وعنوان قصيدته رمزية لا تخفى على من له ذائقة أدبية رفيعة وحس تاريخي يقظ (رسالة المتنبي الأخيرة إلى سيف الدولة). قرأت القصيدة مرة ومرتين وثلاثا، بل أنشدتها وكأنني في مجلس سيف الدولة الحمداني عام 345هـ متنبي ذلك الزمان يقول كلمته الأخيرة لسيف الدولة هذا العصر، وهنا وقعت في حيرة، كيف أفسر المفسر وأشرح المشروح ؟! إنها قصيدة رمزية تتقافز بين صورها الفخمة فروسية نفس عزيزة محبة يعز عليها العتاب قبل الوداع. بيني وبينك ألف واش فعلام أسهب في الغناء وأطنب لم أجرؤ على نثر المعاني المنثورة بسخاء في معمار القصيدة المكون من خمسة وعشرين بيتا، بل رأيت أن التقديم لقصيدة يصدح كل حرف فيها بحرقة معانيها إثقال لا داعي له؛ فآثرت الاعتذار، وعدت بها إلى رئيس التحرير متعللا بقرب موعد سفري إلى الشرقية. قال: من الموجود الآن؟ قلت: راشد الحمدان. فأخذ ورقة صغيرة وكتب عليها توجيها للأستاذ راشد بكتابة مقدمة لها، وهو ما تم -كما علمت- بعد أن أجرى الأستاذ خالد بخط يده تعديلاً على ما كتبه الأستاذ راشد مقدمة لها. نشرت (الجزيرة) القصيدة في حلة زاهية كالمعتاد يوم الثلاثاء وكان غازي حينها وزيرا للصحة بينما كان في طريقه لعمله، وفي يوم الخميس تمت إقالته من منصبه، وتبعه رئيس التحرير، ولكن غازي عين لاحقا سفيرا في البحرين ثم في لندن ثم وزيرا للمياه والكهرباء، ثم العمل، وعاد الأستاذ خالد رئيسا لتحرير الجزيرة ثانية عام 1419هـ بعد غيبة أربعة عشر عاما عنها.
شرح رسالة المتنبي الأخيرة إلى سيف الدولة
عندما يتاح لي أن اكتب, ذات يوم, سيرتي الذاتية الكاملة فقد يكون للدارما الإنسانية مكانها في السيرة أما في هذا الكتاب, السيرة من الناحية الإدارية, لايصعب فهم ماحدث. أراد الوزير أن يتخذ إجراءات أعتقد أنها ضرورية, ولم يوافق الملك. أوضح الوزير للملك, بلا أي غموض, أنه لايستطيع أن يبقى في موقعه إذا لم تُتخذ هذه الإجراءات. نصح الملك الوزير. مره بعد مره أن يتذرع بالصبر وأن يبقى في موقعه, فجرّ الوزير الموقف عندما نشر قصيدة ( رسالة المتنبي الأخيرة إلى سيف الدولة ". كان نشر القصيدة خروجاً صارخاً عن قواعد اللعبة السياسية / الإجتماعية / الإدارية في المملكة: هذه القواعد لاتجيز بحث أي خلاف في العلن فضلاً عن النشر في الصحف, فضلاً عن خلاف مع رئيس الدولة. لم يكن أمام الملك بعد نشر القصيدة خيار. بعد أسابيع قليلة من نشر القصيدة صدر أمر ملكي بإعفائي من وزارة الصحة. أعتقد ولا أعلم أن الإعفاء تراخى بعض الوقت لإن الملك أراد أن يختار التوقيت, لا أن يُفرض عليه التوقيت فرضاً.. هذا كل ماحدث, إلا أن اصحاب نظرية المؤامرة كان لهم تفسير آخر بهذا أن إنتهت كل مفرقعاتي الإعلامية, عندما أفلست من المبادرات, عندما تبينت أني سوف أفشل فشلاً ذريعاً في وزارة الصحة أخترعت أزمة بعد أزمة, ومشكلة بعد مشكلة, حتى أخرج لاخروج الفاشلين بل خروج الأبطال.