السؤال لسؤال: يطلع الله تبارك وتعالى إلى الدنيا فيقول: ( يا دنيا ؟ أين أنهارك ؟ أين أشجارك ؟ وأين عمارك ؟أين الملوك وأبناء الملوك ؟ وأين الجبابرة وأبناء الجبابرة ؟ أين الذين أكلوا رزقي وتقلبوا في نعمتي وعبدوا غيري ؟ لمن الملك اليوم ؟ فلا يجيبه أحد ، فيرد الله عز وجل فيقول: الملك لله الواحد القهار. وسؤالي هو: لماذا الرب يسأل الدنيا وهو أعلم ؟ ولماذا يسأل إذا لم تكن هناك إجابة من أحد ؟ مع أن كل شيء ينطقه لله يجب أن ينطق لماذا لم تنطق الدنيا بأنه لم يتبق أحد ؟ هذا السؤال يراودني بشدة ومنذ فترة طويلة أرجو الإجابة بإقناع. ملخص الجواب والحاصل: أنه لا إشكال في السؤال ، أيا ما كان تقدير السائل والمجيب ، والمراد بذلك: التنبيه على عظمة الله جل جلاله ، وظهور تفرده بالملك والسلطان للخلائق ، ومثل هذه المقاصد: تعرفها العرب في لسانها ، وطرائق بيانها. ؟لمن الملك اليوم. والله أعلم. الحمد لله. أولا: لم نقف على الحديث باللفظ المذكور في شيء من كتب السنة المسندة ، وإنما ذكره ـ بهذا اللفظ ـ ابن الجوزي في كتابه " بستان الواعظين" (22) ، من غير إسناد ، في سياق بعض مواعظه. ومثل هذا الكتاب: لا تؤخذ منه رواية ، ولا يبنى على ألفاظه حكم.
وقد روي هذا القول عن ابن مسعود رضي الله عنه ، قال: "يَجْمَعُ اللَّهُ الْخَلَائِقَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِي صَعِيدٍ بِأَرْضٍ بَيْضَاءَ، كَأَنَّهَا سَبِيكَةُ فِضَّةٍ لَمْ يُعْصَ اللَّهُ فِيهَا قَطُّ ، فَأَوَّلُ مَا يَتَكَلَّمُ بِهِ أَنْ يُنَادِيَ مُنَادٍ: لِمَنِ الْمُلْكُ الْيَوْمَ ؟ فيجيبوا كُلُّهُمْ: لِلَّهِ الْواحِدِ الْقَهَّارِ ". نقله أبو حيان في "البحر المحيط" 9/245) ، وبنحوه عن ابن عطية في "المحرر الوجيز" (4/551) ، وعزاه السيوطي في "الدر المنثور" (7/280) إلى عبد بن حميد في "تفسيره". وحينئذ ، فالسؤال والجواب على ظاهره ، وقد أجاب الخلائق ربهم عن سؤاله. الثاني: أنه إذا قُدِّر أن الجواب ليس من الخلائق ، وإنما السائل ، والمجيب: هو رب العالمين ، كما نقل عن ابن عباس رضي الله عنهما ، قال: " إِذَا هلك من في السموات وَمَنْ فِي الْأَرْضِ، فَلَمْ يَبْقَ إِلَّا اللَّهُ قَالَ: لِمَنِ الْمُلْكُ الْيَوْمَ، فَلَا يُجِيبُهُ أَحَدٌ، فَيَرُدُّ عَلَى نَفْسِهِ: لِلَّهِ الْواحِدِ الْقَهَّارِ. ". من أسماء الله الحسنى: القاهر - القهار - فقه. انظر: "البحر المحيط" ، الموضع السابق. فليس في ذلك إشكال أيضا ؛ فإن مقاصد السؤال البلاغية: أوسع بكثير من مجرد الاستفهام عن أمر لم يكن معلوما للسائل ؛ كما في الصحيحين من حديث أَبِي هُرَيْرَةَ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: ( يَتَعَاقَبُونَ فِيكُمْ مَلاَئِكَةٌ بِاللَّيْلِ وَمَلاَئِكَةٌ بِالنَّهَارِ، وَيَجْتَمِعُونَ فِي صَلاَةِ الفَجْرِ وَصَلاَةِ العَصْرِ، ثُمَّ يَعْرُجُ الَّذِينَ بَاتُوا فِيكُمْ ، فَيَسْأَلُهُمْ وَهُوَ أَعْلَمُ بِهِمْ: كَيْفَ تَرَكْتُمْ عِبَادِي ؟ فَيَقُولُونَ: تَرَكْنَاهُمْ وَهُمْ يُصَلُّونَ ، وَأَتَيْنَاهُمْ وَهُمْ يُصَلُّونَ).
