حتى بعث الله نبينا محمداً ـ صلى الله عليه وسلم ـ، فجرَّم وحرم هذه الفِعلة الشنعاء وهي وأد البنات، فعن المغيرة بن شعبة ـ رضي الله عنه ـ أن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ قال : ( إنَّ الله حرَّم عليكم عقوق الأمهات، وَمَنْعاً وهات، ووَأد البنات، وكَرِهَ لكم قيل وقال، وكثرة السؤال، وإضاعة المال) رواه البخاري. قال ابن حجر في " فتح الباري": قوله ـ صلى الله عليه وسلم ـ: ( ووَأدَ البنات) هو دفن البنات بالحياة, وكان أهل الجاهلية يفعلون ذلك كراهة فيهن ". فضل تربية البنات في الإسلام - موضوع. وعن عبد الله بن عباس ـ رضي الله عنه ـ قال: قال رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ: ( مَنْ وُلِدَتْ له ابنةٌ فلم يئِدْها ولم يُهنْها، ولم يُؤثرْ ولَده عليها ـ يعني الذكَرَ ـ أدخلَه اللهُ بها الجنة) رواه أحمد، وصححه الحاكم ووافقه الذهبي ، وحسنه الشيخ أحمد شاكر.. وهذان الحديثان وما جاء في معناهما يدلان صراحة على أنَّ البنات كنَّ محلاً لجهالات وبُغض بعض العرب إبان بعثة النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ. لم يكتفِ النبيُّ ـ صلى الله عليه وسلم ـ بالنهي الشديد عن وأد البنات، بل جاء معتنياً بهن، بغية تصحيح مسار البشرية وإعادتها إلى طريق الإنسانية والرحمة، وتكريماً للبنات وحماية لهن، وحفظاً لحقوقهن، بل وأمر ـ صلى الله عليه وسلم ـ في أحاديث كثيرة بالإحسان إليهن، ووعد من يرعاهن ويحسن إليهن بالأجر الجزيل والمنزلة العالية، ومن ذلك: عن أنس بن مالك ـ رضي الله عنه ـ قال: قال رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ: ( مَنْ عال جارتين (بنتين) حتى تبلغا، جاء يوم القيامة أنا وهو وضم أصابعه) رواه مسلم.
اللهم إنا نعوذ بك من زوال نعمتك وتحول عافيتك وفجاءة نقمتك وجميع سخطك. استغفروا ربكم عباد الله، وتوبوا إليه، فيا فوز المستغفرين التائبين. فضل تربية البنات | موقع الشيخ محمد بن عبد الله السبيل. الخطبة الثانية: الحمد لله رب العالمين، والعاقبة للمتقين، ولا عدوان إلا على الظالمين، والصلاة والسلام على خاتم النبيين وعلى آله وصحبه أجمعين. أيها الإخوة الكرام: روى مسلم في صحيحه عن ابن عمر -رضي الله عنهما- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "الدنيا متاع، وخير متاعها المرأة الصالحة". لقد أنجب لنا التاريخ نساءً صالحات وسيداتٍ مباركات، شيّدن مناراتٍ للعز والشرف، وبنَينَ مساكن للبطولة، عزّ فعلها على كثير من الرجال والأبطال. آسية بنت مزاحم امرأة فرعون، عاشت ونشأت في قصر أكبر طاغية عُرف في التاريخ، فلم تخضع لجبروته، ولم تدخل في ألوهيته، ولم تستسلم لدنياه، بل صبرت على دينها وعزت بإيمانها، ( وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً لِّلَّذِينَ آمَنُوا امْرَأَةَ فِرْعَوْنَ إِذْ قَالَتْ رَبِّ ابْنِ لِي عِندَكَ بَيْتًا فِي الجَنَّةِ وَنَجِّنِي مِن فِرْعَوْنَ وَعَمَلِهِ وَنَجِّنِي مِنَ القَوْمِ الظَّالِمِينَ) [التحريم: 11]. وفي الصحيح يقول -عليه الصلاة والسلام-: " كَمُل من الرجال كثير، ولم يكمل من النساء إلا آسية امرأة فرعون ومريم بنت عمران، وإن فضل عائشة على النساء كفضل الثريد على سائر الطعام ".
