والواقع شاهد على ذلك؛ حيث إن كل إنسان يعلم من نفسه أن له مشيئةً وقدرة واختيارًا فيما يفعل ويترك، على أن مشيئة العبد وقدرته واختياره واقعة بمشيئة الله تعالى وقدرته؛ قال تعالى: {وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا حَكِيمًا} [الإنسان: 30].
2- غنى الله الكامل عن العباد؛ حيث لا تنفعه طاعة المطيع، كما لا تضره معصية العاصي، وغناه تعالى شامل ومطلق؛ وهذا يفيد في طمأنينة القلب عند المؤمن في هذا الباب، وأن الله ليس بحاجة إلى العباد حتى يجبرهم أو يعذبهم بغير ذنب يستحقون العقاب عليه. 3- القاعدة الثالثة: وهي مبنية على القاعدة السابقة، وهي أن الله تعالى لا يظلم، وقد حرم على نفسه الظلم، ونفاه في كتابه فقال تعالى ﴿ وَلَا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا ﴾ [الكهف: 49]، وفي معنى هذه الآية آيات كثيرة تنفي عن الله تعالى ظلم العباد لا في عقوباتهم في الدنيا ولا في جزائهم في الآخرة. آخر الأسئلة في وسم الاحتجاج - أسهل إجابة. وهذه قاعدة مهمة في باب الاحتجاج بالقدر؛ فإذا توهم العبد أو وسوس له الشيطان؛ فليتذكر أن الله لا يظلمه مثقال ذرة، حتى يطمئن قلبه. وهذا الذي أجاب به بعض السلف حين قال شخص محتجًا بالقدر، قال: لأن الله لا يظلمك. 4- قيام الحجة على العباد، وهذه مسألة يجب أن يدركها كل مسلم، ومقتضاها أن حجة الله قد قامت على عباده، وقيام الحجة على العباد بأمور منها: أ- أن لا يكلف إلا البالغ العاقل؛ فالصغير والمجنون قد رفع عنه القلم. ب- وجود الإرادة للعبد؛ ففاقد الإرادة المكره لا يكلف، وحصول هذه الإرادة للعبد مما لا ينكره أي عاقل؛ وبهذه الإرادة يختار بين الطاعة والمعصية.
5ـ أنه يترتب على الاحتجاج بالقدر على الذنوب تعطيل الشرائع والحساب والمعاد والثواب والعقاب. 6- لو كان القدر حجة لأهل المعاصي لاحتج به أهل النار ، إذا عاينوها ، وظنوا أنهم مواقعوها ، كذلك إذا دخلوها ، وبدأ توبيخهم وتقريعهم ، لكن الواقع أنهم لم يحتجوا به ، بل إنهم يقولون كما قال الله عز وجل عنهم: ( رَبَّنَا أَخِّرْنَا إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ نُجِبْ دَعْوَتَكَ وَنَتَّبِعِ الرسل) إبراهيم/44. ويقولون: ( ربنا غلبت علينا شقوتنا) المؤمنون/106 وقالوا: ( لَوْ كُنَّا نَسْمَعُ أَوْ نَعْقِلُ مَا كُنَّا فِي أَصْحَابِ السَّعِيرِ) الملك/10. الاحتجاج بالقدر على فعل المعاصي والرد على ذلك. و ( قَالُوا لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ) المدثر/44 ، إلى غير ذلك مما يقولون. ولو كان الاحتجاج بالقدر على المعاصي سائغاً لاحتجوا به ؛ فهم في بأمس الحاجة إلى ما ينقذهم من نار جهنم. 7- لو كان الاحتجاج بالقدر صحيحا لكان حجة لإبليس الذي قال: ( قَالَ فَبِمَا أَغْوَيْتَنِي لأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِرَاطَكَ الْمُسْتَقِيمَ) الأعراف/16 ، ولتساوى فرعون عدو الله ، مع موسى كليم الله عليه السلام. 8- ومما يرد هذا القول ، ويبين فساده: أننا نرى الإنسان يحرص على ما يلائمه في أمور دنياه حتى يدركه ، ولا تجد شخصا يترك ما يصلح أمور دنياه ويعمل بما يضره فيها بحجة القدر فلماذا يعدل عما ينفعه في أمور دينه إلى ما يضره ثم يحتج بالقدر ؟!
الاحتجاج بالقدر على فعل المعاصي والرد على ذلك هناك عدة شبه في باب القدر، لكن أكثرها شيوعًا عند كل من انحرف عن الطريق المستقيم الشبه الآتية: الشبهة الأولى هي: أن كل من أذنب ذنبًا، أو ارتكب معصية فإنه يحتج بأنه مقدر عليه، وأنه أمر مقدور، حاصل لا محالة؛ ومن ثم فما ذنب العاصي في معصيته، مادامت مكتوبة عليه، وهؤلاء يستدلون بأن آدم عليه السلام قد احتج بالقدر، وأن الرسول صلى الله عليه وسلم قد قال: حج آدم موسى؛ وذلك في الحديث الذي رواه أبو هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "احتج آدم وموسى، فقال موسى: يا آدم! أنت أبونا خيبتنا، وأخرجتنا من الجنة، قال له آدم: يا موسى! اصطفاك الله بكلامه، وخط لك بيده، أتلومني على أمر قد قدره الله عليّ قبل أن أخلق بأربعين سنة؟ فحج آدم موسى -ثلاثًا" [1].
وبالجملة فإن الاحتجاج بالقدر على فعل المعاصي ، أو ترك الطاعات احتجاج باطل في الشرع ، والعقل ، والواقع. ومما تجدر الإشارة إليه أن احتجاج كثير من هؤلاء ليس ناتجاً عن قناعة وإيمان ، وإنما هو ناتج عن نوع هوى ومعاندة ، ولهذا قال بعض العلماء فيمن هذا شأنه: " أنت عند الطاعة قدري ، وعند المعصية جبري ، أي مذهب وافق هواك تمذهبت به " ( مجموع الفتاوى 8/107) يعني أنه إذا فعل الطاعة نسب ذلك نفسه ، وأنكر أن يكون الله قدر ذلك له ، وإذا فعل المعصية احتج بالقدر. قال شيخ الإسلام ابن تيمية ـ رحمه الله ـ عن المحتجين بالقدر: " هؤلاء القوم إذا أصروا على هذا الاعتقاد كانوا أكفر من اليهود والنصارى " ( مجموع الفتاوى 8 / 262) وعليه فلا يسوغ للعبد أن يحتج على معايبه ومعاصيه بالقدر.