قال الله تعالى: ﴿يَوْمَ هُمْ بَارِزُونَ لَا يَخْفَى عَلَى اللَّهِ مِنْهُمْ شَيْءٌ﴾ [غافر ١٦]. ﴿يَوْمَ﴾ هذه بدل من يوم الأولى، ﴿يَوْمَ التَّلَاقِ (١٥) يَوْمَ هُمْ بَارِزُونَ﴾ [غافر ١٥، ١٦]. لمن الملك اليوم لله الواحد القهار. وقوله: ﴿هُمْ بَارِزُونَ﴾ مبتدأ وخبر، والجملة في محل جر بالإضافة، إضافة يوم إليها. و﴿بَارِزُونَ﴾ قال المفسر: (خارجون من قبورهم) ولكن المعنى أخص مما قال، بل المعنى: يوم هم بارزون؛ أي: ظاهرون ليس لهم ظل يظلهم؛ لا من شجر ولا حجر، ولا بيت ولا غيره؛ لأن البارز هو الظاهر الذي لا يحجبه دونه شيء، وهم بارزون في ذلك اليوم، وتدنو الشمس منهم مقدار ميل، ويعرق الناس في ذلك اليوم على قدر أعمالهم، منهم من يصل العرق إلى كعبيه، ومنهم من يصل إلى ركبتيه، ومنهم من يصل إلى حقويه، ومنهم من يلجمه العرق إلجامًا على حسب أعمالهم. و﴿لَا يَخْفَى عَلَى اللَّهِ مِنْهُمْ شَيْءٌ﴾ [غافر ١٦] أي: لا يستتر على الله منهم شيء، ولا يغيب عن علمه منهم شيء، بل هو محيط بهم إحاطة تامة، كما أنه لا يخفى عليه شيء في الأرض ولا في السماء من قبل ذلك أيضًا؛ لأن الله تعالى محيط بكل شيء علمًا. لكن قال هنا: ﴿لَا يَخْفَى عَلَى اللَّهِ مِنْهُمْ شَيْءٌ﴾ [غافر ١٦] لأجل تمام التخويف.
ثُمَّ يَطْوِي الأرَضِينَ بشِمالِهِ، ثُمَّ يقولُ: أنا المَلِكُ أيْنَ الجَبَّارُونَ؟ أيْنَ المُتَكَبِّرُونَ؟".
وبهذا جادل نبي الله يوسف عليه السلام صاحبيه في السِّجن، فقال: ( يَا صَاحِبَيِ السِّجْنِ أَأَرْبَابٌ مُّتَفَرِّقُونَ خَيْرٌ أَمِ اللّهُ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ) (يوسف: 39). فبيَّن لهم أنَّ آلهتَهم مُتَعدّدة مُتفرقة، والعابد لها مُتَحيّر أيُّها يرضى؟! وأنها مُسَخرةٌ ومَقْهورة لله تعالى، وفي قبضته، وليس لها من الألوهية إلا الاسم؟! الباحث القرآني. الذي أُعْطي لها زُوراً وبُهتاناً، دون حُجةٍ ولا بُرهان؛ كما قال سبحانه: (مَا تَعْبُدُونَ مِن دُونِهِ إِلاَّ أَسْمَاء سَمَّيْتُمُوهَا أَنتُمْ وَآبَآؤُكُم مَّا أَنزَلَ اللّهُ بِهَا مِن سُلْطَان) (يوسف: 40). من كتاب النهج الأسمى في شرح أسماء الله الحسنى للدكتور محمد بن حمد الحمود النجدي.