وما فعلته عن امري من القائل، نزل القرآن الكريم على سيدنا محمد صل الله عليه وسلم ليكون المعجزة الخالدة للأمة أجمع، وجاء القرآن الكريم حاملا معاني كثيرة، وأحكام توضح للناس العيش بالطريق السليم، كما وذكر القرآن الكريم العديد من القصص التي حدثت في عهد الأنبياء السابقين، والصالحين، والصحابة الكرام.
ولو ترك الجدار ينقض لظهر من تحته الكنز فلم يستطع الصغيران أن يدفعا عنه.. ولما كان أبوهما صالحا فقد نفعهما الله بصلاحه في طفولتهما وضعفهما ، فأراد أن يكبرا ويشتد عودهما ، ويستخرجا كنزهما وهما قادران على حمايته. ثم ينفض الرجل يده من الأمر. فهي رحمة الله التي اقتضت هذا التصرف. وهو أمر الله لا أمره. فقد أطلعه على الغيب في هذه المسألة وفيما قبلها ، ووجهه إلى التصرف فيها وفق ما أطلعه عليه من غيبه ( رحمة من ربك وما فعلته عن أمري).. فالآن ينكشف الستر عن حكمة ذلك التصرف ، كما انكشف عن غيب الله الذي لا يطلع عليه أحدا إلا من ارتضى. وفي دهشة السر المكشوف والستر المرفوع يختفي الرجل من السياق كما بدا. وما فعلته عن أمري - مكتبة نور. لقد مضى في المجهول كما خرج من المجهول. فالقصة تمثل الحكمة الكبرى. وهذه الحكمة لا تكشف عن نفسها إلا بمقدار. ثم تبقى مغيبة في علم الله وراء الأستار. وهكذا ترتبط - في سياق السورة - قصة موسى والعبد الصالح ، بقصة أصحاب الكهف في ترك الغيب لله ، الذي يدبر الأمر بحكمته ، وفق علمه الشامل الذي يقصر عنه البشر ، الواقفون وراء الأستار ، لا يكشف لهم عما وراءها من الأسرار إلا بمقدار... انتهى الجزء الخامس عشر ويليه الجزء السادس عشر مبدواً بقوله تعالى: ( أما السفينة فكانت لمساكين يعملون في البحر... )
وعن جريمة قطع الطريق يقول جل وعلا: ( إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الأَرْضِ فَسَاداً أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلافٍ أَوْ يُنفَوْا مِنْ الأَرْضِ ذَلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنيَا وَلَهُمْ فِي الآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ (33) إِلاَّ الَّذِينَ تَابُوا مِنْ قَبْلِ أَنْ تَقْدِرُوا عَلَيْهِمْ فَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (34) المائدة). وعن جريمة السرقة يقول جل وعلا: ( وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا جَزَاءً بِمَا كَسَبَا نَكَالاً مِنْ اللَّهِ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (38) فَمَنْ تَابَ مِنْ بَعْدِ ظُلْمِهِ وَأَصْلَحَ فَإِنَّ اللَّهَ يَتُوبُ عَلَيْهِ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (39) المائدة). وعن جريمة القتل يقول جل وعلا: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمْ الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَى الْحُرُّ بِالْحُرِّ وَالْعَبْدُ بِالْعَبْدِ وَالأُنثَى بِالأُنثَى فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ فَاتِّبَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ وَأَدَاءٌ إِلَيْهِ بِإِحْسَانٍ ذَلِكَ تَخْفِيفٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَرَحْمَةٌ فَمَنْ اعْتَدَى بَعْدَ ذَلِكَ فَلَهُ عَذَابٌ أَلِيمٌ (178) البقرة).
