الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته. اختيار هذا الخط تفسير قوله تعالى وكان حقا علينا نصر المؤمنين
"وكان حقًّا علينا نصر المؤمنين" بسم الله الرحمن الرحيم الخطبة الأولى الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره ونتوب إليه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهدي الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وتابعيهم وسلم تسليمًا كثيرًا. عباد الله: أذكركم ونفسي بوصية الله لنا بالتقوى، فاتقوه ما استطعتم في سركم وعلنكم في خلوتكم وملئكم في منشطكم ومكرهكم في عسركم ويسركم، فالتقوى تاج الكرامة وباب النجاة ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ ﴾ ، ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ ﴾.
زمن القراءة ~ 6 دقيقة يشاهد الناس أن الرسل وأتباعهم منهم من يقتل ومنهم من يلقي في الأخدود ومنهم من يستشهد ومنهم من يعيش في کرب وشدة واضطهاد، فأين وعد الله لهم بالنصر في الحياة الدنيا؟! خطبة جمعة : وكان حقّا علينا نصر المؤمنين. مقدمة لا بد لمن يريد نصرة دين الله عز وجل والتمكين له في الأرض أن يتعرف على سنن الله تعالى في نصرة دينه، وبدون هذه المعرفة لن يتم الاهتداء إلى الطريق ، وبالتالي ستضيع الأوقات والجهود ولما يأت نصر الله. ومن هذه السنن الوعد بالنصر والغلبة والتمكين إن نصر الله عز وجل لدينه ولعباده المؤمنين آت لا محالة وإن التمكين للإسلام في الأرض سيتم بعز عزيز أو بذل ذليل ، هذا وعد الله سبحانه والله لا يخلف الميعاد ، يقول الله سبحانه: ﴿إِنَّا لَنَنصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهَادُ﴾ [غافر:51]. ويقول تعالى: ﴿وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَىٰ لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُم مِّن بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا ۚ يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا ۚ وَمَن كَفَرَ بَعْدَ ذَٰلِكَ فَأُولَٰئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ﴾ [النور: 55].
هذا وصلوا على نبيكم نبي الرحمة والهدى محمد بن عبدالله صلى الله عليه وعلى آله وأزواجه وأصحابه والتابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين. اللهم انصر الإسلام والمسلمين، واجعل راية الإسلام خفاقة، اللهم عليك بأعداء الدين فإنهم لا يعجزونك، اللهم من أرادنا أو أراد أي بلد إسلامي بسوء فأشغله بنفسه واجعل كيده في نحره واجعل تدبيره تدميرًا عليه، اللهم أهلك الظالمين بالظالمين وأخرج المسلمين منهم سالمين، اللهم اجعل راية الجهاد ظاهرة، اللهم قوِّ عزيمة المسلمين وشد من وطئتهم، اللهم أصلح شباب المسلمين واجعلهم من الذين يذودون عن هذا الدين، واجعل منهم أمثال صلاح الدين وأسامة وأمثالهم. وكان حقا علينا نصر المؤمنين. اللهم وفق ولاة أمرنا واجمع بهم كلمة المسلمين، اللهم انصر إخواننا المستضعفين في فلسطين والشيشان وأفغانستان والعراق يا رب العالمين. عباد الله: إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي يعظكم لعلكم تذكرون، فاذكروه يذكركم واشكروه على آلائه يزدكم ولذكر الله أكبر والله يعلم ما تصنعون.
اللهم أعزَّ الإسلامَ المسلمينَ ، ودمرْ أعداءَ الدينِ من اليهودِ والنصارى والنصيريين ، والشيعةَ والشيوعيين ، وجميعِ الكفرةِ الملحدينَ ، ومن كَرِه الأسلامَ والمُسلمين ، اللهم إنَّ جند بشار طغوا في البلاد وأكثروا فيها الفساد ، هتكوا الأعراض ، وسفكوا دماء الأبرياء.
