الإمام النووي قال في كتابه رياض الصالحين: (في باب النهي عن تقدم رمضان بصوم بعد نصف شعبان إلا لمن وصله بما قبله أو وافق عادة له بأن كان عادته صوم الاثنين والخميس). جمهور الفقهاء ذهبوا إلى أن حديث النهي عن الصيام في النصف الثاني من شهر شعبان هو حديث ضعيف، وبناء على ذلك فقد قالوا: الصيام في النصف الثاني من شهر شعبان غير مكروه. خلاصة الأقوال التي ذكرت أن حكم صيام النصف الثاني من شهر شعبان منهي عنه إما على سبيل الكراهة أو التحريم، ماعدا من كان له الصيام عادة، أو من صول صيام النصف الأول من شهر شعبان بالنصف الثاني، والحكمة من النهي في هذا الحديث أن الصيام المتتابع من الممكن أن يضعف عن صيام شهر رمضان، فمن سأل في حالة: من بدأ الصيام من أول شعبان فسيكون أشد ضعفًا؟ فيرد عليه: أن من بدأ الصيام من أول الشهر يكون قد اعتاد الصيام فيصبح تعب الصيام أقل عليه.
ومع ذلك فقد ورد ما يشير إلى أن حكم الصيام بعد نصف شهر شعبان جائز، فعن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لا تقدموا رمضان بصوم يوم ولا يومين إلا رجل كان يصوم صومًا فليصمه)، فهذا دليل على جواز الصيام بعد نصف شهر شعبان لم كان الصيام له عادة مثل رجل تعود على صيام الإثنين والخميس أو من كان يصوم يومًا ويفطر يومًا وما شابه ذلك. عن أم المؤمنين السيدة عائشة بنت أبي بكر رضي الله عنهما أنها قالت: (كان الرسول صلى الله عليه وسلم يصوم شعبان كله، يصوم شعبان إلا قليلًا) رواه البخاري، وقال الأمام النووي أن قول السيد عائشة (يصوم شعبان كله، يصوم شعبان إلا قليلًا) أتى فيها الثاني تفسيرًا للأول بمعنى أن كلمة "كله" بمعنى أغلبه"، ويشير هذا الحديث على أن حكم صيام النصف الثاني من شهر شعبان يجوز ولكن لمن وصل صيام النصف الثاني من شعبان بالنصف الأول. أخذ المذهب الشافعي بكل الأحاديث السابق ذكرها جميعًا، وقالوا فيها: أنه لا يجوز الصيام بعد النصف الثاني من شعبان إلا لعادة أو وصله لما قبل النصف الثاني من شهر شعبان، وما يصح عند أكثر أهل المذهب أن النهي في الحديث السابق عن صيام النصف الثاني من شهر شعبان هو للتحريم، وذهب بعض أهل المذهب كالروياني أن النهي في الحديث كان للكراهة وليس التحريم.
و أشكل هذا على كثير من العلماء، ففي الصحيحين أيضا [ عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه و سلم قال: لا تقدموا رمضان بيوم أو يومين إلا من كان يصوم صوما فليصمه] فقال كثير من العلماء كأبي عبيد و من تابعه كالخطابي و أكثر شراح الحديث: إن هذا الرجل الذي سأله النبي صلى الله عليه و سلم كان يعلم أن له عادة بصيامه، أو كان قد نذره؛ فلذلك أمره بقضائه. و قالت طائفة: حديث عمران يدل على أنه يجوز صيام يوم الشك و آخر شعبان مطلقا سواء وافق عادة أو لم يوافق، و إنما ينهى عنه إذا صامه بنية الرمضانية احتياطا و هذا مذهب مالك، و ذكر أنه القول الذي أدرك عليه أهل العلم حتى قال محمد بن مسلمة من أصحابه: يكره الأمر بفطره لئلا يعتقد وجوب الفطر قبل الشهر كما وجب بعده، و حكى ابن عبد البر هذا القول عن أكثر علماء الأمصار،و ذكر محمد بن ناصر الحافظ: إن هذا هو مذهب أحمد أيضا و غلط في نقله هذا عن أحمد. و لكن يشكل على هذا حديث أبي هريرة رضي الله عنه و قوله:" إلا من كان يصوم صوما فليصمه " و قد ذكر الشافعي في كتاب مختلف الحديث احتمالا في معنى قوله: [ إلا من كان يصوم صوما فليصمه] و في رواية: [ إلا أن يوافق ذلك صوما كان يصومه أحدكم] أن المراد بموافقة العادة صيامه على عادة الناس في التطوع بالصيام دون صيامه بنية الرمضانية للاحتياط.
[١٣] المالكيّة: قالوا بجواز الصيام في النصف الثاني من شعبان؛ استدلالاً بما ورد في السنّة النبويّة من أنّ النبيّ -عليه الصلاة والسلام- كان يحرص على صيام شعبان بتمامه. [١٤] [٨] الشافعيّة: قالوا بكراهة صيام النصف الثاني من شهر شعبان؛ للنَّهي الوارد عن ذلك، إلّا إن اقتضى العُذر الشرعيّ الصيام، كأن يكون على المسلم كفّارةٌ من صيامٍ، أو نَذْر، أو قضاء، فحينئذٍ لا يُكرَه في حقّه، كما لا يُكرَه صيام النصف الثاني من شعبان في حَقّ مَن وصله بما قَبله، ومثال على ذلك صيام اليوم الذي يسبق يوم انتصاف شعبان، ثمّ صيام يوم الانتصاف، أمّا إن صام المسلم اليوم الذي يسبق يوم الانتصاف، ثمّ أفطر، فيكون صيامه مكروهاً دون مُسوِّغٍ شرعيٍّ. [١٥] الحنابلة: أجازوا الصيام في النصف الثاني من شهر شعبان.