51- "وما كان لبشر أن يكلمه الله إلا وحياً" أي ما صح لفرد من أفراد البشر أن يكلمه الله بوجه من الوجوه إلا بأن يوحي إليه فيلهمه ويقذف ذلك في قلبه قال مجاهد: نفث ينفث في قلبه. فيكون إلهاماً منه كما أوحى إلى أم موسى وإلى إبراهيم في ذبح ولده "أو من وراء حجاب" كما كلم موسى، يريد أن كلامه يسمع من حيث لا يرى، وهو تمثيل بحال الملك المحتجب الذي يكلم خواصه من وراء حجاب "أو يرسل رسولاً فيوحي بإذنه ما يشاء" أي يرسل ملكاً، فيوحي ذلك الملك إلى الرسول من البشر بأمر الله وتيسيره ما يشاء أن يوحي إليه. قال الزجاج: المعنى أن كلام الله للبشر: إما أن يكون بإلهام يلهمهم، أو يكلمهم من وراء حجاب كما كلم موسى، أو برسالة ملك إليهم. وما كان لبشر أن يكلمه الله إلا وحيا | موقع البطاقة الدعوي. وتقدير الكلام: ما كان لبشر أن يكلمه الله إلا أن يوحي وحياً، أو يكلمه من وراء حجاب أو يرسل رسولاً. ومن قرأ "يرسل" رفعاً أراد وهو يرسل، فهو ابتداء واستئناف اهـ. قرأ الجمهور بنصب "أو يرسل" وبنصب "فيوحي" على تقدير أن، وتكون أن وما دخلت عليه معطوفين على وحياً، ووحياً في محل الحال، والتقدير: إلا موحياً أو مرسلاً، ولا يصح عطف أو يرسل على أن يكلمه لأنه يصير التقدير: وما كان لبشر أن يرسل الله رسولاً، وهو فاسد لفظاً ومعنى.
وقال بعضهم: صفات الله تعالى على قسمين: منها ما يمكن معرفته بمحض دلائل العقول ومنها مالا يمكن معرفته إلا بالدلائل السمعية فهذا القسم الثاني لم يكن معرفته حاصلاً قبل النبوة. واعلم أن أهل الأصول على أن الأنبياء عليهم الصَّلاة والسَّلام كانوا مؤمنين من قبل الوحي، كان النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ يعبد الله قبل الوحي على دين إبراهيم ولم يتبين له شرائع دينه. فصل: إعراب الآية رقم (50):|نداء الإيمان. قوله: «جَعَلْنَاهُ» الضمير يعود إما لروحاً وإما للكتاب، وإما لهما، لأنهما مقصد واحد، فهو كقوله: ﴿والله وَرَسُولُهُ أَحَقُّ أَن يُرْضُوهُ﴾ [التوبة: 62]. قال ابن عباس (رَضِيَ اللَّهُ عَنْهما) يعني الإيمان: وقال السدي: يعني القرآن يهدي به من يشاء «نرشد به من نشاء» مِنْ عِبَادِنَا، و «نهدي» يجوز أن يكون مستأنفاً وأن يكون مفعولاً مكرراً للفعل وأن يكون صفة لنوراً. قوله: ﴿وَإِنَّكَ لتهدي﴾ قرأ (شهر) بن حوشب: لتهدي مبنياً للمفعول وابن السَّميقع: لتهدي بضم التاء وكمسر الدال من: أهدى والمراد بالصراط المستقيم الإسلام. قوله: ﴿صِرَاطِ الله﴾ بدل من: «صِرَاطٍ» قبله بدل كل من كل معرفة من نكرة. نبه بهذه الآية على أن الذي يجوز عبادته يجوز عبادته هو الذي يملك السموات والأرض، ثم قال: ﴿أَلاَ إِلَى الله تَصِيرُ الأمور﴾ أمور الخلائق كلها في الآخرة وهذا كالوعيد والزجر أي ترجع الأمور كلها إلى الله تعالى حيث لا يحاكم سواه فيجازي كلاً منهم بما يستحقه من ثواب أو عقاب.
