وقد ذكر عن بعضهم: ولو جئنا بمثله مددا, كأن قارئ ذلك كذلك أراد لنفد البحر قبل أن تنفد كلمات ربي, ولو زدنا بمثل ما فيه من المداد الذي يكتب به مدادا. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: 17649 - حدثني محمد بن عمرو, قال: ثنا أبو عاصم, قال: ثنا عيسى " ح " وحدثني الحارث قال: ثنا الحسن, قال: ثنا ورقاء, جميعا عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد, قوله: { البحر مدادا لكلمات ربي} للقلم. * - حدثنا القاسم, قال: ثنا الحسين, قال: ثني حجاج, عن ابن جريج, عن مجاهد, مثله. 17650 - حدثنا بشر, قال: ثنا يزيد, قال: ثنا سعيد, عن قتادة, قوله: { لو كان البحر مدادا لكلمات ربي} يقول: إذا لنفد ماء البحر قبل أن تنفد كلمات الله وحكمه. - 4 - تفسير القرطبي قل لو كان البحر مدادا لكلمات ربي لنفد البحر قبل أن تنفد كلمات ربي نفد الشيء إذا تم وفرغ; وقد تقدم. ولو جئنا بمثله مددا أي زيادة على البحر عددا أو وزنا. وفي مصحف أبي " مدادا " وكذلك قرأها مجاهد وابن محيصن وحميد. وانتصب " مددا " على التمييز أو الحال. وقال ابن عباس: قالت اليهود لما قال لهم النبي صلى الله عليه وسلم " وما أوتيتم من العلم إلا قليلا " [ الإسراء: 85] قالوا: وكيف وقد أوتينا التوراة, ومن أوتي التوراة فقد أوتي خيرا كثيرا ؟ فنزلت " قل لو كان البحر مدادا لكلمات ربي لنفد البحر " الآية.
تفسير قوله تعالى قُل لَّوْ كَانَ الْبَحْرُ مِدَادًا لِّكَلِمَاتِ رَبِّي لَنَفِدَ الْبَحْرُ قَبْلَ أَن تَنفَدَ كَلِمَاتُ رَبِّي وَلَوْ جِئْنَا بِمِثْلِهِ مَدَدًا قل أى قل يامحمد لو كان ماء البحر مدادا للكلمات التى تكتب به كلمات ربى وحكمه واياته الدالة عليه لفرغ البحر قبل أن يفرغ من كتابة ذلك ولو جئنا بمثله أى بحر اخر ثم اخر بحور تمده ويكتب بها لما نفدت كلمات الله.
وقيل: قالت اليهود إنك أوتيت الحكمة, ومن أوتي الحكمة فقد أوتي خيرا كثيرا, ثم زعمت أنك لا علم لك بالروح ؟! فقال الله تعالى قل وإن أوتيت القرآن وأوتيتم التوراة فهي بالنسبة إلى كلمات الله تعالى قليلة, قال ابن عباس: " كلمات ربي " أي مواعظ ربي. وقيل: عنى بالكلمات الكلام القديم الذي لا غاية له ولا منتهى, وهو وإن كان واحدا فيجوز أن يعبر عنه بلفظ الجمع لما فيه من فوائد الكلمات, ولأنه ينوب منابها, فجازت العبادة عنها بصيغة الجمع تفخيما; وقال الأعشى: ووجه نقي اللون صاف يزينه مع الجيد لبات لها ومعاصم فعبر باللبات عن اللبة. وفي التنزيل " نحن أولياؤكم " [ فصلت: 31] و " إنا نحن نزلنا الذكر " [ الحجر: 9] " وإنا لنحن نحيي ونميت " [ الحجر: 23] وكذلك " إن إبراهيم كان أمة " [ النحل: 120] لأنه ناب مناب أمة. وقيل: أي ما نفدت العبارات والدلالات التي تدل على مفهومات معاني كلامه سبحانه وتعالى. وقال السدي: أي إن كان البحر مدادا لكلمات ربي لنفد البحر قبل أن تنفد صفات الجنة التي هي دار الثواب. وقال عكرمة: لنفد البحر قبل أن ينفد ثواب من قال لا إله إلا الله. ونظير هذه الآية: " ولو أن ما في الأرض من شجرة أقلام والبحر يمده من بعده سبعة أبحر ما نفدت كلمات الله " [ لقمان: 27].
