القول في تأويل قوله تعالى: ( يقول يا ليتني قدمت لحياتي ( 24) فيومئذ لا يعذب عذابه أحد ( 25) ولا يوثق وثاقه أحد ( 26) يا أيتها النفس المطمئنة ( 27) ارجعي إلى ربك راضية مرضية ( 28) فادخلي في عبادي ( 29) وادخلي جنتي ( 30)). وقوله: ( يا ليتني قدمت لحياتي) يقول تعالى ذكره مخبرا عن تلهف ابن آدم يوم القيامة ، وتندمه على تفريطه في الصالحات من الأعمال في الدنيا التي تورثه بقاء الأبد في نعيم لا انقطاع له ، يا ليتني قدمت لحياتي في الدنيا من صالح الأعمال لحياتي هذه ، التي لا موت بعدها ، ما ينجيني من غضب الله ، ويوجب لي رضوانه. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: حدثنا ابن بشار ، قال: ثنا هوذة ، قال: ثنا عوف ، عن الحسن ، في قوله: ( يومئذ يتذكر الإنسان وأنى له الذكرى يقول يا ليتني قدمت لحياتي) قال: علم الله أنه صادق ، هناك حياة طويلة لا موت فيها ، آخر ما عليه. يا ليتني قدمت لحياتي - د. علي بادحدح - مقالات العلماء| قصة الإسلام. حدثنا بشر ، قال: ثنا يزيد ، قال: ثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله: ( يا ليتني قدمت لحياتي) هناكم والله الحياة الطويلة. حدثني محمد بن عمرو ، قال: ثنا أبو عاصم ، قال: ثنا عيسى; وحدثني الحارث ، قال: ثنا الحسن ، قال: ثنا ورقاء ، جميعا عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، قوله: ( يا ليتني قدمت لحياتي) قال: الآخرة.
وأما الذي قرأ ذلك بالفتح ، فإنه وجه تأويله إلى: فيومئذ لا يعذب أحد في الدنيا كعذاب الله يومئذ ولا يوثق أحد في الدنيا كوثاقه يومئذ. وقد تأول ذلك بعض من قرأ ذلك كذلك بالفتح من المتأخرين ، فيومئذ لا يعذب عذاب الكافر أحد ولا يوثق وثاق الكافر أحد. وقال: كيف يجوز الكسر ، ولا معذب يومئذ سوى الله وهذا من التأويل غلط; لأن أهل التأويل تأولوه بخلاف ذلك ، مع إجماع الحجة من القراء على قراءته بالمعنى الذي جاء به تأويل أهل التأويل ، وما أحسبه دعاه إلى قراءة ذلك كذلك ، إلا ذهابه عن وجه صحته في التأويل. وقوله: ( يا أيتها النفس المطمئنة ارجعي إلى ربك راضية مرضية) يقول تعالى ذكره مخبرا عن قيل الملائكة لأوليائه يوم القيامة: يا أيتها النفس المطمئنة ، يعني بالمطمئنة: التي اطمأنت إلى وعد الله الذي وعد أهل الإيمان به في الدنيا من الكرامة في الآخرة ، فصدقت بذلك. ياليتني قدمت لحياتي وليس في حياتي. وقد اختلف أهل التأويل في تأويل ذلك ، فقال بعضهم نحو الذي قلنا فيه. [ ص: 423] حدثني علي ، قال: ثنا أبو صالح ، قال: ثني معاوية ، عن علي ، عن ابن عباس ( يا أيتها النفس المطمئنة) يقول: المصدقة. حدثنا بشر ، قال: ثنا يزيد ، قال: ثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله: ( يا أيتها النفس المطمئنة) هو المؤمن اطمأنت نفسه إلى ما وعد الله.
