واختلف أهل التأويل في "العقود" التي أمر الله جل ثناؤه بالوفاء بها بهذه الآية ، بعد إجماع جميعهم على أن معنى"العقود " ، العهود. فقال بعضهم: هي العقود التي كان أهل الجاهلية عاقد بعضهم بعضا على النصرة والمؤازرة والمظاهرة على من حاول ظلمه أو بغاه سوءا ، وذلك هو معنى"الحلف" الذي كانوا يتعاقدونه بينهم. ذكر من قال: معنى"العقود" ، العهود. 10893 - حدثني المثنى قال: حدثنا عبد الله بن صالح قال: حدثني [ ص: 450] معاوية بن صالح ، عن علي ، عن ابن عباس قوله: " أوفوا بالعقود " ، يعني: بالعهود. 10894 - حدثني محمد بن عمرو قال: حدثنا أبو عاصم قال: حدثنا عيسى ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد في قول الله جل وعز: " أوفوا بالعقود " ، قال: العهود. 10895 - حدثني المثنى قال: حدثنا أبو حذيفة قال: حدثنا شبل ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، مثله. تفسير قول الله تعالى: (يا أيها الذين آمنوا أوفوا بالعقود أحلت لكم بهيمة الأنعام). 10896 - حدثنا سفيان قال: حدثنا أبي ، عن سفيان ، عن رجل ، عن مجاهد ، مثله. 10897 - حدثنا ابن وكيع قال: حدثنا عبيد الله ، عن أبي جعفر الرازي ، عن الربيع بن أنس قال: جلسنا إلى مطرف بن الشخير وعنده رجل يحدثهم ، فقال: " يا أيها الذين آمنوا أوفوا بالعقود " ، قال: هي العهود. 10898 - حدثنا المثنى قال: حدثنا إسحاق قال: حدثنا عبد الله بن أبي جعفر ، عن أبيه ، عن الربيع: " أوفوا بالعقود " ، قال: العهود.
10899 - حدثنا ابن وكيع قال: حدثنا أبو خالد الأحمر ، عن جويبر ، عن الضحاك: " يا أيها الذين آمنوا أوفوا بالعقود " ، قال: هي العهود. 10900 - حدثت عن الحسين بن الفرج قال: سمعت أبا معاذ يقول ، أخبرنا عبيد بن سليمان قال: سمعت الضحاك يقول: " أوفوا بالعقود " ، بالعهود. [ ص: 451] 10901 - حدثنا الحسن بن يحيى قال: أخبرنا عبد الرزاق ، عن معمر ، عن قتادة في قوله: " أوفوا بالعقود " ، قال: بالعهود. 10902 - حدثنا محمد بن الحسين قال: حدثنا أحمد بن المفضل قال: حدثنا أسباط ، عن السدي: " أوفوا بالعقود " ، قال: هي العهود. 10903 - حدثني الحارث قال: حدثنا عبد العزيز قال: سمعت الثوري يقول: " أوفوا بالعقود " ، قال: بالعهود. 10904 - حدثنا القاسم قال: حدثنا الحسين قال: حدثني حجاج ، عن ابن جريج ، عن مجاهد ، مثله. قال أبو جعفر: و"العقود " جمع "عقد" ، وأصل "العقد" ، عقد الشيء بغيره ، وهو وصله به ، كما يعقد الحبل بالحبل ، إذا وصل به شدا. تفسير سورة المائدة: قوله تعالى: يا أيها الذين آمنوا أوفوا بالعقود. يقال منه: "عقد فلان بينه وبين فلان عقدا ، فهو يعقده" ، ومنه قول الحطيئة: قوم إذا عقدوا عقدا لجارهم شدوا العناج وشدوا فوقه الكربا [ ص: 452] وذلك إذا واثقه على أمر وعاهده عليه عهدا بالوفاء له بما عاقده عليه ، من أمان وذمة ، أو نصرة ، أو نكاح ، أو بيع ، أو شركة ، أو غير ذلك من العقود.