ومنها: القاعدة الكبيرة أيضا وهي أن " عمل الإنسان في مال غيره، إذا كان على وجه المصلحة وإزالة المفسدة، أنه يجوز، ولو بلا إذن حتى ولو ترتب على عمله إتلاف بعض مال الغير " كما خرق الخضر السفينة لتعيب، فتسلم من غصب الملك الظالم. فعلى هذا لو وقع حرق، أو غرق، أو نحوهما، في دار إنسان أو ماله، وكان إتلاف بعض المال، أو هدم بعض الدار، فيه سلامة للباقي، جاز للإنسان بل شرع له ذلك، حفظا لمال الغير، وكذلك لو أراد ظالم أخذ مال الغير، ودفع إليه إنسان بعض المال افتداء للباقي جاز، ولو من غير إذن. ومنها: أن العمل يجوز في البحر، كما يجوز في البر لقوله: { يَعْمَلُونَ فِي الْبَحْرِ ْ} ولم ينكر عليهم عملهم. ومنها: أن المسكين قد يكون له مال لا يبلغ كفايته، ولا يخرج بذلك عن اسم المسكنة، لأن الله أخبر أن هؤلاء المساكين، لهم سفينة. ومنها: أن القتل من أكبر الذنوب لقوله في قتل الغلام { لَقَدْ جِئْتَ شَيْئًا نُكْرًا ْ} ومنها: أن القتل قصاصا غير منكر لقوله { بِغَيْرِ نَفْسٍ ْ} ومنها: أن العبد الصالح يحفظه الله في نفسه، وفي ذريته. ( وَمَا فَعَلْتُهُ عَنْ أَمْرِي ).!!. ومنها: أن خدمة الصالحين، أو من يتعلق بهم، أفضل من غيرها، لأنه علل استخراج كنزهما، وإقامة جدارهما، أن أباهما صالح.
قال الإمام أحمد: حدثنا يحيى بن آدم ، حدثنا ابن المبارك ، عن معمر ، عن همام بن منبه ، عن أبي هريرة ، رضي الله عنه ، عن النبي صلى الله عليه وسلم [ في الخضر قال] إنما سمي " خضرا "; لأنه جلس على فروة بيضاء ، فإذا هي تحته [ تهتز] خضراء ". ورواه أيضا عن عبد الرزاق. وقد ثبت أيضا في صحيح البخاري ، عن همام ، عن أبي هريرة ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " إنما سمي الخضر; لأنه جلس على فروة ، فإذا هي تهتز [ من خلفه] خضراء " والمراد بالفروة هاهنا الحشيش اليابس ، وهو الهشيم من النبات ، قاله عبد الرزاق. وقيل: المراد بذلك وجه الأرض. وقوله: ذلك تأويل ما لم تسطع عليه صبرا أي: هذا تفسير ما ضقت به ذرعا ، ولم تصبر حتى أخبرك به ابتداء ، ولما أن فسره له وبينه ووضحه وأزال المشكل قال: [ ما لم] تسطع وقبل ذلك كان الإشكال قويا ثقيلا فقال: سأنبئك بتأويل ما لم تستطع عليه صبرا فقابل الأثقل بالأثقل ، والأخف بالأخف ، كما قال تعالى: فما اسطاعوا أن يظهروه وهو الصعود إلى أعلاه ، وما استطاعوا له نقبا [ الكهف: 97] ، وهو أشق من ذلك ، فقابل كلا بما يناسبه لفظا ومعنى والله أعلم. فإن قيل: فما بال فتى موسى ذكر في أول القصة ثم لم يذكر بعد ذلك؟ فالجواب: أن المقصود بالسياق إنما هو قصة موسى مع الخضر وذكر ما كان بينهما ، وفتى موسى معه تبع ، وقد صرح في الأحاديث المتقدمة في الصحاح وغيرها أنه يوشع بن نون ، وهو الذي كان يلي بني إسرائيل بعد موسى ، عليهما السلام.
