وهذا موافق لما روي عن ابن عباس رضي الله عنهما حيث قال: "لا تمارِ حكيمًا ولا سفيهًا؛ فإن الحكيمَ يغلبك، والسَّفيه يؤذِيك"؛ (إحياء علوم الدين: 3/ 122)، (بهجة المجالس: 2/ 429). ويقول عبدالرحمن بن أبي ليلى: "ما ماريتُ أخي أبدًا؛ لأنِّي إن ماريتُه، إمَّا أن أُكذِّبَهُ، وإما أن أُغْضِبَه". معنى كلمة مرادف. وقال مِسْعرُ بن كِدَام يوصي ابنَه كِدامًا: إني منحتُك يا كِدَامُ وصيَّتي فاسمع لقولِ أبٍ عليك شَفيقِ أما المُزاحةَ والمِراءَ فدَعْهُما خُلُقَانِ لا أرضاهما لصديقِ إنِّي بَلَوْتُهُمَا فلم أَحْمَدْهُمَا لمجاورٍ جارًا ولا لرفيقِ (جامع بيان العلم وفضله: 2/99)، (الآداب الشرعية: 1/ 19). وقال الأصمعي رحمه الله: "سمعتُ أعرابيًّا يقول: "مَن لاحى الرِّجال ومَارَاهم، قلَّتْ كرامتُه، ومَن أكثر من شيء، عُرِفَ به". • سئل سهلُ بن عبدالله التستري: "متى يعلَم الرَّجل أنَّه من أهل السُّنَّة والجماعة؟ فقال: "إذا عَرَف من نفسه عَشْر خصالٍ: لا يترك الجماعة، ولا يسبُّ أصحاب النَّبي صلى الله عليه وسلم، ولا يخرج على هذه الأُمَّة بالسيف، ولا يكذِّب بالقدَر، ولا يشك في الإيمان، ولا يمارِي في الدِّين، ولا يترك الصلاةَ على مَن يموت من أهل القبلة بالذَّنب، ولا يترك المسحَ على الخفَّين، ولا يترك الجماعة - أو قال: الجمعة - خلفَ كلِّ والٍ جارَ أو عَدَل"؛ (شرح أصول الاعتقاد: 1/ 183).
ويلك، ومَن يدري كيف هذا؟! مَن يجوز له أن يجاوز هذا القول الذي جاء به الحديث، أو يتكلَّم فيه بشيءٍ من تلقاء نفسه، إلاَّ من سَفِه نفسَه واستخفَّ بدينه؟ إذا سمعتم الحديثَ عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فاتَّبعوه ولا تبتدعوا فيه؛ فإنَّكم إن اتبعتموه ولم تماروا فيه سَلِمتم، وإن لم تفعلوا هلكتُم"؛ (الرسالة في اعتقاد أهل السُّنَّة وأصحاب الحديث والأئمة؛ للشيخ أبي إسماعيل عبدالرحمن إسماعيل الصابوني: ص 50 - 51). [1] زعيم: كفيل وضامن. [2] ربض الجَنَّة: يعني ما حول الجَنَّة، خارجًا عنها، تشبيهًا بالأبنية التي تكون حول المدن وتحت القلاع (وهو ما يُعرف الآن بضواحي المدن). [3] المِرَاء في اللغة: الجدال، وتفسيره: استخراج غضَب المجادل، من قولهم: "مريت الشاة" إذا استخرجت لبنها، والحديث فيه: الحث على كسر النَّفْس؛ كيلا يرفع نفسه على خصمه بظهور فضله. معنى كلمة ماء يستعذب. [4] يَخْزُنُ: يحبس. [5] صَبِيغٌ: رجل قدم المدينة في عهد عمر بن الخطاب، فجعل يسأل عن متشابه القرآن، فأرسل إليه عمرُ ليعاقبه، فقال له: مَن أنت؟ قال: عبدُ الله صبيغٌ، قال: وأنا عبدُ الله عمرُ، فضربه حتى دَمِي رأسُه، فقال: حسبك يا أمير المؤمنين، قد ذهب الذي كنتُ أجده في رأسي، ثمَّ نفاه إلى البصرة؛ (الإصابة:3 /258).