{ وَمَا كَانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُكَلِّمَهُ اللَّهُ إِلَّا وَحْيًا أَوْ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ أَوْ يُرْسِلَ رَسُولًا فَيُوحِيَ بِإِذْنِهِ مَا يَشَاءُ إِنَّهُ عَلِيٌّ حَكِيمٌ} [سورة الشورى: 51] سبب نزول الآية يقول الإمام القرطبي فيه مسألتان: الأولى: قوله تعالى: { وَمَا كَانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُكَلِّمَهُ اللَّهُ إِلَّا وَحْيًا} سبب ذلك أن اليهود قالوا للنبي صلى الله عليه وسلم: ألا تكلم الله وتنظر إليه إن كنت نبيًا كما كلمه موسى ونظر إليه؛ فإنا لن نؤمن لك حتى تفعل ذلك. فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «إن موسى لم ينظر إليه» فنزل قوله: { وَمَا كَانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُكَلِّمَهُ اللَّهُ إِلَّا وَحْيًا}، ذكره النقاش والواحدي والثعلبي. والثانية احتج بهذه الآية من رأى فيمن حلف ألا يكلم رجلا فأرسل إليه رسولا أنه حانث، لأن المرسل قد سمي فيها مكلما للمرسل إليه؛ إلا أن ينوي الحالف المواجهة بالخطاب. وما كان لبشر أن يكلمه الله. قال ابن المنذر: واختلفوا في الرجل يحلف ألا يكلم فلانا فكتب إليه كتابا أو أرسل إليه رسولًا؛ فقال الثوري: الرسول ليس بكلام. وقال الشافعي: لا يبين أن يحنث. وقال النخعي: والحكم في الكتاب يحنث، وقل له مالك: يحنث في الكتاب والرسول.
2- عن عمرو بن عبيد التميمي العبسي، عن ثوبان مختصرًا. أخرجه الطيالسي في مسنده (ص 123)، (2/ 211 من ترتيبه للشيخ البنا)، وسنده ضعيف لكنه قوي بما قبله. فالطريق الثاني حُجَّة وحده لقوة سنده، وبانضمام الطريقين الآخرين إليه يصير الحديث صحيحًا لا شك فيه. وأما حديث أبي هريرة: فأخرجه أحمد في المسند أيضًا (2/ 259) عن شبيل بن عوف، عنه، قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول لثوبان: « كيف أنت يا ثوبان إذا تداعت عليكم الأمم... » الحديث نحوه، وسنده لا بأس به في الشواهد، وقال الهيثمي في "مجمع الزوائد" (7/ 287): "رواه أحمد والطبراني في الأوسط بنحوه، وإسناد أحمد جيد"! إسلام ويب - تفسير الألوسي - تفسير سورة الشورى - تفسير قوله تعالى وما كان لبشر أن يكلمه الله إلا وحيا أو من وراء حجاب- الجزء رقم25. وجملة القول: إن الحديث صحيح بطرقه وشاهده، فلا مجال لرده من جهة إسناده، فوجب قبوله والتصديق به. 2- إخباره صلى الله عليه وسلم عن الغيب: من المستغرب جدًّا عندنا الشك في صحة الحديث بدعوى "إنه يخبر عن الغيب، ولا يعلم الغيب إلا الله"، ومن المؤسف حقًّا أن تروج هذه الدعوى عند كثير من شبابنا المسلم، فقد سمعتها من بعضهم كثيرًا، وهي دعوى مباينة للإسلام تمام المباينة، ذلك لأنها قائمة على أساس أن النبي صلى الله عليه وسلم بشر كسائر البشر الذين لا صلة لهم بالسماء، ولا ينزل عليهم الوحي من الله تبارك وتعالى.
القول في تأويل قوله تعالى: ﴿وَمَا كَانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُكَلِّمَهُ اللَّهُ إِلا وَحْيًا أَوْ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ أَوْ يُرْسِلَ رَسُولا فَيُوحِيَ بِإِذْنِهِ مَا يَشَاءُ إِنَّهُ عَلِيٌّ حَكِيمٌ (٥١) ﴾ يقول تعالى ذكره: وما ينبغي لبشر من بني آدم أن يكلمه ربه إلا وحيا يوحي الله إليه كيف شاء، أو إلهاما [[كذا في الخط، ولعله إما إلقاء أو إلهاما الخ. وما كان لبشر أن يكلمه ه. ]] وإما غيره ﴿أَوْ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ﴾ يقول: أو يكلمه بحيث يسمع كلامه ولا يراه، كما كلم موسى نبيه ﷺ ﴿أَوْ يُرْسِلَ رَسُولا﴾ يقول: أو يرسل الله من ملائكته رسولا إما جبرائيل، وإما غيره ﴿فَيُوحِيَ بِإِذْنِهِ مَا يَشَاءُ﴾ يقول: فيوحي ذلك الرسول إلى المرسل إليه بإذن ربه ما يشاء، يعني: ما يشاء ربه أن يوحيه إليه من أمر ونهي، وغير ذلك من الرسالة والوحي. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. * ذكر من قال ذلك: ⁕ حدثنا محمد، قال: ثنا أحمد، قال: ثنا أسباط، عن السديّ، في قوله عز وجل: ﴿وَمَا كَانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُكَلِّمَهُ اللَّهُ إِلا وَحْيًا﴾ يوحي إليه ﴿أَوْ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ﴾ موسى كلمه الله من وراء حجاب، ﴿أَوْ يُرْسِلَ رَسُولا فَيُوحِيَ بِإِذْنِهِ مَا يَشَاءُ﴾ قال: جبرائيل يأتي بالوحي.