وقال ابن عثيمين: وصنع الطعام لأهل الميت إنما هو سُنّة لمن انشغلوا عن إصلاح الطعام بما أصابهم من مصيبة لقوله صلى الله عليه وسلم: فإنه قد جاءهم مَا يَشْغَلُهُمْ وهذا يدل على أنه ليس بسُنّة مطلقاً. لقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم نِعْمَ الصاحب لأصحابه يشاركهم في مشاعرهم ويشعر بآلامهم وآمالهم ويقف معهم في أحزانهم وأفراحهم ويساعد في رفْع الحزن والأسى عنهم ويجعل لهم من ألمهم أملا وله في ذلك مواقف كثيرة تدل على منهج تربوي أخلاقي في تعامل المسلم مع أصحابه ومن ذلك موقفه مع أهل وأولاد جعفر بن أبي طالب بعد استشهاده في مؤتة وقد قال صلوات الله وسلامه عليه: (مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم مثل الجسد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحُمَّى) رواه مسلم.
وفي معاملته صلى الله عليه وسلم لأصحابه من حسن الخُلق ما لا يخفي، فقد كان يقضي حوائجهم، ويتواضع معهم، ويشاركهم في مزاحهم - ولم يكن مزاحه معه إلاَّ حقّاً-، ويجيب دعوتهم، ويزور مرضاهم، ويشهد جنائزهم، ويدعو لهم ولأبنائهم، ويشفق عليهم، ويشعر بآلامهم وآمالهم.. فعن سهل بن حنيف رضي الله عنه قال: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يأتي ضعفاء المسلمين ويزورهم، ويعود مرضاهم، ويشهد جنائزهم) رواه الحاكم، وعن أنس رضي الله عنه قال: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يزور الأنصار، فيسلم على صبيانهم، ويمسح برؤوسهم، ويدعو لهم) رواه النسائي. ومن صور حب النبي صلى الله عليه وسلم لأصحابه ومعاملته لهم: مشاركتهم في مشاعرهم، ومواساتهم وأهلهم وأولادهم في مُصابهم، ومحاولة رفْع الحزن والأسى عنهم، وله في ذلك مواقف كثيرة، ومن ذلك موقفه صلى الله عليه وسلم مع أهل جعفر بن أبي طالب رضي الله عنه بعد مقتله واستشهاده في غزوة ومعركة مؤتة.
وسبق لنا -أيضا- في مسألة البكاء على الميت ذكرناه وذكرنا الحكم؛ وقلنا: إنه على أقسامٍ، والبكاء على الميت مثلما سبق في الزيارة، البكاء قد يكون بكاء مندوبا محبوبا مشروعا، وهو أن يبكي على إنسان لفقده لفضله ولدينه ولعلمه، فبكى عليه محبة في الله لمحبته في الله، فهذا البكاء بكاء مشروع ويؤجر عليه، والأعمال بالنيات. والنوع الثاني: البكاء، البكاء المباح مثل أن يبكي على إنسان؛ لفقده إياه، لأنه يصله في الدنيا أو لبره له بالمال أو ما أشبه ذلك، أو لأنه يحبه على أمر من أمور الدنيا، فالمحبة بينهما على أمر من أمور الدنيا ليست على أمر فهو بكاء مباح، وليس محرما فليس له ولا عليه. النوع الثاني من البكاء، البكاء المحرم وهو البكاء بلوع زائد، بمعنى كما سبق بأن يكون فيه صراخ وعويل أو نوح، فهذا النوع الثالث نوع محرم. (1) الترمذي: الجنائز (998), وأبو داود: الجنائز (3132), وابن ماجه: ما جاء في الجنائز (1610). (2) الترمذي: الجنائز (998), وأبو داود: الجنائز (3132), وابن ماجه: ما جاء في الجنائز (1610).