وَقَدْ يَكُونُ الاسْتِغْنَاءُ شُعُورَاً نَفْسِيَّاً كَاذِبَاً، وَهَذَا وَصْفُ العَبْدِ الغَافِلِ عَنِ اللهِ تعالى، النَّاسِي لِحَقِيقَةِ نَفْسِهِ، حَيْثُ يَظُنُّ أَنَّهُ غَنِيٌّ عَنِ اللهِ تعالى، فَهُوَ يَعِيشُ في شُعُورٍ فَاسِدٍ، وَيَسْتَنِدُ إلى وَهْمٍ كَاذِبٍ. نَعَمْ السُّكْرُ بِالدُّنْيَا أَشَدُّ مِنْ سُكْرِ الخَمْرِ، لِأَنَّ شَارِبَ الخَمْرِ يَصْحُو بَعْدَ سَاعَاتٍ، أَمَّا مَنْ شَرِبَ حُبَّ المَالِ وَالجَاهِ وَالسِّيَادَةِ وَالرِّيَادَةِ، فَإِنَّهُ لَا تُرْجَى إِفَاقَتُهُ مِمَّا هُوَ فِيهِ إِذْ لَمْ يَكُنْ حَاضِرَ القَلْبِ مَعَ اللهِ تعالى. القرآن الكريم - تفسير الطبري - تفسير سورة العلق - الآية 6. نَعَمْ العَبْدُ الحَاضِرُ مَعَ اللهِ تعالى لَا تُنْسِيهِ هَذِهِ النِّعَمُ رَبَّهُ عَزَّ وَجَلَّ؛ بَلْ تَزِيدُهُ تَوَاضُعَاً وَعُبُودِيَّةً للهِ تعالى، كَمَا حَصَلَ لِسَيِّدِنَا سُلَيْمَانَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ. روى ابْنُ حِبَّانَ عَمْرَو بْنَ الْعَاصِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا يَقُولُ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «يَا عَمْرُو، نِعْمَ الْمَالُ الصَّالِحُ مَعَ الرَّجُلِ الصَّالِحِ». لَو أَنْصفَ العَاقِلُ لَرَدَّ النِّعْمَةَ إلى صَاحِبِهَا ﴿وَمَا بِكُمْ مِنْ نِعْمَةٍ فَمِنَ اللهِ﴾.
الإعراب: (الضمير) في (أنزلناه) يعود على القرآن الكريم وإن لم يتقدّم له ذكر أخذا من إسناد إنزاله إليه تعالى: (في ليلة) متعلّق ب (أنزلناه).. جملة: (إنّا أنزلناه) لا محلّ لها ابتدائيّة. وجملة: (أنزلناه) في محلّ رفع خبر إنّ. 2- 5 الواو اعتراضيّة (ما) اسم استفهام في محلّ رفع مبتدأ في الموضعين.. خبر الأول جملة أدراك، وخبر الثاني (ليلة)، (ليلة) الثاني مبتدأ مرفوع خبره (خير) (من ألف) متعلّق ب (خير)، (تنزّل) مضارع مرفوع حذفت منه إحدى التاءين (فيها) متعلّق ب (تنزّل)، (بإذن) متعلّق ب (تنزّل)، (من كلّ) متعلّق ب (تنزّل) و(من) للسببيّة (سلام) خبر مقدم مرفوع للمبتدأ المؤخّر (هي)، (حتّى مطلع) جارّ ومجرور متعلّق ب (سلام). وجملة: (ما أدراك) لا محلّ لها اعتراضيّة. وجملة: (أدراك) في محلّ رفع خبر المبتدأ (ما). وجملة: (ما ليلة) في محلّ نصب مفعول به ثان لفعل أدراك. وجملة: (ليلة القدر خير) لا محلّ لها استئناف بيانيّ. خطبة عن طغيان الانسان: ( كَلَّا إِنَّ الْإِنْسَانَ لَيَطْغَى أَنْ رَآهُ اسْتَغْنَى ) - خطب الجمعة - حامد إبراهيم. وجملة: (تنزّل الملائكة) لا محلّ لها استئناف بيانيّ آخر. وجملة: (سلام هي) لا محلّ لها استئنافيّة. الصرف: (1) القدر: اسم علم لليلة بعينها من العشر الأواخر من رمضان، والأصل هو مصدر بمعنى التقدير أو بمعنى الشرف أو بمعنى الحكم، وزنه فعل بفتح فسكون.. وانظر الآية (91) من سورة الأنعام.