هذا أمر من الله تعالى لعباده المؤمنين بما يقتضيه الإيمان بالوفاء بالعقود، أي: بإكمالها، وإتمامها، وعدم نقضها ونقصها. وهذا شامل للعقود التي بين العبد وبين ربه، من التزام عبوديته، والقيام بها أتم قيام، وعدم الانتقاص من حقوقها شيئا، والتي بينه وبين الرسول بطاعته واتباعه، والتي بينه وبين الوالدين والأقارب، ببرهم وصلتهم، وعدم قطيعتهم. يا أيها الذين آمنوا أوفوا بالعقود أحلت لكم بهيمة الأنعام. والتي بينه وبين أصحابه من القيام بحقوق الصحبة في الغنى والفقر، واليسر والعسر، والتي بينه وبين الخلق من عقود المعاملات، كالبيع والإجارة، ونحوهما، وعقود التبرعات كالهبة ونحوها، بل والقيام بحقوق المسلمين التي عقدها الله بينهم في قوله: { إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ ْ} بالتناصر على الحق، والتعاون عليه والتآلف بين المسلمين وعدم التقاطع. فهذا الأمر شامل لأصول الدين وفروعه، فكلها داخلة في العقود التي أمر الله بالقيام بها ثم قال ممتنا على عباده: { أُحِلَّتْ لَكُمْ ْ} أي: لأجلكم، رحمة بكم { بَهِيمَةُ الْأَنْعَامِ ْ} من الإبل والبقر والغنم، بل ربما دخل في ذلك الوحشي منها، والظباء وحمر الوحش، ونحوها من الصيود. واستدل بعض الصحابة بهذه الآية على إباحة الجنين الذي يموت في بطن أمه بعدما تذبح.
أي إغلاظًا. ويقال في ذلك: هجر وأهجر. وقيلك معناه اربطوهن في المضاجع بالهجار كما يربط البعير به وهو حبل يشد به البعير، فهي في معنى اضربوهن. وقال الطبري: وقد أشار البخاري أن هجرانهن يكون في غير بيوتهن استنانًا بالنبي صلى الله عليه وسلم، لما فيه من الرفق بالنساء وهو قول مخالف للآية. قال بعضهم: وقد فسر النبي صلى الله عليه وسلم مقدار ذلك الهجران بإيلائه شهرًا من أزواجه حين أسر إلى حفصة سرًا فأفشته إلى عائشة وتظاهرتا عليه، فقيل: إنه كان أصاب جاريته مرية في بيت حفصة ويومها، وقيل: في يوم عائشة وسأل حفصة أن تكتم ذلك، فأخبرت عائشة، وقيل: إنه شرب عسلًا في بيت زينب، وذلك الهجران لا يبلغ به الإيلاء أربعة أشهر. وقوله تعالى: {واضربوهن}: الضرب هنا يعني به الضرب غير المبرح. وقال قتادة: هو غير الشائن. وقال الحسن: هو غير مؤثر. وسئل ابن عباس عن الضرب غير المبرح، قال: بالشراك أو نحوه. وقال النبي عليه الصلاة والسلام: ((فاضربوا النساء إذا عصينكم في معروف ضربًا غير مبرح))، وهو إشارة منه عليه الصلاة والسلام إلى تفسير الآية. وقد اختلف في ضرب النساء الضرب غير المبرح فرأى قوم أن أفضل ما يتخلق به الرجال الصفح عنهن على ما صح في الخبر عن النبي صلى الله عليه وسلم من
فلا تحرِّموها، وحرمت عليكم الصيد وأنتم حرُم [9] فلا تُحلُّوه، وسلموا الأمر لي فلا تُنازعوا فيما أُحلُّ وأحرِّم؛ فإني أحكم ما أريد، وقوله: ﴿ إِنَّ اللَّهَ يَحْكُمُ مَا يُرِيدُ ﴾ [المائدة: 1] فهذه الجملة تقتضي تسليم الأمر لله، فلا اعتراض عليه فيما يحلُّ ويُحرِّم، وهو كذلك.