وإنما برز هذا الابتلاء في صورة الوحي المنامي إكراماً لإِبراهيم عن أن يزعج بالأمر بذبح ولده بوحي في اليقظة لأن رُؤَى المنام يعقبها تعبيرها إذ قد تكون مشتملة على رموز خفيّة وفي ذلك تأنيس لنفسه لتلقّي هذا التكليف الشاقّ عليه وهو ذبح ابنه الوحيد. وفي هذا الموقف جاء النداء { وَفَدَيْنَاهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ} [الصافات: 107]. لتظهر الحكمة وينجلي الإشكال. ففي هذا الفداء البيان من الله تعالى بإنهاء قتل الأولاد والقرابين البشرية. مصحف الحفط الميسر - الجزء الثالث و العشرون - سورة الصافات - صفحة رقم 450. وتأسست سنة جديدة أن رضا الله سبحانه لا يكون بالقتل العبثي وإنما يكون بصدقة فيها معنى الاستمتاع بأكل ما أحل الله من الطيبات وفيها كذلك معنى التكافل والتراحم { فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْبَائِسَ الْفَقِيرَ} [الحج: 28] { لَن يَنَالَ اللَّهَ لُحُومُهَا وَلَا دِمَاؤُهَا وَلَٰكِن يَنَالُهُ التَّقْوَىٰ مِنكُمْ} [الحج: 37]. فعندما نذكر سيدنا إبراهيم عليه السلام وما يتعلق من شعائر الحج بقصة إخلاصه وضرب المثل في الطاعة لربه. وعندما نذكر سنة الأضحية في عيد الأضحى، لا بد أن نربط هذه الشعائر بقصة إبطال القرابين البشرية التي عانت البشرية منها الكثير وأهدرت الكثير من دماء الأبرياء، فجاء دين الله لينقذ البشرية من سفاهات الوثنية وافتراءات سدنة المعابد ويعيد للروح الآدمية كرامتها وحرمتها { وَكَذَٰلِكَ زَيَّنَ لِكَثِيرٍ مِّنَ الْمُشْرِكِينَ قَتْلَ أَوْلَادِهِمْ شُرَكَاؤُهُمْ لِيُرْدُوهُمْ وَلِيَلْبِسُوا عَلَيْهِمْ دِينَهُمْ ۖ وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا فَعَلُوهُ ۖ فَذَرْهُمْ وَمَا يَفْتَرُونَ} [الأنعام: 137].
ليست القضية بهيِّنة ولا بالأمر السهل، إنه ذبحٌ للابن! ( قَالَ يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّابِرِينَ)، وفعلًا، استسلما وانقاد كلاهما لأمر الله، قال: ( افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ)، أي: ما أمَرَك الله به. وفديناه بذبح عظيم - طريق الإسلام. ولو قدر أن أحدا رأى مثل هذه الرؤيا فلا يحل له أن يفعل ذلك؛ لأن رؤيا غير الأنبياء لا يبنى عليها حكم ولا عمل، وليست أمرا من الله كما هنا. (فَلَمَّا أَسْلَمَا وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ)، أسلما كلاهما لله؛ إبراهيم -عليه السلام- مطاوعًا أمر الله في أن يذبح ابنه، وإسماعيل -عليه السلام- بأن يُذبح طاعة لله وبرًا بوالده دون تردد، ( وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ)، أضجعه على جنبه ووضع قدمه على صفحته ووضع السكين على عنقه ليُمِرَّها طاعةً لله، انظر -يا عبد الله- قوة الاستسلام وقوة الطواعية والامتثال لله رب العالمين، وهو غاية الإحسان والطاعة، ففي هذا الأثناء يأتيه الأمر الرباني: ( أَنْ يَا إِبْرَاهِيمُ * قَدْ صَدَّقْتَ الرُّؤْيَا)، وأطعتَ وامتثلت، وأُمر بأن يتوقف عن إتمام هذا العمل. وأشاد الله -عز وجل- بعظيم عمله، استسلامه لله وانقياده لأمر الله -عز وجل-: ( إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ).
