القول في تأويل قوله تعالى: [115 - 118] أفحسبتم أنما خلقناكم عبثا وأنكم إلينا لا ترجعون فتعالى الله الملك الحق لا إله إلا هو رب العرش الكريم ومن يدع مع الله إلها آخر لا برهان له به فإنما حسابه عند ربه إنه لا يفلح الكافرون وقل رب اغفر وارحم وأنت خير الراحمين. أفحسبتم أنما خلقناكم عبثا أي: بغير حكمة ، حتى أنكرتم البعث: وأنكم إلينا لا ترجعون أي: للجزاء: فتعالى الله أي تعاظم عما تصفون ، لأنه: الملك الحق أي: المتصرف وحده ، الذي قصد بالخلق معرفته وعبادته. افحسبتم أنما خلقناكم حبثا وانكم إلينا لا ترجعون - YouTube. والذي لا يترك الجزاء بل يحق الحق: لا إله إلا هو رب العرش الكريم أي: العظيم المجيد. وقرئ بالرفع: ومن يدع مع الله إلها آخر لا برهان له به فإنما حسابه عند ربه إنه لا يفلح الكافرون [ ص: 4422] قال ابن جرير: ومن يدع مع المعبود الذي لا تصلح العبادة إلا له ، معبودا آخر لا حجة له بما يقول ولا بينة. فإنما حساب عمله السيئ عند ربه ، وهو موفيه جزاءه إذا قدم عليه. فإنه لا ينجح أهل الكفر بالله ، عنده ، ولا يدركون الخلود والبقاء في النعيم ، قال الزمخشري: وقوله: لا برهان له به كقوله: ما لم ينـزل به سلطانا وهي صفة لازمة ، نحو قوله: يطير بجناحيه جيء بها للتوكيد ، لا أن يكون في الآلهة ما يجوز أن يقوم عليه برهان.
وقال ابن أبي حاتم أيضاً: حدثنا إسحاق بن وهب العلاف الواسطي, حدثنا أبو المسيب سالم بن سلام, حدثنا بكر بن حبيش عن نهشل بن سعيد عن الضحاك بن مزاحم عن عبد الله بن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "أمان أمتي من الغرق إذا ركبوا السفينة باسم الله الملك الحق, وما قدروا الله حق قدره, والأرض جميعاً قبضته يوم القيامة, والسموات مطويات بيمينه, سبحانه وتعالى عما يشركون, باسم الله مجراها ومرساها, إن ربي لغفور رحيم ". ثم زاد سبحانه في توبيخهم فقال: 115- "أفحسبتم أنما خلقناكم عبثاً" الهمزة للتوبيخ والتقرير، والفاء للعطف على مقدر كما تقدم بيانه في مواضع: أي ألم تعلموا شيئاً فحسبتم، وانتصاب عبثاً على الحال: أي عابثين، أو على العلة: أي للعبث. قال بالأول سيبويه وقطرب، وبالثاني أبو عبيدة. القرآن الكريم - تفسير الطبري - تفسير سورة المؤمنون - الآية 115. وقال أيضاً: يجوز أن يكون منتصباً على المصدرية، وجملة "وأنكم إلينا لا ترجعون" معطوفة على أنما خلقناكم عبثاً، والعبث في اللغة: اللعب، يقال عبث يعبث عبثاً فهو عابث: أي لاعب، وأصله من قولهم عبثت الاقط: أي خلطته، والمعنى: أفحسبتم أن خلقنالكم للإهمال كما خلقت البهائم ولا ثواب ولا عقاب، وأنكم إلينا لا ترجعون بالبعث والنشور فنجازيكم بأعمالكم.
الآيــات {قاَلَ كَمْ لَبِثْتُمْ في الأرض عَدَدَ سِنِينَ* قَالُواْ لَبِثْنَا يَوْماً أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ فَاسْأَلِ العادين* قَالَ إِن لَّبِثْتُمْ إِلاَّ قَلِيلاً لَّوْ أَنَّكُمْ كُنتُمْ تَعْلَمُونَ* أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثاً وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لاَ تُرْجَعُونَ* فَتَعَالَى اللَّهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْكَرِيمِ* وَمَن يَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَهَا آخَرَ لاَ بُرْهَانَ لَهُ بِهِ فَإِنَّمَا حِسَابُهُ عِندَ رَبِّهِ إِنَّهُ لاَ يُفْلِحُ الْكَافِرُونَ* وَقُل رَّبِّ اغْفِرْ وَارْحَمْ وَأنتَ خَيْرُ الرَاحِمِينَ} (112ـ118). * * * الاستخفاف بالكافرين يوم القيامة وتنتهي السورة بالحديث عمّن كفروا بالبعث وأنكروه، وتمردوا على الله وعلى رسله، وكانوا يرون الحياة في الدنيا فرصة لن تتكرر، ففاجأتهم القيامة بالواقع الجديد الذي يتحدى كل أفكارهم الكافرة العابثة.. وبدأ السؤال، في صيغة الاستخفاف بهم، في هذا الموقف الصعب الذي أثار فيهم مشاعر الدهشة والحيرة والمفاجأة، كما أوقع في قلوبهم الخوف والرعب، من خلال الأهوال التي يشاهدونها في يوم القيامة. {قَلَ كَمْ لَبِثْتُمْ في الأرض عَدَدَ سِنِينَ} لقد مرّت عليكم الحياة هناك، واستسلمتم لكل أوضاعها وعشتم مع كل لهوها وعبثها، فهل تحصون عددها؟ هل تحسّون بثقل الوقت الذي مرّ بكم، كما تحسُّون بثقل النتائج التي حصلتم عليها في ما قطعتموه من رحلة العمر في الدنيا، {قَالُواْ لَبِثْنَا يَوْماً أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ} لقد عشنا العمر حلماً سريعاً، لأننا كنّا مستغرقين في أجواء الغفلة فيه، فلم نشعر بطوله أو بقصره، إننا نتصوره تماماً كما لو كان يوماً واحداً أو بعض يوم، ولكننا مع ذلك لا نستطيع التحديد الدقيق له {فَاسْأَلِ العادين}، الذين كانوا يحصون أعمارنا.