قال تعالى: { قُلْ لَوْ كَانَ الْبَحْرُ مِدَادًا لِكَلِمَاتِ رَبِّي لَنَفِدَ الْبَحْرُ قَبْلَ أَنْ تَنْفَدَ كَلِمَاتُ رَبِّي وَلَوْ جِئْنَا بِمِثْلِهِ مَدَدًا} [ الكهف 109]. قال السعدي في تفسيره: أي: قل لهم مخبرا عن عظمة الباري، وسعة صفاته، وأنها لا يحيط العباد بشيء منها: { لَوْ كَانَ الْبَحْرُ} أي: هذه الأبحر الموجودة في العالم { مِدَادًا لِكَلِمَاتِ رَبِّي} أي: وأشجار الدنيا من أولها إلى آخرها، من أشجار البلدان والبراري، والبحار، أقلام، { لَنَفِدَ الْبَحْرُ} وتكسرت الأقلام { قَبْلَ أَنْ تَنْفَدَ كَلِمَاتُ رَبِّي} وهذا شيء عظيم، لا يحيط به أحد.
العدد 255 - العدد 255- السنة الثانية والعشرون، ربيع الثاني 1429هـ، الموافق نيسان 2008م 2008/04/26م المقالات 2, 123 زيارة ( إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ) قال تعالى: ( إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ، فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ، إِنَّ شَانِئَكَ هُوَ الْأَبْتَرُ) [ الكوثر] ذكر سيد قطب، رحمه الله، في ظلاله في تفسير هذه السورة: «هذه السورة خالصة لرسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) كسورة الضحى وسورة الشرح، يسري عنه ربه فيها، ويعده بالخير، ويوعد أعداءه بالبتر، ويوجهه إلى طريق الشكر. ومن ثم فهي تمثل صورة من حياة الدعوة، وحياة الداعية في أول العهد بمكة، صورة من الكيد والأذى للنبي (صلى الله عليه وآله وسلم) ودعوة الله التي يبشر بها، وصورة من رعاية الله المباشرة لعبده وللقلة المؤمنة معه، ومن تثبيت الله وتطمينه وجميل وعده لنبيه، ومرهوب وعيده لشانئه. كذلك تمثل حقيقة الهدى والخير والإيمان، وحقيقة الضلال والشر والكفران… الأولى كثرة وفيض وامتداد، والثانية قلة وانحسار وانبتار، وإن ظن الغافلون غير هذا وذاك… ورد أن سفهاء قريش ممن كانوا يتابعون الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) ودعوته بالكيد والمكر وإظهار السخرية والاستهزاء؛ ليصرفوا جمهرة الناس عن الاستماع للحق الذي جاءهم به من عند الله، من أمثال العاص بن وائل، وعقبة بن أبي معيط، وأبي لهب، وأبي جهل، وغيرهم، كانوا يقولون عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) إنه أبتر، يشيرون بهذا إلى موت الذكور من أولاده.
وقال أحدهم: دعوه، فإنه سيموت بلا عقب وينتهي أمره. وكان هذا اللون من الكيد اللئيم الصغير يجد له في البيئة العربية التي تتكاثر بالأبناء صدى ووقعاً، وتجد هذه الوخزة الهابطة من يهش لها من أعداء رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وشانئيه، ولعلها أوجعت قلبه الشريف، ومسته بالغم أيضاً… ومن ثم نزلت هذه السورة تمسح على قلبه (صلى الله عليه وآله وسلم) بالروح والندى، وتقرر حقيقة الخير الباقي الممتد الذي اختاره له ربه، وحقيقة الانقطاع والبتر المقدر لأعدائه. إنا انطيناك الكوثر .. مقال رائع أعجبني محتواه وأتصور أن يعجب الكثير - مجموعة ورقات. ( إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ) والكوثر صيغة من الكثرة، وهو مطلق غير محدود، يشير إلى عكس المعنى الذي أطلقه هؤلاء السفهاء… إنا أعطيناك ما هو كثير فائض غزير، غير ممنوع ولا مبتور… فإذا أراد أحد أن يتبع هذا الكوثر الذي أعطاه الله لنبيه فهو واجده حيثما نظر أو تصور: هو واجده في النبوة، في هذا الاتصال بالحق الكبير، بالوجود الكبير، الوجود الذي لا وجود غيره ولا شيء في الحقيقة سواه… وهو واجده في هذا القرآن الذي نزل عليه، وسورة واحدة منه كوثر لا نهاية لكثرته، وينبوع ثر لا نهاية لفيضه وغزارته! … وهو واجده في الملأ الأعلى الذي يصلي عليه، ويصلي على من يصلي عليه في الأرض، حيث يقترن اسمه باسم الله في الأرض والسماء… وهو واجده في سنته الممتدة على مدار القرون، في أرجاء الأرض، وفي الملايين بعد الملايين السائرة على أثره، وملايين الملايين من الألسنة والشفاه الهاتفة باسمه، وملايين الملايين من القلوب المحبة لسيرته وذكره إلى يوم القيامة… وهو واجده في الخير الكثير الذي فاض على البشرية في جميع أجيالها بسببه وعن طريقه، سواء من عرفوا هذا الخير فآمنوا به، ومن لم يعرفوه ولكنه فاض عليهم فيما فاض… وهو واجده في مظاهر شتى، محاولة إحصائها ضرب من تقليلها وتصغيرها.
