عبدالله بن مسعود | المحدث: البخاري | المصدر: صحيح البخاري الصفحة أو الرقم: 4886 | خلاصة حكم المحدث: [صحيح] في هذا الحَديثِ يُبيِّنُ رَسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم بعْضَ أنْواعِ التَّزيُّنِ المُحرَّمِ الذي قدْ تقَعُ فيه بعْضُ النِّساءِ، ويُعرِّضُ فاعِلَهُ للَّعنِ والطَّردِ مِن رَحْمةِ اللهِ؛ إذْ فيه تَغييرٌ لِخَلقِ اللهِ، وتَلبيسٌ وتَدْليسٌ على النَّاسِ. "وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا " - قطف الفوائد. فيَروي عَبدُ اللهِ بنُ مَسْعودٍ رضِيَ اللهُ عنه أنَّ اللهَ عَزَّ وجَلَّ لَعَنَ «الواشِماتِ»، جَمْعُ واشِمة، والوَشْمُ: أنْ يُغرَزَ عُضوٌ مِن الإنسانِ بِنَحوِ الإبْرةِ حَتَّى يَسيلَ الدَّمُ، ثُمَّ يُحْشى بِنَحْوِ كُحْلٍ فَيَصيرُ أخْضَرَ. «والمُوتَشِمات»: جَمع مُوتَشِمة، وهي الَّتي يُفْعَلُ بِها الوَشْمُ. ولَعَنَ اللهُ «المُتَنَمِّصاتِ» جَمْعُ مُتَنَمِّصة، وهي الطَّالِبةُ إزالةَ شَعَرِ وجْهِها بالنَّتفِ ونَحْوِه، إلَّا ما يَنبُتُ بِلِحيةِ المَرأةِ أو شارِبِها، أو النَّمصُ يختَصُّ بإزالةِ شَعرِ الحاجِبَينِ لترفيعِهما أو تسويَتِهما. ولَعَنَ اللهُ «المُتَفَلِّجاتِ» جَمْعُ مُتَفَلِّجةٍ، وهي الَّتي تُفرِّقُ ما بيْنَ ثَناياها بالمِبْرَدِ إظهارًا لِلصِّغَرِ وهي عَجوزٌ؛ لأنَّ ذلكَ يَكونُ لِلصِّغارِ غالِبًا، «لِلحُسنِ» أي: لِأجْلِ التَّحسينِ والجَمالِ؛ لِمَا فيه مِن التَّزويرِ.
سبب إجلاء يهود بني النضير من المدينة معاشر المستمعين والمستمعات من المؤمنين والمؤمنات!
ثُمَّ إنَّهُ تَعالى ذَكَرَ حُكْمَ الفَيْءِ فَقالَ: ﴿ما أفاءَ اللَّهُ عَلى رَسُولِهِ مِن أهْلِ القُرى فَلِلَّهِ ولِلرَّسُولِ ولِذِي القُرْبى واليَتامى والمَساكِينِ وابْنِ السَّبِيلِ كَيْ لا يَكُونَ دُولَةً بَيْنَ الأغْنِياءِ مِنكم وما آتاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وما نَهاكم عَنْهُ فانْتَهُوا واتَّقُوا اللَّهَ إنَّ اللَّهَ شَدِيدُ العِقابِ﴾ قالَ صاحِبُ الكَشّافِ: لَمْ يَدْخُلِ العاطِفُ عَلى هَذِهِ الجُمْلَةِ لِأنَّها بَيانٌ لِلْأوْلى فَهي مِنها وغَيْرُ أجْنَبِيَّةٍ عَنْها، واعْلَمْ أنَّهم أجْمَعُوا عَلى أنَّ المُرادَ مِن قَوْلِهِ: ﴿ولِذِي القُرْبى﴾ بَنُو هاشِمٍ وبَنُو المُطَّلِبِ. قالَ الواحِدِيُّ: كانَ الفَيْءُ في زَمانِ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ مَقْسُومًا عَلى خَمْسَةِ أسْهُمٍ، أرْبَعَةٌ مِنها لِرَسُولِ اللَّهِ ﷺ خاصَّةً، وكانَ الخُمْسُ الباقِي يُقَسَّمُ عَلى خَمْسَةِ أسْهُمٍ، سَهْمٌ مِنها لِرَسُولِ اللَّهِ أيْضًا، والأسْهُمُ الأرْبَعَةُ لِذِي القُرْبى واليَتامى والمَساكِينِ وابْنِ السَّبِيلِ، وأمّا بَعْدُ وفاةِ الرَّسُولِ عَلَيْهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ، فَلِلشّافِعِيِّ فِيما كانَ مِنَ الفَيْءِ لِرَسُولِ اللَّهِ قَوْلانِ: أحَدُهُما: أنَّهُ لِلْمُجاهِدِينَ المُرْصَدِينَ لِلْقِتالِ في الثُّغُورِ لِأنَّهم قامُوا مَقامَ رَسُولِ اللَّهِ في رِباطِ الثُّغُورِ.
