امتدح النبي (صلى الله عليه وسلم) حاتم الطائي، عندما وقعت ابنته سفانة في الأسر، وطلبت من نبيّ الرحمة والخُلق العظيم، أن يطلق سراحها مستعرضة الإرث الأخلاقي لأبيها، قائلةً: لا تُشَمِّتْ بي أحياء العرب؛ فقد كان أبي يفك الأسير ويحمي الضعيف، ويَقْرِي الضيف، ويشبع الجائع، ويفرّج عن المكروب، ويطعم الطعام، ويفشي السلام، ولم يرد طالب حاجة قط، أنا بنت حاتم الطائي، فرد صلى الله عليه وسلم: يا جارية، هذه (صفة المؤمن)، لو كان أبوك مسلماً لترحمنا عليه، ثم قال لأصحابه: خلوا عنها، فإن أباها كان يحب مكارم الأخلاق، وأطلقوا من معها كرامة لها ولأبيها. فمكارم الأخلاق، هي الإيمان، (بنص الحديث السابق)، وبقدر ما ترجح كفة تعامل المسلم بالتي هي أحسن، بقدر ما ترتسم الصورة الذهنية المتولّدة عن (المتديِّن الربّاني)؛ كونه أحرص الناس على أخلاق السموّ وسموّ الأخلاق، بدءاً من إعطاء كل ذي حق حقه، والتبرؤ من مظالم العباد، ومنح مَنْ ظلمهم فرصة الاقتضاء كما فعل النبي عليه الصلاة والسلام عندما كشف بطنه ليقتص منه شخص ادعى بأنه وكزه بكوعه، والمؤمن بمحمد عليه السلام نبياً ورسولاً تقض مضجعه إساءة صدرت منه تجاه إنسان أو بيئة أو وطن، لا مسبب لها أو موجب.
ولهذا فإننى أرجو من جهات الاختصاص في الدولة أن تنتبه لمدى خطورة قضية تراجع الأخلاق على كل المجتمع، وأن تستعين بعلماء الاجتماع المشهود لهم بالعلم والكفاءة لتدارس هذا الأمر فائق الأهمية، ووضع الحلول الصحيحة له على المدى الزمنى القريب والمتوسط والبعيد، حتى لا نفاجأ بتحلل وتآكل ما تبقى من منظومة الأخلاق والقيم في بلادنا الغالية، وانحدار الأجيال جيلًا بعد جيل، إلى مدارج السقوط والانهيار الأخلاقي.
أحدهم يحدثني عن (شقيق والده) البالغ من عمره ثمانية عقود، يذهب للمسجد كل يوم جمعة عند العاشرة صباحاً، ليتلو أربعة أجزاء من القرآن، وبعد الصلاة يرفض السلام على شقيقه السبعيني، بل يستفزه ببعض العبارات الجارحة أمام المصلين وهم في ساحة المسجد بسبب خلاف دنيوي! وهذا التديّن الشعبي باللسان في المسجد لم يصقل الجوهر؛ ولذا ينفضح بانتهاء الصلاة، عندما تُفصح الجوارح عن أبشع ما فيه من عدوانية وقُبح وفجور. يُقاس أثر الإسلام بما يتجلى في حياة المسلم من سلوك وأخلاق وقِيم وشِيم وحُسن انتماء لله وللكون وللوطن وللحياة وللأحياء، والبعض يعيش حالة انقطاع جذري مع منبع الإيمان النقي مثل ما يعاني آخرون سوء التعامل مع المصب فيقعون في إشكال عجز المتديّن عن تمثّل أخلاق الدِّين وأعلاها عدم الإضرار بالآخرين.