يقال: وفض وأوفض واستوفض بمعنى أسرع. ﴿ تفسير الطبري ﴾ القول في تأويل قوله تعالى: يَوْمَ يَخْرُجُونَ مِنَ الأَجْدَاثِ سِرَاعًا كَأَنَّهُمْ إِلَى نُصُبٍ يُوفِضُونَ (43)وقوله: ( يَوْمَ يَخْرُجُونَ) بيان وتوجيه عن اليوم الأولّ الذي في قوله: يَوْمَهُمُ الَّذِي يُوعَدُونَ ، وتأويل الكلام: حتى يلاقوا يومهم الذي يوعدونه يوم يخرجون من الأجداث وهي القبور: واحدها جدث ( سِرَاعًا كَأَنَّهُمْ إِلَى نُصُبٍ يُوفِضُونَ). كما حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة ( يَوْمَ يَخْرُجُونَ مِنَ الأجْدَاثِ سِرَاعًا): أي من القبور سراعا. حدثنا ابن عبد الأعلى، قال: ثنا ابن ثور، عن معمر، عن قتادة، مثله. وقد بيَّنا الجدث فيما مضى قبل بشواهده، وما قال أهل العلم فيه. وقوله: ( إِلَى نُصُبٍ يُوفِضُونَ) يقول: كأنهم إلى عَلَم قد نُصب لهم يستبقون. وأجمعت قرّاء الأمصار على فتح النون من قوله: ( نَصْبٍ) غير الحسن البصري، فإنه ذكر عنه أنه كان يضمها مع الصاد؛ وكأن من فتحها يوجه النصب إلى أنه مصدر من قول القائل: نصبت الشيء أنصبه نصبا. وكان تأويله عندهم: كأنهم إلى صنم منصوب يسرعون سعيا. وأما من ضمها مع الصاد فأنه يوجه إلى أنه واحد الأنصاب، وهي آلهتهم التي كانوا يعبدونها.
يخرجون من الأجداث كأنهم جراد منتشر-الشيخ زغلول النجار - YouTube
يخرجون من الأجداث يوم يدعو الداعي إلى شئ نكر الخ، وإما متعلق بمحذوف، والتقدير أذكر يوم يدعو الداعي، والمحصل أذكر ذاك اليوم وحالهم فيه، والآية في معنى قوله: " هل ينظرون إلا الساعة أن تأتيهم " الزخرف: 66، وقوله: " فهل ينتظرون إلا مثل أيام الذين خلوا من قبلهم " يونس: 102. ولم يسم سبحانه هذا الداعي من هو؟ وقد نسب الدعوة في موضع من كلامه إلى نفسه فقال: " يوم يدعوكم فتستجيبون بحمده " أسرى: 52. وإنما أورد من أنباء القيامة نبأ دعوتهم للخروج من الأجداث والحضور لفصل القضاء وخروجهم منها خشعا أبصارهم مهطعين إلى الداعي ليحاذي به دعوتهم في الدنيا إلى الايمان بالآيات وإعراضهم وقولهم: سحر مستمر. ومعنى الآية: أذكر يوم يدعو الداعي إلى أمر صعب عليهم وهو القضاء والجزاء. قوله تعالى: " خشعا أبصارهم يخرجون من الأجداث كأنهم جراد منتشر " الخشع جمع خاشع والخشوع نوع من الذلة ونسب إلى الابصار لان ظهوره فيها أتم. والأجداث جمع جدث وهو القبر ، والجراد حيوان معروف، وتشبيههم في الخروج من القبور بالجراد المنتشر من حيث أن الجراد في انتشاره يدخل البعض منه في البعض ويختلط البعض بالبعض في جهات مختلفة فكذلك هؤلاء في خروجهم من القبور ، قال تعالى: " يخرجون من الأجداث سراعا كأنهم إلى نصب يوفضون خاشعة أبصارهم " المعارج: 44.
وقال:- {إِنَّ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ بِالْغَيْبِ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ كَبِيرٌ} [سورة الملك: 12]. أسأل الله جلّ في علاه أنْ يجعلنا منهم، برحمته إنّه سبحانه أرحم الراحمين. وصلّى الله تعالى وسلّم على سيّد المرسلين، وإمام المتقين، نبيّنا محمّد، وعلى آله وصحبه أجمعين. ولله تبارك اسمه أعلم.