عن ابن عباس قال: لمّا انصرفَ المشركونَ عن قتلى أُحدٍ انصرفَ رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم فرأَى منظَرًا أساءهُ رأى حمزةَ رضي الله عنه قدْ شُقّ بطنهُ واصطلِمَ أنْفه وجعدتْ أذناهُ فقال: "لولا أن يحزنَ النساءُ أو يكون سنةَ بعدي لتركتهُ حتّى يبعثهُ اللهُ من بطونٍ السِّباعٍ والطّيرٍ لأمثلنّ مكانه بسبعينَ رجلًا". ثمّ دعا ببردهِ فغطّى بها وجههُ فخرجتْ رجلاهُ فغطّى رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم وجههُ وجعلَ على رجليهٍ شيئًا من الإذْخرِ ثمّ قدَّمهُ فكبرَ عليه عشرا ثمّ جعلَ يُجاءُ بالرّجلِ فيوضع وحمزةُ مكانهُ حتّى صلّى عليهِ سبعينَ صلاةً وكان القتلَى سبعينَ فلمّا دُفنوا وفرغَ منهم نزلت هذه الآيةُ: {ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالحِكْمَةِ وَالمَوْعِظَةِ الحَسَنَةِ.. الدعوة إلى الله بالحكمة والموعظة الحسنة - موضوع. }، إلى قوله {وَاصْبِرْ وَمَا صَبْرُكَ إِلّا بِاللهِ}، فصبرَ رسول اللهِ صلّى الله عليه وسلّم ولم يُمثِّلْ بأَحَد. اقرأ أيضا: معنى آية وأذن في الناس بالحج فوائد آية ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة على كل مسلم متفقّه في دينه، حمل مسؤولية الدّعوة إلى الله تعالى على كاهله، وعدم التّهاون بهذه المسؤوليّة. يجب على كل مسلم أن تكون دعوته بالكلمة الطّيّبة والخلق الحسن.
وأن تكون المجادلة باللين، وبأحسن ما يكون بالقول والفعل. فإن كان لابد من العقاب، فلا يكون فيه مبالغة، ولا تعدي. تابع أيضا: تفسير: ما جعل الله لرجل من قلبين في جوفه الصبر على الأذى والاعتداء فقد جعل الله الصبر على الاعتداء هو خير وأحسن للصابرين على الرغم من قدرتهم على العدوان. وبشر الله رسوله صلى الله عليه وسلم كذلك المؤمنين بجزاء وحسن ثواب الصبر. مع إبلاغهم أنه سبحانه معهم يشد من أذرهم، وأنه سبحانه مع المتقين. فجعل سبحانه الصبر درجتان الصبر مع التقوى، والأحسن الصبر مع الإحسان. فأي دين هذا الذي يبني على الإحسان، حتى مع الأعداء؟ إنه ديننا الحنيف، دين محمد صلى الله عليه وسلم. وهذا أبلغ رد من القرآن الكريم الذين يدعون أن الإسلام انتشر بحد السيف والعدوان وحسبنا الله ونعم الوكيل. فرض الدعوة بالحكمة والموعظة الحسنة عند الرجوع إلى التاريخ الإسلامي نجد أن معظم الدول التي فتحها الإسلام لم تفتح بجيوش. وفتحت بالقول اللين، والموعظة الحسنة. فإن الدارسين للتاريخ الإسلامي أشاروا مثلاً إلى أن الإسلام وصل إلى الدول البعيدة جداً من شرق آسيا. ولكن كيف؟ فهل ذهبت الجيوش ففتحتها؟ فمثلاً دولة مثل ماليزيا وأندونيسيا والتي يتعدى تعدادهم مليار نسمة ومعظم أهلها من الموحدين كيف دخل الإسلام فيها.
وهذان القسمان هما الطرفان ؛ فالأول هو طرف الكمال ، والثاني طرف النقصان. وأما القسم الثالث: فهو الواسطة ، وهم الذين ما بلغوا في الكمال إلى حد الحكماء المحققين ، وفي النقصان والرذالة إلى حد المشاغبين المخاصمين ، بل هم أقوام بقوا على الفطرة الأصلية والسلامة الخلقية ، وما بلغوا إلى درجة الاستعداد لفهم الدلائل اليقينية والمعارف الحكمية ، والمكالمة مع هؤلاء لا تمكن إلا [ ص: 112] بالموعظة الحسنة ، وأدناها المجادلة. وأعلى مراتب الخلائق الحكماء المحققون ، وأوسطهم عامة الخلق وهم أرباب السلامة ، وفيهم الكثرة والغلبة ، وأدنى المراتب الذين جبلوا على طبيعة المنازعة والمخاصمة ، فقوله تعالى: ( ادع إلى سبيل ربك بالحكمة) معناه: ادع الأقوياء الكاملين إلى الدين الحق بالحكمة ، وهي البراهين القطعية اليقينية - وعوام الخلق بالموعظة الحسنة ، وهي الدلائل اليقينية الإقناعية الظنية. والتكلم مع المشاغبين بالجدل على الطريق الأحسن الأكمل. ومن لطائف هذه الآية أنه قال: ( ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة) فقصر الدعوة على ذكر هذين القسمين ؛ لأن الدعوة إن كانت بالدلائل القطعية فهي الحكمة ، وإن كانت بالدلائل الظنية فهي الموعظة الحسنة ، أما الجدل فليس من باب الدعوة ، بل المقصود منه غرض آخر مغاير للدعوة وهو الإلزام والإفحام ؛ فلهذا السبب لم يقل: ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة والجدل الأحسن ، بل قطع الجدل عن باب الدعوة ؛ تنبيها على أنه لا يحصل الدعوة ، وإنما الغرض منه شيء آخر ، والله أعلم.