ودلالة كلمة ( عَلِم الله) فعل ماض وهو يفيد حسب السياق وتعلقه بالواقع دلالة العلم بما حصل أو ما سوف يحصل وذلك بناء على علم بطبيعة الشيء وحركته وقدراته وظروفه ، فالإنسان كائن محدود القدرات الجسمية والنفسية والعقلية ومنطقياً انه محتاج ويتعب ويمرض.
ولما كان تحرير الوقت المأمور به مشقة على الناس، أخبر أنه سهل عليهم في ذلك غاية التسهيل فقال: { { وَاللَّهُ يُقَدِّرُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ}} أي: يعلم مقاديرهما وما يمضي منهما ويبقى. تفسير سورة المزمل الآية 20 تفسير الطبري - القران للجميع. { { عَلِمَ أَنْ لَنْ تُحْصُوهُ}} أي: [لن] تعرفوا مقداره من غير زيادة ولا نقص، لكون ذلك يستدعي انتباها وعناء زائدا أي: فخفف عنكم، وأمركم بما تيسر عليكم، سواء زاد على المقدر أو نقص، { { فَاقْرَءُوا مَا تَيَسَّرَ مِنَ الْقُرْآنِ}} أي: مما تعرفون ومما لا يشق عليكم، ولهذا كان المصلي بالليل مأمورا بالصلاة ما دام نشيطا، فإذا فتر أو كسل أو نعس، فليسترح، ليأتي الصلاة بطمأنينة وراحة. ثم ذكر بعض الأسباب المناسبة للتخفيف، فقال: { { عَلِمَ أَنْ سَيَكُونُ مِنْكُمْ مَرْضَى}} يشق عليهم صلاة ثلثي الليل أو نصفه أو ثلثه، فليصل المريض المتسهل عليه ، ولا يكون أيضا مأمورا بالصلاة قائما عند مشقة ذلك، بل لو شقت عليه الصلاة النافلة، فله تركها [وله أجر ما كان يعمل صحيحا]. { { وَآخَرُونَ يَضْرِبُونَ فِي الْأَرْضِ يَبْتَغُونَ مِنْ فَضْلِ اللَّهِ}} أي: وعلم أن منكم مسافرين يسافرون للتجارة، ليستغنوا عن الخلق، ويتكففوا عن الناس أي: فالمسافر، حاله تناسب التخفيف، ولهذا خفف عنه في صلاة الفرض، فأبيح له جمع الصلاتين في وقت واحد، وقصر الصلاة الرباعية.
والهاء قي قوله " منه " من ذكر القرآن.
وللقوم في كون المراد بقيام الليل الصلاة فيه أو قراءة القرآن خارج الصلاة، وعلى الأول في كونه واجبا على النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) والمؤمنين أو مستحبا للجميع أو واجبا على النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) مستحبا لغيره ثم في نسخ الحكم بالتخفيف بما تيسر بهذه الآية أو تبديل الصلاة من قراءة ما تيسر من القرآن أقوال لا كثير جدوى في التعرض لها والبحث عنها. وقوله: ﴿علم أن سيكون منكم مرضى وآخرون يضربون في الأرض يبتغون من فضل الله وآخرون يقاتلون في سبيل الله﴾ إشارة إلى مصلحة أخرى مقتضية للتخفيف في أمر القيام ثلث الليل أو نصفه أو أدنى من ثلثيه، وراء كونه شاقا على عامة المكلفين بالصفة المذكورة أولا فإن الإحصاء المذكور للمريض والمسافر والمقاتل مع ما هم عليه من الحال شاق عسير جدا. صالحون وعبّاد ابتلوا بهذه الأمراض.. أغرب الحكايات. والمراد بالضرب في الأرض للابتغاء من فضل الله طلب الرزق بالمسافرة من أرض إلى أرض للتجارة. وقوله: ﴿فاقرءوا ما تيسر منه وأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة وأقرضوا الله قرضا حسنا﴾ تكرار للتخفيف تأكيدا، وضمير ﴿منه﴾ للقرآن، والمراد الإتيان بالصلاة على ما يناسب سعة الوقت الذي قاموا فيه. والمراد بالصلاة المأمور بإقامتها الفريضة فإن كانت الآية مدنية فالفرائض الخمس اليومية وإن كانت مكية فبحسب ما كانت مفروضة من الصلاة، والمراد بالزكاة الزكاة المفروضة، والمراد بإقراضه تعالى غير الزكاة من الإنفاقات المالية في سبيل الله.
قال: ثنا وكيع، عن ربيع، عن الحسن، قال: من قرأ مئة آية في ليلة لم يحاجه القرآن. قال ثنا وكيع، عن الأعمش، عن أبي صالح، عن كعب، قال: من قرأ في ليلة مئة آية كُتب من العابدين.
حَتّى كانَ الرَّجُلُ يَرْبُطُ الحَبْلَ ويَتَعَلَّقُ، فَمَكَثُوا بِذَلِكَ ثَمانِيَةَ أشْهُرٍ، فَرَأى اللَّهُ ما يَبْتَغُونَ مِن رِضْوانِهِ فَرَحِمَهُمْ، فَرَدَّهم إلى الفَرِيضَةِ، وتَرَكَ قِيامَ اللَّيْلِ. قالَ ابْنُ كَثِيرٍ: والحَدِيثُ في "الصَّحِيحِ" بِدُونِ زِيادَةِ نُزُولِ هَذِهِ السُّورَةِ، وهَذا السِّياقُ قَدْ يُوهِمُ أنَّ نُزُولَ هَذِهِ السُّورَةِ بِالمَدِينَةِ، ولَيْسَ كَذَلِكَ، وإنَّما هي مَكِّيَّةٌ. انْتَهى كَلامُهُ. ايات القران التي تتكلم عن: الزكاه. (p-٥٩٦٥)أقُولُ: وبِمِثْلِ هَذِهِ الرِّوايَةِ يُسْتَدَلُّ عَلى أنَّ مُرادَ السَّلَفِ بِقَوْلِهِمْ: ونَزَلَتِ الآيَةُ، الِاسْتِشْهادُ بِها في قَضِيَّةٍ تَنْطَبِقُ عَلَيْها، كَما بَيَّنّاهُ مِرارًا. وأُخْرِجَ أيْضًا عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ قالَ: أمَرَ اللَّهُ نَبِيَّهُ والمُؤْمِنِينَ بِقِيامِ اللَّيْلِ إلّا قَلِيلًا، فَشَقَّ ذَلِكَ عَلى المُؤْمِنِينَ، ثُمَّ خَفَّفَ عَنْهم فَرَحِمَهُمْ، وأنْزَلَ اللَّهُ بَعْدَ هَذا: ﴿عَلِمَ أنْ سَيَكُونُ مِنكُمْ﴾ الآيَةَ. فَوَسَّعَ اللَّهُ -ولَهُ الحَمْدُ- ولَمْ يُضَيِّقْ. وعَنْ أبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ قالَ: لَمّا نَزَلَتْ: ﴿يا أيُّها المُزَّمِّلُ﴾ [المزمل: ١] قامُوا بِها حَوْلًا حَتّى ورِمَتْ أقْدامُهم وسُوقُهُمْ، حَتّى نَزَلَتْ: ﴿فاقْرَءُوا ما تَيَسَّرَ مِنهُ﴾ فاسْتَراحَ النّاسُ.