ومن النماذج المشهورة لاختلاف مخارج الحروف بين القبائل العربية: 1- ما يعرف ' باستبطاء قبيلة هذيل ' حيث تقلب العين نونا وبالتالي تُقرأ { إنا أعطيناك} { إنا أنطيناك} وهو قلب يُسمع حتى اليوم في بعض دول الخليج! 2- أما قبائل قيس وتميم وأسد فاشتهرت ب' العنعنة ' حيث تقلب الهمزة عيناً بحيث يقرأ بعضهم { سعل ساعل} بمعنى { سأل سائل}! 3- أما قبيلتا " ربيعة ومضر " فكانتا تقلبان الكاف شينا وكانتا تنطقان كلمتي ' بيتك ' و' لبيك الله ' ؛ ' بيتش ' و' لبيش الله ' وهو ما يدعى الشنشنة ( ويلاحظ حتى اليوم في اليمن وجنوب المملكة)! قصة إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ | قصص. 4- أما قبائل " حمـيّر " فكانت تقلب 'ال' التعريف إلى 'أم' وبهذا اللفظ تناقلت حديث ( ليس من البر الصيام في السفر) بلفظ ( ليس من أمبر أمصيام في أمسفر)!! 5- أيضا هناك التختخة ، و اللخلخة ، و الكشكشة ، و اليأيأة ، و الخأخأة ؛ التي ميزت قبائل بعينها ولها حتى اليومما يطابقها في مخارج الحروف العالمية! ورغم أنني لست ضليعا في علم القراءات – ولا لهجات العرب ومخارج الحروف – ولكنني أرى في هذا العلم مغزيين عظيمين يجب على الجميع استيعابهما: الأول: احترام ثقافات ولهجات الآخرين … والثاني: أن لا تتخذ أي جهة من نفسها مرجعا للغة والدين!!
سورة الكوثر واحدة من قصار السور التي وردت بالقرآن الكريم ، والتي تحمل الكثير من المعاني الجليلة ؛ حيث قال المولى عز { إِنَّا أَعْطَيْنَاك الْكَوْثَر فَصَلِّ لِرَبِّك وَانْحَرْ إِنَّ شَانِئَك هُوَ الْأَبْتَر} يُذكر عن أنس بن مالك أن الرسول صلّ الله عليه وسلم أغفى لبعض الوقت ؛ ثم رفع رأسه وهو يبتسم ؛ فأخبرهم رسول الله عن سبب ضحكه قائلًا أنه قد أُنزلت عليه سورة في ذلك التوقيت ثم تلا عليهم سورة الكوثر ، وبعد أن انتهى أخبرهم أن الكوثر هو نهر في الجنة عليه الكثير من الخيرات ؛ كما أخبرهم أن أمته ستَرِد عليه يوم القيامة. وردت الكثير من نصوص الأحاديث حول نهر الكوثر ؛ ورؤية رسول الله صلّ الله عليه وسلم له في رحلة الإسراء والمعراج ، ومن بين الأحاديث التي وردت عن أنس بن مالك أن الرسول صلّ الله عليه وسلم قال: {بَيْنَمَا أَنَا أَسِير فِي الْجَنَّة إِذْ عَرَضَ لِي نَهَر حَافَّتَاهُ قِبَاب اللُّؤْلُؤ الْمُجَوَّف. فَقَالَ الْمَلَك – الَّذِي مَعَهُ – أَتَدْرِي مَا هَذَا ؟ هَذَا الْكَوْثَر الَّذِي أَعْطَاك اللَّه وَضَرَبَ بِيَدِهِ إِلَى أَرْضه فَأَخْرَجَ مِنْ طِينه الْمِسْك} وورد أيضًا عن أنس بن مالك أن الرسول صلى الله حينما سأله الناس عن الكوثر قال: " هُوَ نَهَر أَعْطَانِيهِ اللَّه تَعَالَى فِي الْجَنَّة تُرَابه مِسْك أَبْيَض مِنْ اللَّبَن وَأَحْلَى مِنْ الْعَسَل تَرِدهُ طَيْر أَعْنَاقهَا مِثْل أَعْنَاق الْجُزُر " قَالَ أَبُو بَكْر يَا رَسُول اللَّه إِنَّهَا لَنَاعِمَة قَالَ " آكِلهَا أَنْعَم مِنْهَا ".