هَذَا وَإِنَّ ذَبْحَ الْأُضْحِيَةِ عَلَى الْوَجْهِ الْمَشْرُوعِ هُوَ مِنْ تَعْظِيمِ الشَعَائِرِ، وَسَبِيلٌ لِحُصُولِ التَّقْوَى في الضَّمائر ( ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ)[الحج:32]، ( لَنْ يَنَالَ اللَّهَ لُحُومُهَا وَلَا دِمَاؤُهَا وَلَكِنْ يَنَالُهُ التَّقْوَى مِنْكُمْ)[الحج:37]. صلوا بعد ذلك على خير البرية، وأزكى البشرية.
منقول الكلمات الدلالية (Tags): لا يوجد اقتباس مشرفة قسم رمضانيات تاريخ التسجيل: 13-11-2013 المشاركات: 17650 اللهم صل على محمد وال محمد احسنتم ويبارك الله بكم شكرا لكم كثيرا مأجورين Powered by vBulletin® Copyright © 2022 MH Sub I, LLC dba vBulletin. All rights reserved. جميع الأوقات بتوقيت جرينتش+3. هذه الصفحة أنشئت 10:36 PM. يعمل...
من هو النبي الذي ظهرت عند قدميه مياه زمزم ؟ سؤال من الأسئلة المتداولة بين جموع المسلمين، فإن ماء زمزم هي أطهر ماء على وجه الأرض وأكثرها بركة، كما إنّ بئر زمزم هو أقدم الآبار في العالم ويمتد تاريخه لآلاف السنين، وإنّ بئر زمزم من الأماكن الروحية التي يقصدها كلّ مسلم عند زيارة الحرم المكي في مكة المكرمة للشرب من ماءه والاستفادة من بركتها وفضلها، فمن الطبيعي أن يتساءل المسلمون عن منشأ هذا البئر وقصة هذه المياه، وفي هذا المقال سنعمل على توضيح وشرح قصة ماء زمزم.
وكان إبراهيم وحيداً لا ذرية له ، فتوجه إلى ربه يسأله الذرية المؤمنة والخلف الصالح: { رب هب لي من الصالحين}( الصافات 100) ، فاستجاب الله دعاء عبده وخليله ، وبشره بغلام حليم هو إسماعيل عليه السلام. وفديناه بذبح عظيم. ولنا أن نتصور هذا الشيخ الكبير الوحيد المهاجر ، الذي ترك أهله وعشيرته ، كيف ستكون فرحته بهذا الولد ؟ وقد جاءه على كبر سنه ، وانقطاعه عن الأهل والعشيرة. ولم يلبث الولد أن شبَّ وكبر ، وفي كل يوم يزداد تعلق قلب الوالد به ، حتى بلغ معه السعي فصار يرافقه في شؤونه ، ويعينه على مصالح الحياة ، ولم يكد يأنس به ، ويؤمل فيه ، حتى رأى الوالد في منامه أنه يذبح ولده ، وهنا جاء الامتحان والابتلاء ( المبين) الواضح كما سماه الله. أعظمه من أمر ، وما أشقه على نفس الوالد ، فهو لم يُطلَب منه أن يرسل بابنه الوحيد إلى ساحات القتال ، ولم يُطْلب منه أن يكلفه أمراً تنتهي به حياته ، إنما طُلِب منه أن يتولى هو ذبحه بيده ، ومع ذلك لم يتردد ولم يتروَّ في الأمر ، بل تلقاه بكل رضى وتسليم ، ولبى من غير تردد ، واستسلم من غير جزع ولا اضطراب. وأقبل على ولده يعرض عليه هذا الأمر العظيم ، ليكون أهون عليه ، وليختبر صبره وجلده ، وليستجيب طاعةً لله ، واستسلاماً لأمره ، فينال الأجر والمثوبة ، فما كان من أمر الغلام إلا أن قال: { يا أبت افعل ما تؤمر ستجدني إن شاء الله من الصابرين} ( الصافات 102).