برز في هذا الحصار الأخير داخل غرناطة حركة جهادية بارزة على رأسها رجل يُسمى موسى بن أبي غسان، فكان أن حرَّك الجهاد في قلوب الناس، وبدأ يُحَمِّسهم على الموت في سبيل الله، وعلى الدفاع عن بلدهم وهويتهم، فاستجاب له الشعب وتحرك للدفاع عن غرناطة برز في هذا الحصار الأخير داخل غرناطة حركة جهادية بارزة على رأسها رجل يُسمى موسى بن أبي غسان ، فكان أن حرَّك الجهاد في قلوب الناس، وبدأ يُحَمِّسهم على الموت في سبيل الله، وعلى الدفاع عن بلدهم وهويتهم، فاستجاب له الشعب وتحرك للدفاع عن غرناطة [1].
تعتبر غرناطة مسقط رأسه إذ عاش فيها وكان ينتمي إلى عائلة عربية تتصل جذورها إلى قبيلة الغساسنة وهي قبيلة عربية عريقة وكانت الأسرة التي ينتمي إليها موسى بن أبي غسان قد أشتهر عنها بفروسيتها والغيرة على دين الله ﷻ وكان لهذه العائلة الدور الكبير في النهضة التي شهدتها غرناطة. لسنا وإن أحسابنا كرمت * أبدا على الأحساب نتكل نبني كما كانت أوائلنا * تبني ونفعل مثلما فعلوا وفي ظل هذه المعطيات والأجواء التي ترعرع فيها موسى إذ كانت هذه الأجواء لها أثر كبير على شخصيته فكان بذلك فارسًا مبارزاً شجاعاً، فأصبح بذلك ذو مكانه اجتماعية وسياسية، فضلاً عن سمو هيبته إذ كان من الذين يساهمون مع الملك في إدارة شؤون الإمارة ويرجع إلى رأيهم في أحلك الظروف، إذ أنه كان قائداً لفرسان غرناطة ومتزعما لعشيرته، فكان بذلك ذو مكانة قريبة من الملك أبي عبد الله الصغير فكان له دور في صنع القرارات والتأثير فيها بجانب إيجابي.
ورغم تضارب الروايات بشأن النهاية إلا أنها تزخر بمواقف البطولة والشجاعة والبسالة نوديتا نوديتا فتكات متميزة Fatakat 347829 cairo – egypt لقراءة ردود و اجابات الأعضاء على هذا الموضوع اضغط هنا سبحان الله و بحمده
لم يستمع أحد إلى نداء موسى ولم يؤيده أحد في رفضه للاستسلام، وفي يوم توقيع وثيقة الاستسلام ترك موسى المجلس بعدما فشل في وقفهم عن الاستسلام، وذهب موسى إلى منزله وارتدى ثياب الحرب واعتلى جواده وخرج من غرناطة، والتقى على ضفة نهر شنيل ببعض فرسان الاعداء فانقض عليهم وقاتلهم في بسالة وشجاعة ثم اصيب وعلى الرغم من اصابته البالغة إلا أنه لم يستسلم واخذ يحارب في صمود حتى فقد كل قوته ورفض أن يأسر فألقى بنفسه في النهر.
وهذا يفسر لنا، وجوده في بهو الحمراء ضمن أكابر الجماعة وأهل الحل والعقد وأبناء البيوتات، في غرناطة، الذين كانوا يساهمون مع الملك في إدارة شئون البلاد، وينوبون عنه في الاتصال بأهاليها، ويطلعونه على ما يستجد من أخبارهم، والذين كان يستشيرهم أيضا قبل أن يتخذ القرارات المصيرية، ويرجع إلى رأيهم في المهمات والملمات. ولا سيما في ذلك الوقت الأغبر الذي كانت فيه غرناطة على كف عفريت وعلى شفا جرف هار. وهذا إن دل على شيء فإنما يدل على عقله وثبوت فطنته وأصالة رأيه، فضلا عن دلالته على سمو رتبته وارتفاع مكانته الاجتماعية والسياسية. بيد أن الأهم من كل ذلك هو أن وجوده قريبا، من بلاط الملك أبي عبد الله الصغير، قد أتاح له المشاركة في صنع الأحداث والتأثير فيها إيجابا، ومعرفة ما يدور وراء الكواليس أولا بأول، ومن ثم التصدي بجسارة للدعاوى الاستسلامية ومعارضة الحلول الانهزامية، وتفنيد المبادرات المشبوهة وتعديلها في وقته. إلى جانب أن وجوده كان ضروريا بالنسبة لأصحاب الأمر والخاصة. فروسية وبلاغة [ عدل] كانت غرناطة آخر الحواضر الإسلامية في الأندلس هي الفصل الأخير في الصراع بين النصرانية والإسلام، وهو الصراع الذي أعدت له إسبانيا النصرانية عدتها الحاسمة ومهدت له جميع الوسائل والسبل.
فظلت غرناطة تضعف شيئًا فشيئًا، ثم لما دخل فصل الشتاء ونزلت الثلوج أصابت طريق البشرة -الذي كانت الأطعمة تأتي عبره إلى غرناطة- فقل الطعام عند ذلك في أسواق المسلمين في غرناطة، واشتد الغلاء وأدرك الجوع كثيرًا من الناس وكثر السؤال. تسليم غرناطة وهنا لم يكن أمام الغرناطيين إلا التسليم بالأمان، فذهب جمع منهم إلى ملكهم محمد؛ طالبين منه أن يفاوض ملك قشتالة على التسليم بالأمان، وقد أورد صاحب نبذة العصر ما يُفيد بأن التسليم كان رغبة قائمة في نفس محمد الصغير من قبل، إلاَّ أنه خاف من العامة، فكان يُراسل ملك قشتالة سرًّا. ولهذا قطع ملك قشتالة الحرب فترة، وبقي على ما هو فيه من الحصار والتشديد، منتظرًا جهود محمد الصغير في إقناع العامة بالتسليم بالأمان، فلما أثمرت جهوده مع العامة، وذهب وفدهم إليه، سارع مستجيبًا لهم، ثم سارع مرسلاً وزراءه إلى ملك قشتالة، الذي سارع بدوره بالقبول. ونحن نذهب إلى قبول هذه الرواية وترجيحها، لا سيما وأن سيرة ملك غرناطة وطبيعة وزرائه تدفعنا لإساءة الظن بهم، ثم وجدنا الأستاذ محمد عبد الله عنان يوافق هذه الرواية –بعدما كان يرتاب فيها- لما ظهر من وثائق فيما بعدُ؛ أفادت بأن مساعي كانت تُبْذَل في الخفاء لتحقيق ما يمكن من الضمانات والمغانم الخاصة لأبي عبد الله وأسرته ووزرائه، فعُقدت معاهدة سرية مُنح فيها أبو عبد الله وأفراد أسرته ووزرائه منحًا خاصة بين ضياع وأموال نقدية وحقوق مالية وغيرها، هذا بخلاف الأملاك التي كانوا يملكونها وتصرفوا فيها بالبيع، منذ بدأت الحوادث تتجهم في غرناطة [2].