وقد تم تفسير كلمة الكوثر على أنها جاءت من الكثرة ؛ حيث أن نهر الكوثر يتصف بالكثير من الخيرات التي لا حصر لها ؛ والتي وردت بعض من أوصافها في أحاديث الرسول صلّ الله عليه وسلم المتعددة عن الكوثر. ومن بين الأوصاف التي وصفها رسول الله صلّ الله عليه وسلم لنهر الكوثر ؛ هو أنه ذات حافتين من ذهب ؛ والماء بداخله يجري فوق لؤلؤ ؛ كما ذكر أن ماء الكوثر أشد بياضًا من لون اللبن ؛ وأحلى في طعمه من العسل. ان اعطيناك الكوثر فصلي لربك وانحر. بعد أن منح الله تعالى نبيه الكريم ذلك النهر الموجود بالجنة ؛ أمره بإقامة الصلاة والنحر أي الذبح ؛ في الآية الثانية من سورة الكوثر في قوله تعالى "فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ" وهو أمر صريح من المولى عزوجل بالصلاة له وحُسن عبادته ؛ لأنه سبحانه وتعالى أهل لذلك ؛ وكما أعطى رسوله الجنة ؛ فهو يريد منه الطاعة والعبادة ، أما عن النحر فهو يعني الذبح من أجل الطعام ؛ وهو يكون باسم الله وفي اتجاه القبلة ؛ حتى يكون ذبحًا شرعيًا. وقد وردت بعض التفسيرات الأخرى لكلمة " وَانْحَرْ " حيث ذُكر من بعض المفسرين أنها تعني رفع اليدين في الوقت الذي تبدأ فيه الصلاة ، وقيل أيضًا أنها تعني أن يضع الشخص الذي يقوم بالنحر اليد اليمنى على اليد اليسرى أسفل النحر ، ولكن الأرجح هو أن النحر هو ذبح المناسك ؛ لذلك كان الرسول صلّ الله عليه وسلم يصلي العيد ثم يقوم بالنحر.
فالإسلام يأخذ الحياة كلاً لا يتجزأ ويخلصها من شوائب الشرك جميعاً، ويتجه بها إلى الله خالصه واضحة، كما نرى في مسألة الذبائح وفي غيرها من شعائر العبادة أو تقاليد الحياة… ( إِنَّ شَانِئَكَ هُوَ الْأَبْتَرُ): في الآية الاولى قرر أنه ليس أبتر، بل هو صاحب الكوثر. وفي هذه الآية يرد الكيد على كائديه، ويؤكد سبحانه أن الأبتر ليس هو محمد وإنما هم شانئوه وكارهوه… ولقد صدق فيهم وعيد الله، فقد انقطع ذكرهم وانطوى، بينما امتد ذكر محمد وعلا. ونحن نشهد اليوم مصداق هذا القول الكريم، في صورة باهرة واسعة المدى كما لم يشهده سامعوه الأولون… إن الإيمان والحق والخير لا يمكن أن يكون أبتر، فهو ممتد الفروع عميق الجذور، وإنما الكفر والباطل والشر هو الأبتر مهما ترعرع وزها وتجبر… إن مقاييس الله غير مقاييس البشر، ولكن البشر ينخدعون ويغترون فيحسبون مقاييسهم هي التي تقرر حقائق الأمور! ان اعطيناك الكوثر والماعون. وأمامنا هذا المثل الناطق الخالد… فأين الذين كانوا يقولون عن محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) قولتهم اللئيمة، وينالون بها من قلوب الجماهير، ويحسبون حينئذٍ أنهم قد قضوا على محمد وقطعوا عليه الطريق؟ أين هم؟ وأين ذكراهم؟ وأين آثارهم؟ إلى جوار الكوثر من كل شيء، ذلك الذي أوتيه من كانوا يقولون عنه: الأبتر؟… إن الدعوة إلى الله والحق والخير لا يمكن أن تكون بتراء، ولا أن يكون صاحبها أبتر، وكيف وهي موصولة بالله الحي الباقي الأزلي الخالد؟ إنما يبتر الكفر والباطل والشر ويبتر أهله، مهما بدا في لحظة من اللحظات أنه طويل الأجل ممتد الجذور… وصدق الله العظيم، وكذب الكائدون الماكرون».