فهل لي من توبة, وهل إذا تألى أحد على ربه يستطيع أن يتوب إليه فيغفر له حتى لو قالها بلسانه. وأسأل الله تبارك وتعالى أن يعيذني وإياكم من الوقوع في مثل هذه الأخطاء ؟ الإجابــة الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد: فلا شك في أن التألي على الله منهي عنه، ففي صحيح الإمام مسلم من حديث جندب أن رسول الله صلى الله عليه وسلم حدث أن رجلا قال: والله لا يغفر الله لفلان، وأن الله تعالى قال: من ذا الذي يتألى علي أن لا أغفر لفلان؟! فإني قد غفرت لفلان وأحبطت عملك. التألي على الله. وفي شعب الإيمان للبيهقي من حديث جندب قال: وطئ رجل على عنق رجل وهو يصلي، فقال الرجل: والله لا يغفر لك هذا أبدا، فقال الله عز وجل: من هذا الذي يتألى علي أن لا أغفر له؟! فقد غفرت له وأحبطت عملك. ولكن ما ذكرته من حالك ليس من هذا الباب، لأن هذا الذي صدر منك هو مجرد حديث نفس، والله تعالى يتجاوز عنه، فقد قال صلى الله عليه وسلم: إن الله تجاوز عن أمتي ما حدثت به أنفسها ما لم تعمل أو تتكلم. متفق عليه. وحتى على افتراض أنك تكلمت بما حدثت به نفسك، فإنه يعتبر مجرد إخبار وليس فيه تأل على الله. وحتى على افتراض أنك تأليت على الله، -وهو افتراض جدلي- فإن ما ذكرت أنك صرت فيه بعد هذه الحادثة من تفهم لمعاني القرآن وتركيز في الصلاة، والبكاء أحيانا من خشية الله, يعتبر توبة حسنة مقبولة -إن شاء الله- عند الله تعالى.
وفي حديث أبي هريرة أنه كان رجلا عابدا، الذي حمله غيرته، حملته عبادته التي كان يتعبدها على أن قال هذا الكلام السيئ، وهذا يفيد أن الإنسان قد يغار غيرة فاسدة قد يجترئ بها على الله، قد يكون عابدا غيورا لله لكن توقعه غيرته في الإثم، قد يكون غيورا فيتكلم بكلام لا ينبغي مثل هذا الكلام، قد يكون غيورا فيأمر بمنكر وينهى عن معروف على غير بصيرة، قد يكون غيورا فينكر منكرا على غير بصيرة، فلا بد من التقيد بالحدود الشرعية في الغيرة في إنكار المنكر، لا بد من الحدود التي حدها الله تلزمها ولا تتعداها.
فيجب على الإنسان أن يدرك أن كل كلمة تخرج من فمه فإنه محاسب عليها، فهي إما له وإما عليه يقول الله تعالى: (مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ) سورة ق الآية 18. وجاء في الحديث عن أم حبيبة زوج النبي صلى الله عليه وسلم عن النبي صلى الله عليه وسلم قال حزينة كل كلام ابن آدم عليه لا له إلا أمر بمعروف أو نهي عن منكر أو ذكر الله) رواه الترمذي وقال: حديث حسن. وعن عقبة بن عامر رضي الله عنه قال: (قلت يا رسول الله ما النجاة؟ قال أمسك عليك لسانك وليسعك بيتك وابك على خطيئتك) رواه الترمذي وقال: حديث حسن. ومن فلتات اللسان الخطيرة على المسلم (التألي على الله عز وجل) ، فقد روى مسلم في صحيحه: عن جندب أن رسول الله صلى الله عليه وسلم « حدث أن رجلا قال: والله لا يغفر الله لفلان، وأن الله تعالى قال: من ذا الذي يتألى عليّ أن لا أغفر لفلان فإني قد غفرت لفلان وأحبطت عملك ». قال النووي - رحمه الله -:( قوله صلى الله عليه وسلم « أن رجلا قال: والله لا يغفر الله لفلان وأن الله تعالى قال من ذا الذي يتألى علي أن لا أغفر لفلان فإني قد غفرت لفلان وأحبطت عملك » معنى يتألى: يحلف، والألية: اليمين، وفيه دلالة لمذهب أهل السنة في غفران الذنوب بلا توبة إذا شاء الله غفرانها) [شرح مسلم (16/174)].