وقصة الصحابي الموجودة في الموطأ: لما شغل ببستانه في الصلاة ، حين رأى الطائر لا يجد فرجة من الأغصان ، ينفذ منه ، فجاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم وقال: " يا رسول الله ، إني فتنت ببستاني في صلاتي ، فهو في سبيل الله " فعرفنا أن الغنى وحده ليس موجبا للطغيان ، ولكن إذا صحبه إيثار الحياة الدنيا على الآخرة ، وقد يكون طغيان النفس من لوازمها لو لم يكن غنى إن النفس لأمارة بالسوء [ 12 \ 53]. وأنه لا يقي منه إلا التهذيب بالدين كما قال تعالى: ولو بسط الله الرزق لعباده لبغوا في الأرض ولكن ينزل بقدر ما يشاء الآية [ 42 \ 27]. كلا ان الانسان ليطغى المنشاوي. وقد ذكر عن فرعون تحقيق ذلك حين قال: أليس لي ملك مصر وهذه الأنهار تجري من تحتي أفلا تبصرون [ 43 \ 51] ، وكذلك قال قارون: إنما أوتيته على علم عندي [ 28 \ 78] ، وقال ثالث الثلاثة من بني إسرائيل: " إنما ورثته كابرا عن كابر " بخلاف المسلم ، إلى آخره. فلا يزيده غناه إلا تواضعا وشكرا للنعمة ، كما قال نبي الله سليمان: قال هذا من فضل ربي ليبلوني أأشكر أم أكفر ومن شكر فإنما يشكر لنفسه ومن كفر فإن ربي غني كريم [ 27 \ 78] ، وقد نص في نفس السورة أنه شكر الله: فتبسم ضاحكا من قولها وقال رب أوزعني أن أشكر نعمتك التي أنعمت علي وعلى والدي وأن أعمل صالحا ترضاه وأدخلني برحمتك في عبادك الصالحين [ 27 \ 19].
أقول قولي وأستغفر الله لي ولكم الخطبة الثانية ( إِنَّ الْإِنْسَانَ لَيَطْغَى أَنْ رَآهُ اسْتَغْنَى) وفي قوله تعالى: (كَلَّا إِنَّ الْإِنْسَانَ لَيَطْغَى (6) أَنْ رَآهُ اسْتَغْنَى (7) إِنَّ إِلَى رَبِّكَ الرُّجْعَى) (6):(8) العلق ، فهذا خبر من العليم الخبير، فيه بيان لحقيقة هذا الإنسان، الذي خلقه الله من علق، وعلمه ما لم يكن يعلم، فمع ما أنعم الله به عليه من النعم ، التي من أجلّها ما ذُكر من نعمة الخلق والتعليم، إلا أنه يقابل هذه النعم بالكفر والجحود، ويتجاوز حدّه فيطغى ويتكبر ويعاند ويتمرد، خاصة عندما يرى نفسه مستغنيا غير محتاج لأحد. كلا ان الانسان ليطغى تفسير. وجميل ومهم ما أورده العلامة القاسمي في تفسيره تعليقًا على هذه الآية، حيث قال ما مختصره: «دلت الآية على قاعدة عظيمة في باب التموّل المحمود، قررها الحكماء المصلحون، وهي أن لا يتجاوز المال قدر الحاجة بكثير. قالوا: لأن إفراط الثروة مهلكة للأخلاق الحميدة في الإنسان، كما نطقت به الآية الكريمة. وقال بعض الحكماء: التمَوُّل لأجل الحاجات محمود بثلاثة شروط: الشرط الأول: أن يكون إحراز المال بوجه مشروع حلال. والشرط الثاني: أن لا يكون في التمَوُّل تضييق على حاجات الغير، كاحتكار الضروريات، أو مزاحمة الصُناع والعمال الضعفاء، أو التغلب على المباحات.