وهذا ينسجم مع المعنى الثاني لكلمة (الجَدَثَة) وهو مضغ اللحم. أمّا سؤالك عن قول الله عزّ وجلّ:- {يَوْمَ تُبَدَّلُ الْأَرْضُ غَيْرَ الْأَرْضِ وَالسَّمَاوَاتُ وَبَرَزُوا لِلَّهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ} [سورة سيّدنا إبراهيم عليه السلام: 48]. فهذا لا علاقة له بالقبور، لأنّ تبدّل الأرض يكون بعد الخروج منها. فَعَنِ السَّيِّدَةِ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ تَعَالَى عَنْهَا قَالَتْ:- (سَأَلْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ قَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ: {يَوْمَ تُبَدَّلُ الْأَرْضُ غَيْرَ الْأَرْضِ وَالسَّمَاوَاتُ}، فَأَيْنَ يَكُونُ النَّاسُ يَوْمَئِذٍ يَا رَسُولَ اللهِ؟ فَقَالَ: عَلَى الصِّرَاطِ) الإمام مسلم رحمه الله سبحانه. أمّا سؤالك عن الكيفية التي تبعث بها الروح إلى الجسد، فثابتة بما أخبر به سيّدنا رسول الله صلّى الله تعالى وسلّم عليه وآله وصحبه ومَنْ والاه، إذ قال في حديث طويل:- (— ثُمَّ يَقُومُ مَلَكٌ بِالصُّورِ بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ فَيَنْفُخُ فِيهِ فَيَنْطَلِقُ كُلُّ رُوحٍ إِلَى جَسَدِهَا فَتَدْخُلُ فِيهِ —) الإمام الحاكم رحمه الله جلّت قدرته. وطريقة عودة الروح إلى الجسد غير معلومة لكن ينبغي الإيمان بها لأنّها غيب، حالها لا يختلف عن نفخ الروح في الجسد عند بدء الخلق، وقد مدح الله جلّ جلاله المؤمنين بالغيب ووعدهم الأجر العظيم فقال:- {الم * ذَلِكَ الْكِتَابُ لَا رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِلْمُتَّقِينَ * الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ} [سورة البقرة: 1 – 3].
ورحم الله عزّ وجلّ مَنْ قالَ:- تُنَاجِيكَ أَجْدَاثٌ وَهُنَّ سُكُوتُ *** وَسُكَّانُهَا تَحْتَ التُّرَابِ خُفُوتُ أَيَا جَامِعَ الدُّنْـيَـا لِغَيْرِ بَلَاغَةٍ *** لِمَنْ تَجْمَعُ الدُّنْيَا وَأَنْتَ تَمُوتُ. وسبب تسمية القبر بالجَدَثِ له صِلَةٌ بمعنى كلمة (الجَدَثَة) وهو صوت الحافر والخُفّ، ومضغ اللحم. فلو تأمّلتَ هذه المعاني وقرنتها بالمواطن التي وردت فيها كلمة الأجداث في القرآن الكريم اتضّح المراد، وهو:- وصف للخروج من القبر وما ينتج عنه من أصوات بسببه، وهذا يبدو جليًّا عندما نقرأ قوله عزّ من قائل:- {خُشَّعًا أَبْصَارُهُمْ يَخْرُجُونَ مِنَ الْأَجْدَاثِ كَأَنَّهُمْ جَرَادٌ مُنْتَشِرٌ} [سورة القمر: 7]. وكلّنا يعلم الصوت الذي يصدره الجراد حين طيرانه وانتشاره. وقوله سبحانه:- {وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَإِذَا هُمْ مِنَ الْأَجْدَاثِ إِلَى رَبِّهِمْ يَنْسِلُونَ} [سورة يس: 51]. أي يسرعون في الخروج مع مقاربة الخطو، وهذا ما يؤكّده قوله جلّ وعلا:- {يَوْمَ يَخْرُجُونَ مِنَ الْأَجْدَاثِ سِرَاعًا كَأَنَّهُمْ إِلَى نُصُبٍ يُوفِضُونَ} [سورة المعارج: 43]. ومن المعلوم أيضًا أنّ الأجساد تبلى في القبور ولا يبقى منها إلا عَجْبُ الذّنَب كما أخبر سيّدنا محمّد صلوات ربي وسلامه عليه وآله وصحبه إذ قال:- (كُلُّ ابْنِ آدَمَ يَأْكُلُهُ التُّرَابُ، إِلَّا عَجْبَ الذَّنَبِ مِنْهُ خُلِقَ، وَفِيهِ يُرَكَّبُ) الإمام مسلم رحمه المنعم جلّ جلاله.