائم العرش ، فلا أدري أفاق قبلي أم جوزي بصعقة الطور ". وقد رواه البخاري في أماكن كثيرة من صحيحه ، ومسلم في أحاديث الأنبياء من صحيحه ، وأبو داود في كتاب " السنة " من سننه من طرق ، عن عمرو بن يحيى بن عمارة بن أبي الحسن المازني الأنصاري المدني ، عن أبيه ، عن أبي سعيد سعد بن مالك بن سنان الخدري ، به وأما حديث أبي هريرة فقال الإمام أحمد في مسنده: حدثنا أبو كامل ، حدثنا إبراهيم بن سعد ، حدثنا ابن شهاب ، عن أبي سلمة بن عبد الرحمن وعبد الرحمن الأعرج ، عن أبي هريرة ، رضي الله عنه ، قال: استب رجلان: رجل من المسلمين ، ورجل من اليهود ، فقال المسلم: والذي اصطفى محمدا على العالمين.
وقال اليهودي: والذي اصطفى موسى على العالمين ، فغضب المسلم على اليهودي فلطمه ، فأتى اليهودي رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فسأله فأخبره ، فدعاه رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فاعترف بذلك ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " لا تخيروني على موسى; فإن الناس يصعقون يوم القيامة ، فأكون أول من يفيق ، فأجد موسى ممسكا بجانب العرش ، فلا أدري أكان ممن صعق فأفاق قبلي ، أم كان ممن استثناه الله ، عز وجل ". أخرجاه في الصحيحين ، من حديث الزهري ، به وقد روى الحافظ أبو بكر بن أبي الدنيا ، رحمه الله: أن الذي لطم اليهودي في هذه القضية هو أبو بكر الصديق ، رضي الله عنه ولكن تقدم في الصحيحين أنه رجل من الأنصار ، وهذا هو أصح وأصرح ، والله أعلم. والكلام في قوله ، عليه السلام: " لا تخيروني على موسى " ، كالكلام على قوله: " لا تفضلوني على الأنبياء ولا على يونس بن متى " ، قيل: من باب التواضع. وقيل: قبل أن يعلم بذلك. وقيل: نهى أن يفضل بينهم على وجه الغضب والتعصب. وقيل: على وجه القول بمجرد الرأي والتشهي ، والله أعلم. وقوله: " فإن الناس يصعقون يوم القيامة " ، الظاهر أن هذا الصعق يكون في عرصات القيامة ، يحصل أمر يصعقون منه ، والله أعلم به.