فالله سبحانه وتعالى يدعو نبيَّةُ الى النشاطِ في تحذيرِ الناسِ, وانذارِهِم من عذابِ الله اذا استَمَرُّوا على ضلالِهِم ولم يَستجِيبُوا لِدَعْوَةِ الإسلامِ. فضل سورة المدثر - موضوع. ثم يُقَوِّي قَلْبَهُ بأنْ يأمُرَهُ ألا يَخُصَّ أحداً بالعَظَمَةِ والمجدِ الا الله, وَيدْعُوهُ أنْ يطهرَ من الآثامِ والذنوبِ كما يُطَهِّرُ ثيابَهُ من النّجاسَةِ, ويأمرُهُ أنْ يبتعدَ عن الشِّرْكِ والمعاصي, والعمل القبيح وعبادة الاوثانِ. كما يأمُرُهُ أنْ يكثر من العطاءِ والصَّبْرِ. ثُمَّ يُذْكَرُ يَومُ القيامةِ وهولُهُ حينَ يُنْفَحُ في الصورِ (النَّاقُورِ), فيقوم الناسُ من قبورِهِمْ ليحاسَبُوا على اعمالهم واقوالهم, وحينئذ يستيقنُ الكافرون شدَّةَ وعُسْرَ ذلك اليومِ. أما الآياتُ الباقيةُ من هذا الجزِء من السورةِ فتتعَرَّض لأغنى أغنياءِ قريشٍ وأعقَلِهِم وهو الوليدُ بْنُ الُمغيرَةِ (الذي كان يُدعَى الوحيدَ أو رَيْحانَةَ قُرَيشٍ) حينَ سَمِعَ القرآنَ واعجَبَه, لكنه خضعَ لإغواءِ وطلب ابَا جَهْل, فأخذَ يُفَكّرُ في طَريقَةٍ يَتّهِمُ فيها النبي صلى الله عليه وسلم ويطعن في القرآن, فَفَكّرَ وَقَدَّرَ وقال: إنَّ القرآن سِحْرٌ ينقله النبيُّ صلى الله عليه وسلم فَتَوَعَّدَهُ الله بأشدِ العذابِ يومَ القِيامَةِ بأنه سيحرِقُهُ في جهنَّمَ (سَقر).
[١] فضل موضوعات سورة المدثر تبدأ السورة الكريمة بأفضل عدة يحملها الداعية ليقوم بواجب الإنذار، وهي: [٣] وربك فكبر تكبير الله -سبحانه وتعالى- وتوحيده؛ فلا يخاف أحدا ولا يرجو من أحد سواه. ص135 - كتاب إعراب القرآن للنحاس - شرح إعراب سورة النمل - المكتبة الشاملة. وثيابك فطهر تطهير القلب -حيث تستخدم العرب الثياب وتقصد القلب- إضافة إلى جمال الهيئة والهندام. والرجز فاهجر ترك كل ما يؤدي إلى العذاب من المعاصي والآثام ومعبودات أهل الشرك والكفر. ولا تمنن تستكثر الجود والكرم وعدم المن على من يُحسن الشخص عليهم؛ فمهما بذل الداعية من وقته وجهده وماله يرى ذلك قليلا في حق الله -سبحانه وتعالى-. ولربك فاصبر طريق الدعوة شاق، وتكاليفه باهضة، وأعداء الداعية كثيرون، وأساليب صدهم الخبيثة عن الحق لا تحصى؛ فعلى الداعية ملازمة الصبر.
كلُّ إنسانٍ مَرهونٌ بذَنْبِهِ مُحاسَبٌ عليهِ إِلا أصحابَ اليَمينِ الذينَ يأخُذون كتبهم بأَيمانِهِم فهم لا ذَنْبَ عليهم لانهم مؤمنونَ. لذلك يتساءلون ما الذي أدخلَ الكفارَ الى جهنم ؟ فيجيبُهُم الكفارُ بأنهم تَرَكُوا الصلاةَ ولم يُطعِموا المساكينَ, وكانوا يُجادلون بالباطلِ, ولا يُصَدّقون بيومِ القيامَةِ حتى جاءَهُمُ الموت. فيومَ القِيامَة لا تنفعهم شفاعةُ أحَدٍ, فلماذا لا يَتَّعظُونَ وينتفعون بِما يُذَكّرُهُم به الرسولُ صلى اللهُ عليهِ وسَلَم ؟ لماذا تراهم يَتَهَرَّبون من حديثِ الرسولِ كَأَنهُمُ الحميرُ الوحشيَّةُ التي تَفِرُّ مَذعورَةً أمامَ الأسودِ, يريدُ كلٌ منهم أن يُنَزَّلَ عليه كتابٌ وَحْدَهُ, ليكونَ في مَنزِلَةِ النبيِ عليه الصلاةُ والسلامُ, ولن يكون لهم ذلك وعليهم أن يخافوا يومَ الحسابِ, ويتذكروا القرآن ليتعظوا بهِ ويهتدوا, والله تعالى يَهدي من يشاء وهو الأهْلُ لأَنْ يُتَّقَى ويُخشى, فيغفر لمن اتقاه وخافهُ.
[سورة المدثر] [٥] - {وَالرُّجْزَ} بضم الراء: حفص١. [٣٣] - {إِذْ} ساكن, {أَدْبَرَ} بوزن "أَفْعَلَ": نافع وحفص وحمزة٢. [٥٠] - {مُسْتَنْفِرَةٌ} بفتح الفاء: نافع وابن عامر. [٥٦] - {وَمَا يَذْكُرُونَ} بالتاء: نافع. ١ والباقون بكسرها. ٢ والباقون "إذا" بفتح الذال وألف بعدها، "دَبَر" فَعَلَ.
فقالَ أبو الأشدِّ الجُمَحِيُّ, أنا أكفيكُم سَبْعَةَ عَشَرَ فاكْفُوني أنتُمُ اثنينِ. ثم يُقْسِمُ اللهُ تَبارَكَ وَتعالى بالقَمَرِ, والليلِ اذا تَولُى, والصبحِ اذا أَضَاءَ, أنَّ جهنمَ من أَعْظَمِ الدّواهي, وأنها انذارٌ للناسِ لمَنْ يريدُ منهُمْ أن يتقدَّمَ بالطّاعَةِ أو يتأخّرَ بالَمعْصِيةِ.
زَيَّنَّا لَهُمْ أَعْمالَهُمْ في موضع الخبر. [[سورة النمل (٢٧): آية ٥]] أُوْلئِكَ الَّذِينَ لَهُمْ سُوءُ الْعَذابِ وَهُمْ فِي الْآخِرَةِ هُمُ الْأَخْسَرُونَ (٥) أُوْلئِكَ في موضع رفع بالابتداء. وخبره الَّذِينَ لَهُمْ سُوءُ الْعَذابِ ويقال: «الّذون» في موضع الرفع. وَهُمْ فِي الْآخِرَةِ هُمُ الْأَخْسَرُونَ. فِي الْآخِرَةِ تبيين وليس بمتعلق بالأخسرين. (١) وهي قراءة ابن أبي عبلة، انظر البحر المحيط ٧/ ٥١.