وهذا الحديث من أعلام نبوته ـ صلى الله عليه وسلم ـ، إذ ظهر في الأمة أناس ينكرون بعض السُنَّة أو كلها بدعوى الاستغناء عنها بالقرآن الكريم. قال الخطابي: " وفي الحديث دليل على أن لا حاجة بالحديث أن يُعْرَضَ على الكتاب، وأنه مهما ثبت عن رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ كان حجة بنفسه، فأما ما رواه بعضهم أنه قال: " إذا جاءكم الحديث فاعرضوه على كتاب الله، فإن وافقَه فخُذوه، وإن خالفه فدعوه " فإنه حديث باطل لا أصل له، وقد حكى زكريا الساجي عن يحيى بن معين أنه قال: هذا حديث وضعته الزنادقة ". والنبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ له من الأوامر والنواهي التي ليس لها ذِكر في كتاب الله ـ عزّ وجلّ ـ الكثير، وهي أكثر من أن تحصى، والمسلم مأمور بطاعته ـ صلى الله عليه وسلم ـ فيها كالتزامه بطاعة الله، ومنها على سبيل المثال في الصلوات: تشريع صلاة الاستسقاء، والجنازة، وصلاة العيدين، وسجود الشكر، وفي الزكاة: زكاة الفطر وغيرها من زكوات، وفيما يحرم لبسه: تحريم الذهب والحرير على الرجال، وفيما يتعلق بآداب الطعام والشراب وتحريم الأكل في آنية الذهب والفضة، كما أن في السُنة: الأمر بحضور الجماعات، وتغسيل الميت، وتكفينه ودفنه، وغير ذلك من أمور جاءت بها السُنَّة النبوية ولم ترِدْ في كتاب الله ـ عز وجل ـ.
وقد قال الشافعي: " على أهل العلم طلب الدلالة من كتاب الله، فما لم يجدوه نصّا في كتاب الله، طلبوه في سنة رسول الله، فإن وجدوه فما قبلوا عن رسول الله فعن الله قبلوه، بما افترض من طاعته ". شبهة: الاستغناء بالقرآن عن السنة: لا يمكن الاستغناء بالقرآن الكريم عن سُنَّة النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ بحال من الأحوال، بل لا يمكن أن يُفهم الكتاب بمعزل عن السُنَة، وأي دعوة لفصل أحدهما عن الآخر إنما هي دعوة ضلال وانحراف، وهي في الحقيقة دعوة إلى هدم الدين، وتقويض أركانه والقضاء عليه من أساسه، واعتقاد البعض أن القرآن يكفيهم ضلال، ورد للقرآن الذي أمرنا صراحة بطاعة النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ في كل ما أمر ونهى، قال تعالى: { وَما آتاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَما نَهاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقابِ}(الحشر: 7). وعن عبيد الله بن أبي رافع عن أبيه عن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ قال: ( لا أَلْفِيَنَّ أحدَكم مُتَّكِئًا على أَرِيكته يأتِيه أمرٌ مِمَّا أمرْتُ به أو نَهيتُ عنه فيقول: لا أدري، ما وجدْنا في كتابِ الله اتبعناه) رواه أبو داود. وعن المقداد بن معد يكرب ـ رضي الله عنه ـ عن رسول الله ـ صلي الله عليه وسلم ـ أنه قال: ( ألا إني أوتيت الكتاب ومثله معه، ألا يوشك رجل شبعان علي أريكته، يقول: عليكم بهذا القرآن، فما وجدتم فيه من حلال فأحلوه، وما وجدتم فيه من حرام فحرموه، وإنَّ ما حرَّمَ رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ كما حرم الله) رواه أبو داود.