إن هذا الهدي النبوي في التعامل مع البنات هو بداية لمنهج جديد وطي صفحة الجاهلية الأولى التي كان جل أناسها لا يأبهون بطلتها للحياة: ﴿ وَإِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِالْأُنْثَى ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدًّا وَهُوَ كَظِيمٌ * يَتَوَارَى مِنَ الْقَوْمِ مِنْ سُوءِ مَا بُشِّرَ بِهِ أَيُمْسِكُهُ عَلَى هُونٍ أَمْ يَدُسُّهُ فِي التُّرَابِ أَلَا سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ ﴾ [النحل: 58، 59]، قوم خسروا دينهم وأولادهم وعقولهم؛ قال سبحانه: ﴿ قَدْ خَسِرَ الَّذِينَ قَتَلُوا أَوْلَادَهُمْ سَفَهًا بِغَيْرِ عِلْمٍ ﴾ [الأنعام: 140]. لقد كان ميلادها في الإسلام فرحة كبرى وبشارة عظمى، فهي ريحانة الحاضر وأم المستقبل، وكتب أحد الأدباء يهنئ صديقًا له بمولودة: أهلًا بعطية النساء، وأم الدنيا، وجالبة الأصهار، والأولاد الأطهار، والمبشرة بإخوة يتسابقون، ونجباء يتلاحقون. البنات ألطف الذريات وهن الحفيات الوفيات والمؤنسات الغالية؛ يقول حطَّان بن المعلَّى: لولا بنيات كزغب القطا رددنَ مِن بعض إلى بعض لكان لي مضطرب واسع في الأرض ذات الطولِ والعرضِ وإنما أولادنا بيننا أكبادنا تمشي على الأرض لو هبَّتِ الريحُ على بعضهم لامتنعتْ عيني عن الغمض معاشر الآباء والأمهات يقول الله تعالى: ﴿ وَلَيْسَ الذَّكَرُ كَالْأُنْثَى ﴾ [آل عمران: 36]، فهناك فرق كبير بين تربية الأولاد وتربية البنات؛ بسبب الاختلافات الخلقية والنفسية، وهذا ما يجب أن يأخذه الوالدان بعين الاعتبار أثناء التعامل معهم، وإدراك طبيعة تكوين البنت والمشاعر التي تنتابها مع مراحل نموها المختلفة.
وفي البناء الاجتماعي ينبغي أن تلقن الطفلة قواعد السلوك الاجتماعي، بتأديبها على الآداب الشرعية في المأكل والمشرب والملبس والتخاطب والزينة وما إلى ذلك. وفي البناء الأخلاقي جاء الإسلام ليتم مكارم الأخلاق؛ قال تعالى: ﴿ وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ ﴾ [القلم: 4]، وقد كان خلق النبي صلى الله عليه وسلم القرآن، فتربَّى الفتاة منذ نعومة أظافرها على الصدق والعفة والمروءة والستر، وتُخَلَّق البنات بخلق الحياء، فهو حارس أمين من الوقوع في الرذائل: ﴿ فَجَاءَتْهُ إِحْدَاهُمَا تَمْشِي عَلَى اسْتِحْيَاءٍ ﴾ [القصص: 25]، فحياتها وحركاتها يهذبها الحياء، وفي الحديث: "والحياء خير كله، ولا يأتي إلا بخير". وحُسن اختيار الصديقة مسألة لا مساومة فيها، فالصداقة لها تأثير بالغ في حياة الفتاة، فصديقات السوء كالشرر الملتهب، إذا وقع على شيء أحرقه، و"المرء على دين خليله، فلينظر أحدكم مَن يخالل". ومما يُعين على تربية الفتاة التركيز على حب الله تعالى وحبِّ رسوله صلى الله عليه وسلم، مع تنشئتها منذ الصغر على الدين والفضيلة، وتغذية ذلك بقصص أمهات المؤمنين وسير الصحابيات الماجدات، وفضليات نساء المسلمين. التربية الصحيحة للفتاة تقتضي تعاون الأب والأم، والتفاهم بينهما؛ لتؤتي التربية أكلها، والأسرة السوية روابطها قوية يسودها الشعور بالطمأنينة والاستقرار، وتفكُّك الأسرة بالطلاق والشقاق، كل يهيم في واد، وهذا يولد جفوة تتراكم أضرارها فوق بعضها على واقع الفتاة، وقد ينكشف الغطاء بعد فوات الأوان عن سلوك غير حميد، والجو العائلي المضطرب يسمح بالاختراق أو الاقتراب مع شعور بالقلق والهمِّ.