{قال إِن لَّبِثْتُمْ إِلاَّ قَلِيلاً} في حساب الخلود الذي ينتظركم بالعذاب في الآخرة، فقد يكون تعداد سني عمركم كبيراً في الدنيا، ولكنه لا يمثل شيئاً في الآخرة، {لَّوْ أَنَّكُمْ كُنتُمْ تَعْلَمُون}، ولكنّكم لم تعرفوا ذلك، لأنكم لم تشاءوا معرفته عبر ما منحه الله لكم من نوافذ المعرفة، ولو عرفتم قصر العمر في الدنيا، وسرّ الخلود في الآخرة، لعرفتم جيداً، ولوعيتم أن الدنيا هي ساحة المسؤولية في حركة الإنسان، في ما يقوم به من عملٍ، وأنّ الآخرة هي ساحة الحصول على نتائج المسؤولية، تماماً كما هو الزرع والحصاد.
واعدوا لهم ما استطعتم من قوة ومن رباط الخيل ترهبون به عدو الله وعدوكم - YouTube
وهي التي ترتبط ، يقال منه: ربط يربط ربطا. وارتبط يرتبط ارتباطا. ومربط الخيل ومرابطها وهي ارتباطها بإزاء العدو. ولرباط الخيل فضل عظيم ومنزلة شريفة. وكان لعروة البارقي سبعون فرسا معدة للجهاد. « وَأَعِدُّوا لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ » الشيخ عبدالباسط عبدالصمد رحمه الله - YouTube. وقيل إن المستحب منها الإناث، قاله عكرمة وجماعة. وهو صحيح. "تُرْهِبُونَ" تُخَوِّفُونَ "بِهِ عَدُوّ اللَّه وَعَدُوّكُمْ" أَيْ كُفَّار مَكَّة، "وَآخَرِينَ مِنْ دُونهمْ" أَيْ غَيْرهمْ وَهُمْ الْمُنَافِقُونَ أَوْ الْيَهُود "لَا تَعْلَمُونَهُمْ اللَّه يَعْلَمهُمْ وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ شَيْء فِي سَبِيل اللَّه يُوَفَّ إلَيْكُمْ" جَزَاؤُهُ "وَأَنْتُمْ لَا تُظْلَمُونَ" تُنْقِصُونَ مِنْهُ شَيْئًا.
ورواه الدارمي عن أبي قتادة أيضا ، أن [ ص: 395] رجلا قال: يا رسول الله ، إني أريد أن أشتري فرسا ، فأيها أشتري ؟ قال: اشتر أدهم أرثم محجلا طلق اليد اليمنى أو من الكميت على هذه الشية تغنم وتسلم. وكان صلى الله عليه وسلم يكره الشكال من الخيل. والشكال: أن يكون الفرس في رجله اليمنى بياض وفي يده اليسرى ، أو في يده اليمنى ورجله اليسرى. خرجه مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه. ويذكر أن الفرس الذي قتل عليه الحسين بن علي رضي الله عنهما كان أشكل. الثالثة: فإن قيل: إن قوله وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة كان يكفي ، فلم خص الرمي والخيل بالذكر ؟ قيل له: إن الخيل لما كانت أصل الحروب وأوزارها التي عقد الخير في نواصيها ، وهي أقوى القوة وأشد العدة وحصون الفرسان ، وبها يجال في الميدان ، خصها بالذكر تشريفا ، وأقسم بغبارها تكريما. فقال: والعاديات ضبحا الآية. ولما كانت السهام من أنجع ما يتعاطى في الحروب والنكاية في العدو وأقربها تناولا للأرواح ، خصها رسول الله صلى الله عليه وسلم بالذكر لها والتنبيه عليها. ونظير هذا في التنزيل ، وجبريل وميكال ومثله كثير. خيلٌ في آية: (وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ...). الرابعة: وقد استدل بعض علمائنا بهذه الآية على جواز وقف الخيل والسلاح ، واتخاذ الخزائن والخزان لها عدة للأعداء.
