من هو أمين الناصر؟ - YouTube
ربما سيكون اختلاف روايات أمين عن جيل كتّاب الثورة أنه لن يعمد إلى المعتاد منهم فيشوّه فاروق ويشيطنه. براءة حمادة هلال وخروجه من السجن في الحلقة العاشرة من مسلسل "المداح أسطورة الوادي". سيختار هذه المرة أن يجعله أحمق مندفعًا وراء نزواته وضعفه. صحيح أن مصطفى أمين يستخدم كل ما عنده من معلومات سواء شهدها بنفسه من موقعه القريب للسلطة لسنوات، أو ما أرسله إليه تلامذته، أو قدرته على تحليل ما يصله من أخبار وما يقرأه في الصحف في إثبات فشل عبد الناصر وطغيانه وانفراده بالسلطة؛ لكن اللوم يلقى أكثر على معاوني عبد الناصر وأذرعه الممتدة في كل مكان. في كل الأحوال، لم يكفر مصطفى أمين بالثورة كما هو واضح ولم يغضب عليها، بل حاول تكرارًا أن يثبت براءته من تهمة التخابر، ويثبت ولاءه للدولة وإن خالفها. حب في الزنزانة مصطفى أمين، رسالة بعنوان قرية ظالمة، ص201 هل خلا القلب من الحب يومًا؟ هل ينضب عنه يوم يُظلم؟ حكايا الحب في الزنزانة لا تميز فقيرًا وغنيًا، قتيلاً ومقتولاً، جاهلاً وعالمًا، الحب يعيش في زنزانات مصطفى أمين كما لو كان أشعة الضوء المتسللة من شقوق جدرانها، لكنها هذه المرة قصص حب ممزوجة بمعاناة التعذيب والقتل والجهل، قصص حب تكشف إلامَ صار حال المجتمع المصري، وكيف نخره سوس الفساد حتى كاد يدمره.
بطل من ورق إننا نستطيع أن نصمد في المحن ، إذا وجدنا قلبًا نستند إليه، ولكن يوم تفقد الحب نتهاوى ويسهل كسرنا. لا نعرف بالضبط ما مرّت به هذه الرسائل من ضبط وحذف وتنقيح قبل أن تصل إلينا، لكن بقليل نظر، يمكنك أن تدرك أن أمين وهو يكتب هذه الرسائل كان ينتوي نشرها، فهو لا يظهر نفسه أبدًا على الصفحات في صورة المهزوم المخذول، تكثر شعاراته وكلماته الرنانة عن الحرية والأمل والحياة، كأنه يكتب من مكتبه في أخبار اليوم، وليس في زنزانة سحيقة يصفها هو بالقذارة. من هي زوجة امين الناصر تويتر. لا تشعر في رسائله التي صدّرها بكلمة «عزيزتي» أن هذا خطاب لأنثى محبوبة، ولا لزوجة حتى، فهو هنا لا يضعف، لا يظهر حاجاته الإنسانية، لا يطلب سجائر وطعامًا وملابس، وكأن عزيزته تلك هي الصحافة نفسها، المهنة التي نضح إيمانه بها من بين السطور، أو هي الورقة التي كانت عملة نادرة يصعب الحصول عليها، ومع ذلك كان لا يدخرها بل يملأها أحاديث وتأملات عن حاله وحال كل من حوله. وكأن أمين كان يدير رحى معركة صحفية من مكتبه، يرسل إليه تلامذته الأوفياء كل جديد في البلاد، فيحلل ويكتب ويرسل من جديد. لا تبدو حالة أمين بالمقارنة بما كان يحكي عنه من معاملة للمسجونين حالة مهينة سيئة، يبدو سجينًا مرفهًا يستطيع أن يحتفظ ببعض الأوراق والأقلام خلسة، وتهرب إليه الكتب والجرائد، صحيح يضيق عليه كل فترة، لكن 15 عشر كلبًا لم يشاركوه زنزانته يومًا، فقط سُلّط عليه مسجون جنائي ليقتله.
العجيب في هذه الرسائل التي كتبها أمين هو أن أبشع أشكال التعذيب والتنكيل التي ذكرها قد اقترنت بالإخوان المسلمين. حكى عن اغتصاب زينب الغزالي في السجن الحربي، وكيف أجبروها على المرور فوق جثث شباب الإخوان الملقاة في الممرات وتحت جثثهم المعلقة في أسقف الردهات. كيف مُنع الهضيبي من الدواء والثوب والفرش، وكيف عوقب كل مسجون حاول الحديث معه أو مساعدته. حكى عن أبشع أشكال التعذيب التي لا نتصورها في أصعب كوابيسنا وقد اقترنت جميعًا بالإخوان. والأهم أنه حكى عن الهضيبي، الشاب المجتهد الذي جاء إلى القاهرة ليدرس في كلية الحقوق ففتن بجارته وأحبها 6 سنوات، وخطبها 6 أخرى قبل أن يتزوجها. حكى عن مرشد جماعة الإخوان الذي قرأ لقاسم أمين وأعجب به وأهدى كتبه إلى زوجته، وفُتن بسعد زغلول وتنبأ بزعامته. حكى عن الشاب الذي انتظم في شيعة محمد فريد وقاوم السلطان والإنجليز، ثم عن الأب والزوج الذي شُرّدت بناته واعتقلت وضربت أمام عينيه. مصطفى أمين: مراسلكم من سجون عبد الناصر – إضاءات. تدفعك القصص لتسأل: هل كان ذلك إنصافًا من أمين أن يدوّن كل ما عرف عن عذابات مخالفيه، أم أن أسر الأيديولوجيا قد ذاب في بوتقة المحنة والعذاب، أم أن هذه الأيديولوجيات لم تكن قد تحجرت بعد؟ هل جمعتهم محنة الاحتلال، أم أن صلابة الأيديولوجيات الفكرية كانت لم تتبلور بعد ولم تضع الحدود الفاصلة بين التيارات، أم أنها لعبة السياسة وحسب؟ فاروق المسكين أن يكتب أمين من داخل زنزانات عبد الناصر، لا يعني هذا أن الملك فاروق ستكون صورته جيدة.