وهذا لا شك أنه شاقٌّ على النفس، لكنه على المربي المدرك الفاهم يكون يسيرًا؛ لأنه يتصرف حسب الحكمة والعقل، وليس حسب الطيش والحمق، والانتصار للنفس، فهو ينظر إلى المكاسب أمامه، فيحافظ عليها. ولا تنس أخي الكريم أنك في الأسرة موضع القدوة لأبنائك، فإذا رأوك حال غضبك متأنيًا متعقلًا، كانوا هم كذلك، حتى هم مع أبنائهم مستقبلًا حال غضبهم، حتى مع الآخرين يكونون كذلك، وهذا ظاهر جدًّا من صفات بعض الآباء والأبناء الذين نشاهدهم في الواقع المعاصر، وإن مما يساعدك على أن تكون موضع قدوة صالحة بين أبنائك وبناتك وداخل أسرتك (الدعاء)، وذلك أن تدعو الله تبارك وتعالى أن يجعلك أسوةً حسنة صالحة نافعة لهم، كما أنه أيضًا من الوسائل أن يكون هناك درس داخل الأسرة عن القدوة الحسنة، وضرب الأمثلة الواقعية. القدوة والاقتداء. أيضًا من الوسائل النزول إلى الواقع العملي، وحث الأبناء والبنات أن يكون كلٌّ منهم قدوة للآخرين، سواء كانوا داخل الأسرة، أو في محيط صداقاتهم، أو في محيط مدارسهم، أو في محيط أعمالهم! أخي الكريم، إن هذه من الوسائل التي يمكن الاستعانة بها بعد الله تبارك وتعالى على القدوة الحسنة. أسأل الله تعالى لي ولك أخي الأب وأختي الأم الكريمين، ولجميع أولادنا، التوفيقَ والسداد في تصرُّفاتنا وجميع أحوالنا، وصلى الله وسلم وبارَك على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين.
اللهم إني أسألك خير المسألة وخير الدعاء وخير النجاح وخير العلم وخير العمل وخير الثواب وخير الحياة وخير الممات وثبتني وثقل موازيني وحقق أمنياتي وأرفع درجاتي وتقبل صلاتي وأغفر لي خطيئاتي وأسألك العلا من الجنة. اللهم إني أسألك موجبات رحمتك وعزائم مغفرتك والسلامة من كل إثم والغنيمة من كل بر والفوز بالجنة والنجاة من النار، اللهم أحسن عاقبتنا في الأمور كلها وأجرنا من خزي الدنيا وعذاب الآخرة.
☀. إشــراقـة.
إخوتي الكرام، أهمس في آذانكم أن اهتماكم في صلاح الابن الأكبر، هو مما يساعدكم على صلاح من دونه، فهو لا شك سيكون قدوة لإخوانه، ينظُرون إلى أفعاله وأقواله، فيفعلون مثلما يفعل، وأيضًا سيشاطركم التربية إذا كان هو موضع القدوة الحسنة لهم، لهذا كان على الأبوين أن يركِّزا جهودهما على الأكبر، ثم من دونه؛ ليكونوا قدوة لمن بعدهم. أما إذ ا كان الأمر داخل الأسرة على نطاق سلبي؛ بحيث يسمع الأولاد التربية الإيجابية، ويرون معها واقعًا سلبيًا مضادًّا، فإن هذا مما يَستشكله المتربي من الأبناء والبنات، فتراه يأمرهم بالصدق ويسمعون منه كذبًا، ويأمرهم بالصدقة، ويرونه بخيلًا لا يُنفق، ويسمعون منه أهمية صلة الرحم، ويرونه قاطعًا، ونحو ذلك من هذه المتضادات، فإنهم إذا سلكوا هذا المسلك، فقد لا تؤثر فيهم المواعظ أو التوجيهات، فكونوا وفَّقكم الله معهم على مستوى المسؤولية؛ لترونهم شموعَ إصلاحٍ وأقمار هداية. أخي الكريم، قد تَعتريك أحيانًا موجة غضب، سواء كنت أبًا أو أخًا أو أمًّا، أو غيرهم داخل الأسرة، فلا بد ألا يغيب عن ذهنك ما بنيته خلال أيام كثيرة في موجة غضب سريعة على أحد أفراد الأسرة من الصغار أو الكبار، فعليك بالتروي، وبُعد النظر، والتعامل الأمثل مع مثل هذا الغضب، فعليك أن تجعل موجة الغضب هذه كعاصفة تنتظر هدوءَها، فاستعِذْ بالله من الشيطان الرجيم، وغيِّر هيئتك، فإن كنت قائمًا، فاجلِس أو فارِق المكان، أو توضَّأ حتى تهدأ، فسترى الفرق الكبير والبون الشاسع في تصرُّفك الأخير عن تصرُّفك الأول حال الغضب لو فعلتَه.