ومعنى هذا والله أعلم: أن كل ما يتلهى به الرجل مما لا يفيده في العاجل ولا في الآجل فائدة فهو باطل ، والإعراض عنه أولى. وهذه الأمور الثلاثة فإنه وإن كان يفعلها على أنه يتلهى بها وينشط ، فإنها حق لاتصالها بما قد يفيد ، فإن الرمي بالقوس وتأديب الفرس جميعا من معاون القتال. وملاعبة الأهل قد تؤدي إلى ما يكون عنه ولد يوحد الله ويعبده ، فلهذا كانت هذه الثلاثة من الحق. وفي سنن أبي داود والترمذي والنسائي عن عقبة بن عامر عن النبي صلى الله عليه وسلم: إن الله يدخل ثلاثة نفر الجنة بسهم واحد: صانعه يحتسب في صنعته الخير والرامي ومنبله. وفضل الرمي عظيم ومنفعته عظيمة للمسلمين ، ونكايته شديدة على الكافرين. قال صلى الله عليه وسلم: يا بني إسماعيل ارموا فإن أباكم كان راميا. وتعلم الفروسية واستعمال الأسلحة فرض كفاية. وقد يتعين. الثانية: قوله تعالى ومن رباط الخيل وقرأ الحسن وعمرو بن دينار وأبو حيوة [ ص: 394] ( ومن ربط الخيل) بضم الراء والباء ، جمع رباط ، ككتاب وكتب قال أبو حاتم عن ابن زيد: الرباط من الخيل الخمس فما فوقها ، وجماعته ربط. وهي التي ترتبط ، يقال منه: ربط يربط ربطا. وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة ومن رباط الخيل ترهبون به عدو - الآية 60 سورة الأنفال. وارتبط يرتبط ارتباطا. ومربط الخيل ومرابطها وهي ارتباطها بإزاء العدو.
سورة الأنفال الآية رقم 60: قراءة و استماع قراءة و استماع الآية 60 من سورة الأنفال مكتوبة - عدد الآيات 75 - Al-Anfāl - الصفحة 184 - الجزء 10. ﴿ وَأَعِدُّواْ لَهُم مَّا ٱسۡتَطَعۡتُم مِّن قُوَّةٖ وَمِن رِّبَاطِ ٱلۡخَيۡلِ تُرۡهِبُونَ بِهِۦ عَدُوَّ ٱللَّهِ وَعَدُوَّكُمۡ وَءَاخَرِينَ مِن دُونِهِمۡ لَا تَعۡلَمُونَهُمُ ٱللَّهُ يَعۡلَمُهُمۡۚ وَمَا تُنفِقُواْ مِن شَيۡءٖ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ يُوَفَّ إِلَيۡكُمۡ وَأَنتُمۡ لَا تُظۡلَمُونَ ﴾ [ الأنفال: 60] Your browser does not support the audio element. ﴿ وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة ومن رباط الخيل ترهبون به عدو الله وعدوكم وآخرين من دونهم لا تعلمونهم الله يعلمهم وما تنفقوا من شيء في سبيل الله يوف إليكم وأنتم لا تظلمون ﴾ قراءة سورة الأنفال
مسؤوليتكم نحو آية ﴿ وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ ﴾ كان رسول الله صلى الله عليه وسلم حريصًا أشد الحرص على بناء الشخصية المسلمة؛ وذلك لأن الفرد المؤمن هو اللبِنة الأولى في تكوين المجتمع المسلم، الأمر الذي في نهايته يكوِّن الدولة الإسلامية، وأعطى الرسول الكريم ذلك الاهتمامَ الدرجةَ الأولى؛ بناء الفرد لبناء المجتمع، ولبناء الدولة. ولا تنفصل القوة الإيمانية المطلوبة بقلب المؤمن عن القوة العقلية والذهنية، ولا عن القوة البدنية، فالقوةُ الروحية الإيمانية وحدها لا تكفي لنصرة أو نجدة أمة. لكن يتطلب معها الأخذ بقوله: ﴿ وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ ﴾ [الأنفال: 60]، فالإعداد في الآية صرَّح الله عز وجل بأنه من ﴿ قُوَّةٍ ﴾، وجاءت نكرة للعموم؛ أي: من كلِّ قوة لازمة لتحقيق الهدف والغاية، سواء كان قوة ذاتية "إيمانية، ذهنية، بدنية"، أم قوة خارجية "علمية، اقتصادية، سياسية، عسكرية... إلخ"، فباجتماع أسباب القوة يكون قد اكتمل الإعداد. ولأن القاعدة الربانية المعروفة من قوله تعالى: ﴿ لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا ﴾ [البقرة: 286]، كان المقدار المطلوب من الإعداد غير محدَّد، ولكنه متروك حسب كل حال، فقال الله عز وجل:﴿ مَا اسْتَطَعْتُمْ ﴾؛ أي: قدر استطاعتكم، من دون تضييق عليكم أيها المؤمنون.