معنى الحِكْمَة لغةً: الحَكَمَةُ: ما أحاط بحَنَكَي الفرس، سُمِّيت بذلك؛ لأنَّها تمنعه من الجري الشَّديد، وتُذلِّل الدَّابَّة لراكبها، حتى تمنعها من الجِماح [1135] من جمح الفرس: إذا ذهب يجري جريًا غالبًا واعتز فارسه وغلبه. ((لسان العرب)) (2/426). معنى كلمة الحكمة - الطير الأبابيل. ، ومنه اشتقاق الحِكْمَة؛ لأنَّها تمنع صاحبها من أخلاق الأراذل. وأَحْكَمَ الأَمْرَ: أي أَتْقَنَه فاستَحْكَم، ومنعه عن الفساد، أو منعه من الخروج عمَّا يريد [1136] ((القاموس المحيط)) للفيروز أبادي (ص 1415)، ((لسان العرب)) لابن منظور (12/143)، ((مختار الصحاح)) للرازي (ص 62) ((النهاية في غريب الحديث)) لابن الأثير (1/119)، ((المصباح المنير)) للفيومي (1/145)، ((تاج العروس)) للزبيدي (8/253)، ((الجامع لأحكام القرآن)) للقرطبي (1/288)، ((المعجم الوسيط)) (1/19). معنى الحِكْمَة اصطلاحًا: قال أبو إسماعيل الهروي: (الحِكْمَة اسم لإحكام وضع الشيء في موضعه) [1137] ((منازل السائرين)) للهروي (ص 78). وقال ابن القيِّم: (الحِكْمَة: فعل ما ينبغي، على الوجه الذي ينبغي، في الوقت الذي ينبغي) [1138] ((مدارج السالكين)) لابن القيم (2/449). وقال النَّووي: (الحِكْمَة، عبارة عن العلم المتَّصف بالأحكام، المشتمل على المعرفة بالله تبارك وتعالى، المصحوب بنفاذ البصيرة، وتهذيب النَّفس، وتحقيق الحقِّ، والعمل به، والصدِّ عن اتِّباع الهوى والباطل، والحَكِيم من له ذلك) [1139] ((شرح النووي على مسلم)) (2/33).
فالحكمة إذن عامة لكل الناس الذين يحسنون ترتيب المبادئ الذهنية والاجتهادات العقلية، وفي ذلك قوله تعالى في حق لقمان: ﴿وَلَقَدْ آتَيْنَا لُقْمَانَ الْحِكْمَةَ أَنِ اشْكُرْ لِلَّهِ﴾، فلقمان لم يكن نبيا وإنما كان رجلا حكيما وقد خلد الله كلامه في القرآن في وصاياه العشر لابنه وهو يعظه. ومن ذلك أيضا قوله تعالى عن الحكمة: (﴿يُؤْتِي الْحِكْمَةَ مَن يَشَاءُ، وَمَن يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْرًا كَثِيرًا، وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُو الْأَلْبَابِ﴾). فالحكمة هي هبة إلهية للإنسان. ومن هنا نفهم أن العلم بالقرآن لا يحصل إلا بالحكمة التي تتحصل عن طريق التدبر والتفكر واستعمال العقل، وكذلك نخلص إلى أن القرآن الكريم كتاب يجعل من العقل أداة لفهمه وليس كما يدعي الجاهلون أن لا دخل للعقل في الحكم على النقل، وسمى المسلمون الأوائل الفلسفة بالحكمة إذ اعتبروا أن الفلسفة هي نشاط عقلي وترتيب ذهني ينتج عنه الحكم الصحيح لوضع الأشياء في موضعها المناسب، و(الحكمة ضالة المؤمن، فحيث وجدها فهو أحق الناس بها) كما في الأثر المنسوب إلى النبي صلى الله عليه وسلم. وقد "أطلِق لفظ الحكمة عند اليونانيين على العلم، ثم أطلق على إحدى الفضائل الأصلية، وهي: الحكمة، والشجاعة، والعفة، والعدالة، ثم أطلق بعد ذلك على العلم مع العمل"[18]، و"الحكمة أيضا هي الفلسفة، أي معرفة أفضل الأشياء بأفضل العلوم"[19] وكذلك "قيل: الحكمة معرفة الحقائق على ما هي عليه بقدر الاستطاعة، وهي العلم النافع المعبر عنه بمعرفة ما للإنسان وما عليه، أو هي معرفة الحق لذاته، ومعرفة الخير لأجل العمل به"[20]، فالحكمة بهذا تكون هي إصابة الحقيقة، وكل ما يفيد العلم والعمل به.