ملخص المقال يا ليتني قدمت لحياتي مقال بقلم د. علي بادحدح، يوضح أن حياة المسلم ليست هي الأيام والأعوام التي يعيشها بل هي الأعمال والآثار التي يتركها.. فأي أثر تريد أن حياة المسلم ليست هي الأيام والأعوام التي يعيشها، بل هي الأعمال والآثار التي يتركها { إِنَّا نَحْنُ نُحْيِ الْمَوْتَى وَنَكْتُبُ مَا قَدَّمُوا وَآثَارَهُمْ} [يس: 12]. فأيُّ أثرٍ تريد أن تتركه؟! كتاب ياليتني قدمت لحياتي - خالد أبو شادي | kotobati. وأي عمل تريد أن تقدِّمه لنفسك، وتثقل به ميزانك يوم تخف الموازين؟! حياتنا الحقيقية هي أن نشعر بالأحياء من حولنا { وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا} [المائدة: 32]. فنحن بحاجة لترقية معاني الإنسانية في أنفسنا؛ لتفيض رحمة وتنساب رأفة وتتدفق مواساة بإغاثة ملهوف وكفالة يتيم وكفاية أرملة وإطعام جائع وتعليم جاهل وإكرام حفاظ القرآن الكريم وإجلال طلبة العلم. ولننظر إلى الحياة برؤية التنمية والإعمار بحفر الآبار، وبناء المساجد، وتشييد المدارس، وإقامة المعاهد. كم نحن بحاجة لتلبية نداء الأخوة الإيمانية باقتحام عقبة الأنانية { فَلا اقْتَحَمَ الْعَقَبَةَ * وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْعَقَبَةُ * فَكُّ رَقَبَةٍ * أَوْ إِطْعَامٌ فِي يَوْمٍ ذِي مَسْغَبَةٍ * يَتِيمًا ذَا مَقْرَبَةٍ * أَوْ مِسْكِينًا ذَا مَتْرَبَةٍ * ثُمَّ كَانَ مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ وَتَوَاصَوْا بِالْمَرْحَمَةِ} [البلد: 11-17].
حدثنا أبو كريب ، قال: ثنا وكيع ، عن سفيان ، عن منصور ، عن مجاهد ( يا أيتها النفس المطمئنة) قال: التي قد أيقنت بأن الله ربها ، وضربت لأمره جأشا. حدثني يعقوب ، قال: ثنا ابن علية ، قال: ثنا ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، في قوله: ( يا أيتها النفس المطمئنة) قال: المخبتة. حدثني سعيد بن الربيع الرازي ، قال: ثنا سفيان ، عن منصور ، عن مجاهد [ ص: 424] ( يا أيتها النفس المطمئنة) قال: التي أيقنت بلقاء الله ، وضربت له جأشا. وذكر أن ذلك في قراءة أبي ( يا أيتها النفس الآمنة). ذكر الرواية بذلك: حدثنا خلاد بن أسلم قال: أخبرنا النضر ، عن هارون القاري قال: ثني هلال ، عن أبي شيخ الهنائي في قراءة أبي ( يا أيتها النفس الآمنة المطمئنة) وقال الكلبي: إن الآمنة في هذا الموضع ، يعني به: المؤمنة. وقيل: إن ذلك قول الملك للعبد عند خروج نفسه مبشرة برضا ربه عنه ، وإعداده ما أعد له من الكرامة عنده. حدثنا أبو كريب ، قال: ثنا ابن يمان ، عن جعفر ، عن سعيد ، قال: قرئت: ( يا أيتها النفس المطمئنة ارجعي إلى ربك راضية مرضية) عند النبي صلى الله عليه وسلم فقال أبو بكر: إن هذا لحسن ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " أما إن الملك سيقولها لك عند الموت ".
وقوله: ( فيومئذ لا يعذب عذابه أحد ولا يوثق وثاقه أحد) أجمعت القراء قراء الأمصار في قراءة ذلك على كسر الذال من يعذب ، والثاء من يوثق ، خلا الكسائي ، [ ص: 422] فإنه قرأ ذلك بفتح الذال والثاء اعتلالا منه بخبر - روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قرأه كذلك - واهي الإسناد. حدثنا ابن حميد ، قال: ثنا مهران ، عن خارجة ، عن خالد الحذاء ، عن أبي قلابة ، قال: ثني من أقرأه النبي صلى الله عليه وسلم ( فيومئذ لا يعذب عذابه أحد). والصواب من القول في ذلك عندنا ما عليه قراء الأمصار ، وذلك كسر الذال والثاء لإجماع الحجة من القراء عليه. فإذا كان ذلك كذلك ، فتأويل الكلام: فيومئذ لا يعذب بعذاب الله أحد في الدنيا ، ولا يوثق كوثاقه يومئذ أحد في الدنيا. وكذلك تأوله قارئو ذلك كذلك من أهل التأويل. حدثنا بشر ، قال: ثنا يزيد ، قال: ثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله: ( فيومئذ لا يعذب عذابه أحد) ولا يوثق كوثاق الله أحد. حدثنا ابن عبد الأعلى ، قال: ثنا ابن ثور ، عن معمر ، عن الحسن ( فيومئذ لا يعذب عذابه أحد ولا يوثق وثاقه أحد) قال: قد علم الله أن في الدنيا عذابا ووثاقا ، فقال: فيومئذ لا يعذب عذابه أحد في الدنيا ، ولا يوثق وثاقه أحد في الدنيا.