دلالة قوله تعالى: ﴿ وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسَانِ إِلَّا مَا سَعَى ﴾ على انتفاع الميت بسعي الأحياء الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين، وعلى آله وصحبه أجمعين.
(وَأَنْ) الواو حرف عطف وأن معطوف على أن المخففة (لَيْسَ لِلْإِنْسانِ) ماض ناقص وللإنسان خبر مقدم (إِلَّا) حرف حصر (ما) مصدرية (سَعى) ماض فاعله مستتر والمصدر المؤول من ما والفعل في محل رفع اسم ليس.. إعراب الآية (40): {وَأَنَّ سَعْيَهُ سَوْفَ يُرى (40)}. (وَأَنَّ سَعْيَهُ) أن واسمها (سَوْفَ) حرف استقبال (يُرى) مضارع مبني للمجهول والجملة خبر أن والمصدر المؤول من أن وما بعدها معطوف على المصدر المؤول السابق.. إعراب الآية (41): {ثُمَّ يُجْزاهُ الْجَزاءَ الْأَوْفى (41)}. (ثُمَّ) حرف عطف (يُجْزاهُ) مضارع مبني للمجهول ونائب الفاعل مستتر والهاء مفعوله الثاني (الْجَزاءَ) مفعول مطلق (الْأَوْفى) صفة.. إعراب الآية (42): {وَأَنَّ إِلى رَبِّكَ الْمُنْتَهى (42)}. (وَأَنَّ) حرف مشبه بالفعل (إِلى رَبِّكَ) خبرها المقدم (الْمُنْتَهى) اسمها المؤخر والجملة معطوفة على ما قبلها.. إعراب الآية (43): {وَأَنَّهُ هُوَ أَضْحَكَ وَأَبْكى (43)}. وليس للانسان الا ما سعى. (وَأَنَّهُ) أن واسمها (هُوَ) مبتدأ (أَضْحَكَ) ماض فاعله مستتر والجملة الفعلية خبر هو وجملة هو أضحك خبر أن (وَأَبْكى) معطوف على أضحك.. إعراب الآية (44): {وَأَنَّهُ هُوَ أَماتَ وَأَحْيا (44)}.
فكل هذا وغيره يدل على أن الإنسان قد ينتفع بعمل غيره، ولا ينافي ذلك صريح الآية حسب ما ذكرنا. على أنك إذا أعدت النظر في الآية، وأعملت الفكر فيها، علمت أن الإنسان لا يملك أن يقول لشيء: هو لي، أو يصف شيئًا بأنه له، إلا إذا سعى إليه بعمله، وحازه بجهده وكسبهº أما ما وراء ذلك من أمور، من رحمة وتوفيق ومضاعفة أجر ونحو ذلك، فلا يوصف بالتملك إلا على سبيل التجوز، والإلحاق بما هو من كسبه وسعيه. وأن ليس للإنسان إلا ما سعى – الحياة العربية. ثم يقال أيضًا: إن العبد إن لم يسع ويجد ويكد ليكون من المؤمنين الصالحين، ومن عباد الله المتقين، لا يمكن أن ينال منـزلة القرب من آبائه المؤمنين. فإيمان العبد وطاعته - كما ترى - سعي منه في انتفاعه بعمل غيره من المسلمينº كما يقع في صلاة الجماعة، فإن صلاة المصلين في جماعة بعضهم مع بعض يتضاعف بها الأجر زيادة على صلاتهم فرادى، وتلك المضاعفة انتفاع بعمل الغير، سعى فيه المصلي بإيمانه، وصلاته مع الجماعة، ولم يكن ليحصل له من الأجر لو صلى منفردًا، ما يحصل له لو صلى في جماعة. وإذا كان الأمر كذلك، تبين أن تلك المنزلة لم تنل إلا بسعي العبد نفسه ليلحق بآبائه، وإلا فمجرد الانتساب إليهم، والقرابة منهم لا يرفعه ولا يؤهله لنيل منـزلتهم بحال من الأحوال، فثبت بهذا أن المعول عليه أولاً وقبل كل شيء سعي العبد وكسبه.