دولتنا "النظرية" في الواقع هي مجرد تجميع لما لدى العرب فعلياً الآن ــ و هم في أسوأ مراحل تاريخهم الطويل. أما العرب الوحدويون الشرفاء فيحلمون بدولة أغنى حضارياً و أمضى قوةً و أكثر تطوراً في كل المجالات.. لا تعتمد على الغير و تصنع كل شيء من الإبرة الى الصواريخ.. دولة متقدمة و لا مجال فيها للطائفية و لا الأفكار الرجعية.. و فوق كل ذلك تحمل بصمة جمال عبدالناصر الاستقلالية فلا تأتمر من أحد و لا يتدخل في شئونها أحد. من بديهيات الحياة و حقائقها الثابتة أن الإتحاد قوة و ليس مصادفة أن كل الامبراطوريات القديمة و الحديثة كانت و لا تزال عبارة عن اتحادات بين شعوب متعددة. و لنا عبرة في الولايات المتحدة و الاتحاد الأوروبي حالياً و الاتحاد السوفياتي و الامبراطورية البريطانية سابقاً، و إمبراطوريات الفرس و الروم و الأمويين و العباسيين في الماضي البعيد. غثاء السيل.. رواية جديدة لـ هيثم النوبى عن هيئة الكتاب - اليوم السابع. الوضع الحالي للعرب شاذ و غير مقبول لأنهم يمتلكون من مقومات الوحدة أكثر مما يمتلكه أي شعب آخر في العالم. الشعوب الأوروبية مثلاً ذات لغات و ثقافات مختلفة و لا يجمع بينها إلا ذلك التاريخ الطويل من المنازعات و الحروب الطاحنة. أما اميركا فهي خليط من كل شعوب الأرض و ثقافاتهم، و في الاتحاد الروسي و الصين شعوب من خلفيات اثنيه متنوعة تتكلم لغات عديدة و لها ثقافات متباينة.
ويذكر السيوطي أن هذه الصفات كانت في أبي بكر رضي الله عنه، حيث يصفه قائلًا: (كان ذا مال جزيل في قومه ومروءة تامة وإحسان وتفضل فيهم كما قال ابن الدغنة: إنك لتصل الرحم، وتصدق الحديث، وتكسب المعدوم، وتحمل الكل، وتعين على نوائب الدهر، وتقري الضيف) وقد قالها ابن الدغنة لأبي بكر وقد رآه خارجًا تاركًا مكة، لكنه ما رضي خروج الصديق من بين أظهرهم وهو بهذه الصفات الإنسانية المجتمعية العظيمة. وحين يحاصر أهل الفتنة عثمان رضي الله عنه كان من ضمن مآثره التي يذكرها لهم قوله: (…فو الله ما زنيت في جاهلية ولا في إسلام) وهي قيمة خلقية عظيمة في حياة الإنسان حين لا يكون ثمت شرع، ويتعفف وينأى بنفسه عن الفحش ويدرك بفطرته شر الزنا. أين غثاء السيل!!!؟. حين تضيع معاني الصلة، والوفاء، ونصرة العاجز، وإكرام الضيف، وعون الضعيف، تكون هذه ثلمات ينفذ منها المتربص للأمة بموجب السنن الإلهية. وانظر إلى هذه الواقعة التي يحكيها جعفر بن أبي طالب بعد قدومه من الحبشة؛ فقد لقيه رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: «حدثني بأعجب شيء رأيته بأرض الحبشة» قال: مرت امرأة على رأسها مكتل فيه طعام، فمر بها رجل على فرس فأصابها فرمى بها، فجعلت تنظر إليه، وهي تعيده في مكتلها، وهي تقول: ويل لك من يوم يضع الملك كرسيه فيأخذ للمظلوم من الظالم!
السرّ الثاني من أسرار نجاح أوربا واستيلائها على المدر والوبر والبشر: هو أن المتخصص في ضرب من ضروب المعرفة لا يَزِنُ جهوده ومساعيه بميزان الجنيه، بل يقوم بهذه المساعي والجهود لغرض واحد هو الإحاطة بالمعارف والنبوغ فيها ، فهو لا يحسِب على أمته ساعات عمله كما يحسبها موظف الحكومة، بل قُصاراه أن تكون الساعات قد صُرفت في العمل، عَرف له ذلك من عرفه وجهله من جهله؛ لذلك تراه يسهر الليالي بل يُفني العمر في طلب حقيقة من الحقائق وفي محاولة غرض من الأغراض، وقد لا يصل بعد كل ذلك إلى تلك الحقيقة، وقد يَمضى عمره ولا يبلغ الغرض الذي وقفه عليه. وأكثر هذه الاختراعات التي نشاهدها والتي تدرّ على مصانعها المال بلا حساب، إنما اخترعها رجال مخلصون مات أكثرهم فقراء واستفادت أمتهم من عملهم واجتهادهم ثروةً وقوة واستطالة وعظمة. لا لأجل المسيح، فإن المسيح سلام الله عليه قال فيهم منذ عشرين قرنًا: "لأن يدخل الجمل في سُمّ الخياط أهون من أن يدخل غني ملكوت السماوات"، ولكن ليتخذوا دعاية الدين أحبولة لأغراض الاستعمار والتصرُّف في رقاب الأمم، وذلك هو غرضهم الأول. وهكذا تجدهم جميعًا يعملون ليل نهار ويطوّحون بأنفسهم في المغامرات والمخاطر لتتوصل دولهم إلى التحكم في شعوبنا.
ولينزعَنّ اللهُ مهابتكم من صدور عدوكم، وليقذِفَنّ في صدوركم الوَهَن» قالوا: وما الوهن يا رسول الله؟ قال: «حُبُّ الدنيا وكراهية الموت ». حُبُّ الدنيا الذي يجعلنا نستمرئ الذل سننزعه من قلوبنا بمعونة الله، وخوفُ الموت لا يطيل عمراً، والإقدام على التضحيات لا يقصّر عمراً ولا ينقص رزقاً. فهل ترضى أمة المصطفى أن تبقى غثاءً كغثاء السيل، أو تتقدم لتحتل المركز الذي اختاره الله لها واختارها له: ( كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنْ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ).